آراء

عن الخوف: الذي يسكن النفس، ويأكل الروح، ويحكم الأرض

د. أشرف راجح

“سهير ليالي وياما لفيت وطفت
وف ليله راجع في الضلام قمت شفت
الخوف… كأنه كلب سد الطريق
وكنت عاوز أقتله… بس خفت
عجبي !!”

من رباعيات صلاح جاهين

ثلاثة أفلام لثلاثة مخرجين كبار طرحت “الخوف” كمحور لأحداثها، وتباينت النوعيات والأطروحات والمعالجات وجنسيات تلك الأفلام، بل حتى مصدر هذا الخوف، ولكن بقي هذا الظل الأسود الكئيب مهيمنًا على المواجهة كخصم أصيل يحتاج الأبطال إلى كثير من العناء لقهره أو حتى التصالح معه.

الفيلم الأول هو الفيلم المصري “الخوف” أو “مكان للحب” كما هو على عناوين الفيلم الذي قدمه المخرج الكبير سعيد مرزوق كثاني أفلامه في عام 1971 وعرض في مطلع العام التالي، لينتمي إلى أفلام الشباب الذين حاولوا أن يغيروا واقع السينما في فترة ما بين الحربين. وفيه تهجّر سعاد “سعاد حسني” من مدينتها “السويس” إلى “القاهرة” بعد أن عاشت مأساة الخراب والدمار وموت أمها بين يديها خلال عدوان 1967، وهناك تتعرف على المصور الصحفي أحمد “نور الشريف”، حيث رهبة النكسة تهيمن على العلاقة وذكريات الماضي القريب الأليم، والتوقعات السيئة للمستقبل تفسد اللحظات الحلوة. يحاصر الحبيبين في شقة فارغة في عقار تحت الإنشاء حارس ضخم شرس، ولكنهما ينجحان في تحطيم أسوار الخوف وتجاوز الحارس الفظ؛ لتتحقق نبوءة الفيلم بعد ذلك بقدرة مصر على تجاوز الحاجز النفسي للهزيمة وتحقيق الانتصار في أكتوبر 73. إنه الخوف الذي ينتج عن هزة نفسية قوية trauma تصيب وطنًا بأسره، وتحتاج إلى روح الشباب الحي الملهم لتجاوزها.

الفيلم الثاني هو الفيلم الألماني “علي” أو “الخوف يأكل الروح Ali: Fear Eats the Soul” للمخرج الكبير راينر فيرنر فاسبندر من إنتاج عام 1974. وتدور أحداث الفيلم بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تدخل عاملة تنظيف النوافذ والأرملة البالغة من العمر 60 عامًا إيمي “بريجيت ميرا”، في علاقة عاطفية مع الشاب المغربي المهاجر علي “الهادي بن سالم”، وهو في أواخر الثلاثينيات من عمره. تتطور العلاقة ويتزوج علي من إيمي، وينظر الجميع ممن يعيشون بالقرب منهم إلى زواجهم بشكل سلبي، ومنهم أصحاب المتاجر القريبون، كما يتحاشى زملاء إيمي في العمل التعامل معها. تصطحب إيمي حبيبها الشاب عليًا إلى ابنتها كريستا “إيرم هيرمان” وزوجها المتعصب يوجين “المخرج فاسبندر نفسه!” الذي يعتقد أن أم زوجته تفقد عقلها، وتعتقد كريستا كذلك أن والدتها، التي كانت أرملة لسنوات، تعيش في مراهقة متأخرة. تدخل العلاقة في عدد من الأزمات نتيجة للمخاوف المستمرة من النبذ الاجتماعي. ترغب إيمي في العودة لأصدقائها القدامى، وتبدأ في إهمال علي. تصبح إيمي أكثر صرامة، وتأمره بفعل المزيد من الأشياء بطريقة متسلطة. وعندما يبدو أن العلاقة قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، تعود إيمي إلى الحانة لتلقى عليًا وقد وضع النادل نفس الأغنية التي رقصت عليها معه في البداية، وأثناء الرقص تؤكد إيمي له أنها تعرف أنها كبيرة في السن وأنه يستطيع أن يهجرها إذا أراد. يسقط علي مريضًا بين ذراعي إيمي ويتضح أنه مصاب بقرحة في المعدة. تصطحب إيمي عليًا إلى المستشفى، فيخبرها الطبيب أن المرض شائع بين العمال الأجانب بسبب الإجهاد الذي يواجهونه في عملهم اليومي الشاق، ويضيف أن عليًا سيخضع لعملية جراحية لإزالة القرحة، ولكنه «يخاف» أن يعود بعد ستة أشهر بقرحة أخرى نتيجة لطبيعة عمله. تؤكد إيمي للطبيب وهي تحتضن يد علي في كل حب، أنها ستفعل كل ما في وسعها لمنع حدوث «مخاوفه» تلك. ويتبلور الخوف في هذا الفيلم في تلك الغلالة من الاضطهاد الاجتماعي البغيض ضد الأفراد المهمشين، أو المختلفين، الذين ينظر إليهم كأنهم مجرد أجسام منتجة أو مستهلكة فقط، في إطار منظومة اجتماعية تقمع كل تمايز عن مألوفها بسلاح “الخوف”.

