تحذير شرعي من عبارة شائعة.. لماذا اعتبر الخثلان وصف الطقس بـ«ولا غلطة» سوء أدب مع الله؟
الترند العربي – متابعات
في وقتٍ تتزايد فيه العبارات اليومية المتداولة على ألسنة الناس دون تمحيصٍ لمعانيها أو دلالاتها العقدية، أطلق فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن تركي الخثلان، أستاذ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأحد مدرّسي الحرمين الشريفين، تحذيرًا لافتًا بشأن عبارة شائعة يستخدمها كثيرون عند وصف الطقس الجميل، وهي عبارة: «الجو اليوم ولا غلطة».
التحذير لم يكن لغويًا أو اجتماعيًا فحسب، بل حمل بُعدًا عقديًا وأدبيًا عميقًا، إذ شدد الشيخ الخثلان على أن هذه العبارة، وإن قُصد بها المدح أو الإعجاب بحسن الجو، إلا أنها تنطوي في جوهرها على سوء أدب مع الله عز وجل، لما تحمله من إيحاءات غير لائقة عند إسقاطها على أفعال الخالق سبحانه.

سؤال بسيط فتح بابًا فقهيًا واسعًا
جاء حديث الشيخ الخثلان ردًا على سؤال وُجّه إليه حول الحكم الشرعي لاستخدام هذه العبارة، وهي من التعابير الدارجة في اللهجة العامية، حيث يقصد بها القائل أن الجو مثالي أو في أفضل حالاته. إلا أن الشيخ توقف عند مفردة «ولا غلطة»، متسائلًا عن معناها الحقيقي ومآلاتها العقدية.
وأوضح أن الإشكال لا يكمن في نية المتكلم فقط، بل في اللفظ ذاته وما يحتمله من معنى، مؤكدًا أن الألفاظ في الشريعة ليست مجرد أصوات، بل حوامل للمعاني، وقد يترتب عليها حكم شرعي إذا تضمنت محذورًا عقديًا أو أدبيًا.

«ولا غلطة».. على من يُسقَط الوصف؟
قال الشيخ الخثلان موضحًا: عندما نقول «ولا غلطة»، فإن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: «ولا غلطة ممن؟». فإن كان المقصود البشر، فالعبارة تُستخدم في موضعها المعتاد، كأن يُقال عن صانع أو مهندس أو عامل: «عمله متقن ولا غلطة».
أما إذا كان الوصف موجّهًا ضمنًا إلى فعلٍ من أفعال الله تعالى، كخلق الطقس أو تدبير الكون، فإن ذلك يفتح بابًا خطيرًا في جانب الأدب مع الله سبحانه، لأن أفعال الله لا تُقاس ولا تُقيّم بمقاييس البشر، ولا يُقال عنها «بلا خطأ» على سبيل المقارنة أو المفاضلة.
وشدد الشيخ على أن الله سبحانه وتعالى منزه عن الخطأ أصلًا، ولا يجوز أن يُذكر هذا المعنى في سياق يوهم أن الأصل هو احتمال الخطأ ثم نفيه، لأن هذا في حد ذاته إسقاط بشري على فعلٍ إلهي كامل.

الفرق بين المدح المشروع وسوء الأدب
وبيّن الخثلان أن الشريعة الإسلامية فرّقت بوضوح بين الثناء المشروع على نعم الله، وبين الألفاظ التي تحمل معاني موهمة أو غير لائقة. فحمد الله على نعمة الجو الجميل، أو القول بأن الطقس معتدل أو لطيف، أو أن الله أسبغ علينا نعمة الطقس الحسن، كلها عبارات مشروعة ومحمودة.
أما استخدام ألفاظ عامية تحمل دلالات بشرية محضة، ثم إسقاطها على أفعال الخالق، فهو أمر ينبغي التوقف عنده، حتى وإن لم يكن القصد سيئًا.
وأكد أن الأدب مع الله تعالى لا يقتصر على الأفعال، بل يشمل الأقوال والتعابير اليومية، مشيرًا إلى أن كثيرًا من المخالفات اللفظية تقع بسبب الاعتياد لا التعمد.
«خلق كل شيء فقدّره تقديرًا»
استشهد الشيخ الخثلان بالقاعدة القرآنية الراسخة: «الذي خلق فسوى، والذي قدّر فهدى»، مؤكدًا أن كل ما في الكون يجري بتقديرٍ إلهي محكم، لا مجال فيه للخطأ أو النقص، وبالتالي فإن استخدام عبارات توحي بالمقارنة أو التقييم البشري لأفعال الله يُعد خللًا في جانب التعظيم.
وأضاف أن المسلم مطالب بأن يكون لسانه منضبطًا، خاصة في ما يتصل بجانب العقيدة والتوحيد، لأن الكلمة قد تجرّ صاحبها إلى معنى لا يقصده، لكنه يُحاسب عليه من حيث اللفظ.
لماذا تنتشر هذه العبارات رغم محاذيرها؟
يرى مختصون في الشأن الدعوي واللغوي أن انتشار مثل هذه العبارات يعود إلى عدة أسباب، من أبرزها الاعتياد اليومي، وتأثير اللهجات العامية، وغياب الوعي بمعاني الألفاظ، إضافة إلى تقليد ما يُتداول في وسائل التواصل الاجتماعي دون تمحيص.
ويؤكد هؤلاء أن دور العلماء والدعاة يتمثل في التنبيه لا التجريم، وفي تصحيح المفاهيم دون تضييق، وهو ما فعله الشيخ الخثلان حين دعا إلى استبدال العبارة بغيرها، دون اتهام الناس في نياتهم.
بدائل لغوية مشروعة وآمنة
دعا الشيخ الخثلان إلى استخدام عبارات بديلة تليق بجلال الله وتعكس شكر النعمة دون محذور، مثل: «الجو جميل والحمد لله»، أو «نعمة من الله»، أو «الطقس معتدل بفضل الله»، أو «الحمد لله على هذا الجو».
وأوضح أن هذه العبارات تجمع بين الثناء والشكر، وتبتعد عن أي إيحاء غير لائق، كما تُرسّخ ثقافة الحمد بدل ثقافة التقييم.
الأدب مع الله.. قيمة منسية في التفاصيل اليومية
يعكس هذا الطرح الفقهي أهمية إعادة النظر في تفاصيل الحياة اليومية التي قد تبدو بسيطة، لكنها تمس جوهر العلاقة بين العبد وربه. فالأدب مع الله ليس حكرًا على العبادات الظاهرة، بل يشمل اللسان، والتعبير، والموقف، والنظرة إلى النعم.
ويؤكد علماء العقيدة أن حسن الأدب مع الله هو من كمال الإيمان، وأن المسلم كلما ازداد علمًا بربه، ازداد حرصًا على ألفاظه وسلوكياته.
الوعي اللغوي بوصفه مدخلًا للسلامة العقدية
تُبرز هذه القضية الحاجة إلى رفع مستوى الوعي اللغوي في المجتمعات العربية، خاصة مع تسارع تداول المحتوى عبر المنصات الرقمية، حيث تنتشر العبارات دون مراجعة أو تدقيق.
ويرى مختصون أن إدراك أبعاد اللغة لا يقتصر على البلاغة أو الجمال، بل يشمل السلامة العقدية، وهو ما يجعل مثل هذه التنبيهات ذات أهمية بالغة في العصر الحديث.
بين النية واللفظ.. أين يقع الحكم؟
يؤكد الفقهاء أن حسن النية لا يُسقط دائمًا حكم اللفظ، خاصة إذا كان اللفظ موهمًا أو محظورًا في ذاته. ولذلك فإن المسلم مأمور بتحسين ألفاظه كما يُحسّن مقاصده.
وشدد الشيخ الخثلان على أن المقصود من هذا التنبيه ليس التضييق أو التشدد، بل حماية جانب التعظيم، وترسيخ ثقافة لغوية منضبطة تنسجم مع العقيدة الإسلامية.
هل تُعد عبارة «الجو اليوم ولا غلطة» كفرًا أو شركًا؟
لا، لا تُعد كفرًا أو شركًا إذا لم يُقصد بها إساءة أو انتقاص، لكنها تُعد لفظًا غير لائق من حيث الأدب مع الله، ويُستحب اجتنابها.
هل يُؤاخذ الإنسان على ما اعتاد قوله دون قصد؟
الأصل أن الإنسان غير مؤاخذ على ما لا يقصده، لكن يُطالب بتصحيح ألفاظه بعد التنبيه، لأن الاستمرار بعد العلم يُعد تفريطًا.
ما البديل الشرعي الأفضل لهذه العبارة؟
أفضل البدائل هي عبارات الحمد والشكر، مثل: «الحمد لله على هذا الجو»، أو «نعمة من الله».
هل تدخل هذه المسألة ضمن باب العقيدة أم الآداب؟
هي مسألة تتقاطع بين العقيدة والأدب، لأنها تمس جانب التعظيم اللفظي لله تعالى.
هل يجوز مدح النعم عمومًا؟
نعم، يجوز بل يُستحب، بشرط أن يكون المدح مقرونًا بالحمد والشكر، دون ألفاظ موهمة أو مقارنة بشرية.
خلاصة المشهد
في زمنٍ تتسارع فيه الكلمات قبل المعاني، يأتي هذا التحذير ليعيد ضبط البوصلة، ويذكّر بأن اللسان مرآة القلب، وأن الأدب مع الله يبدأ من أصغر التفاصيل. فكما يُحسن الإنسان اختياره لأفعاله، فإن إحسان اختيار ألفاظه جزء لا يتجزأ من كمال إيمانه وتمام شكره.
اقرأ أيضًا: المملكة تُدين بناء 19 مستوطنة جديدة بالضفة الغربية وتُحذّر من تقويض حل الدولتين