الفيلم الثالث هو فيلم “بعد الأرض After Earth” وهو فيلم خيال علمي وحركة أميركي من إنتاج عام 2013، وتأليف وإخراج الشهير إم. نايت شيامالان، وبطولة وإنتاج النجم ويل سميث ومعه ابنه جيدن سميث. تدور أحداث الفيلم بعد مرور ألف عام على دمار كوكب الأرض نتيجة لممارسات غبية وأحداث كارثية، وانتقال البشرية للحياة في كوكب آخر بعيد، ولكنهم متقدمون جدًا تكنولوجيًا. لا يهددهم سوى كائنات فضائية متوحشة شبه عمياء تعتمد على شم “فرمونات الأدرينالين” الذي يفرزه الإنسان وقت «الخوف»، ولكن الجنرال “ويل سميث” نجح في قهر خوفه وقتالهم. تتحطم المركبة الفضائية التي تحمل الجنرال الأب وابنه أثناء نقلهم لأحد تلك الوحوش أسيرًا؛ ليضطروا إلى الهبوط على كوكب الأرض الذي لم يسكنه إنسان منذ ألف عام، والذي تتطور خلال تلك الفترة الطويلة ليصبح الآن كوكبًا غامضًا وخطرًا للغاية غير مرحب فيه بأي إنسان. ولأن الأب مصاب بشدة يقع على كاهل الابن “جيدن سميث” البالغ من العمر 13 عامًا مهمة أن يحارب من أجل حياتهم وبقائهم، رغم ما يعانيه من صدمة مبكرة لرؤيته وهو طفل صغير للوحوش وهي تنهش شقيقته وتمزقها. الفيلم فعليًا من بطولة الابن الذي يذهب في مهمة مستحيلة وسط أدغال وعرة ليصل إلى موقع به وسيلة إرسال لإشارة استغاثة نحو الفضاء العميق.

ينجح الفتى أن يقهر ألد خصومه وهي مخاوفه، حتى يستطيع في النهاية أن يقضي على الوحش الفضائي بنفس أسلوب أبيه الهادئ، ويرسل الاستغاثة الفضائية، ويتم إنقاذهم. «الخوف» في فيلم «بعد الأرض» هو الخصم الحقيقي، فالصبي المهزوز المرتعد كان عليه أن يتمالك نفسه، بل ويتحول تدريجيًا أثناء تلك الرحلة نضجًا ووعيًا، حتى يصل إلى مرحلة من الثبات الانفعالي الفائق عجز عن بلوغها الآخرون، لأن هذه كانت الوسيلة الوحيدة للنجاة في صراع البقاء داخل تلك «الجنة العذراء» التي لا ترحب كثيرًا ببني البشر.

وفي الختام يبقى هذا الشعور الإنساني الثقيل، رغم ظلاله القاتمة، أحد دوافع حراك الإنسان في الدنيا، وأحد خياراته أيضًا، باعتبار ما قال الجنرال الأب لابنه في فيلم «بعد الأرض» محذرًا أن: «الخطر واقع، والخوف اختيار».

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى