البحر الأحمر.. مشاهد من رابع أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم

البحر الأحمر.. مشاهد من رابع أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم
الترند العربي – متابعات
إرث بيئي بحري استثنائي
يُعدّ البحر الأحمر أحد أعظم كنوز الطبيعة على وجه الأرض، ليس فقط لجمال مياهه ودفئها، بل لما يحتضنه من نظام بيئي بحري متكامل يُصنّف ضمن رابع أكبر نظام للشعاب المرجانية في العالم، إذ يضم نحو 6.2% من إجمالي الشعاب المرجانية على كوكب الأرض. ومع دخول فصل الخريف وتراجع ذروة حرارة الصيف، تبدأ دورة التجدد الطبيعي في أعماق البحر الأحمر، فتُفتح نافذة بيئية جديدة لتعافي الشعاب واستعادة ألوانها المبهرة التي جعلت هذه المنطقة مقصدًا عالميًا للغواصين والعلماء على حد سواء.
تنوع نادر وقدرة على مقاومة التغير المناخي
تُظهر الدراسات العلمية الحديثة أن البحر الأحمر يحتضن أكثر من 310 أنواع من الشعاب المرجانية، منها 270 نوعًا من المرجان الصلب و40 نوعًا من المرجان اللين، تمتد على مساحة تُقدّر بـ 13,605 كيلومترات مربعة في البحر الأحمر وخليج عدن.
لكن ما يميز شعاب البحر الأحمر ليس عددها فقط، بل قدرتها الفريدة على مقاومة التغير المناخي. فبينما تتأثر الشعاب المرجانية في بقية محيطات العالم بظواهر الابيضاض والانقراض، تُظهر شعاب البحر الأحمر قدرة استثنائية على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة، لتُصبح بذلك ملاذًا طبيعيًا للشعاب المرجانية العالمية في مواجهة آثار الاحتباس الحراري.

الابيضاض والتعافي.. دورة حياة بحرية مدهشة
تتعرض الشعاب المرجانية حول العالم لما يُعرف بظاهرة الابيضاض (Bleaching)، وهي حالة تفقد فيها الشعاب ألوانها نتيجة لطرد الطحالب التكافلية (الزوكسنتيلا) من أنسجتها بسبب الإجهاد الحراري.
غير أن البحر الأحمر يقدم نموذجًا مختلفًا، إذ أثبتت الدراسات الصادرة عن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) وعدة مراكز بحثية متخصصة، أن الشعاب المرجانية في البحر الأحمر تمتلك آلية ذاتية للتعافي عند عودة درجات الحرارة إلى مستوياتها المعتدلة، حيث تستعيد الطحالب التكافلية نشاطها ويستعيد المرجان حيويته خلال أسابيع قليلة، في مشهد يعكس مرونة بيئية نادرة.
موقع فريد يجمع بين الجغرافيا والجيولوجيا
يمتد البحر الأحمر بين قارتي آسيا وإفريقيا بطول يتجاوز 2250 كيلومترًا، وتحيط به سواحل المملكة العربية السعودية من الشرق ومصر والسودان من الغرب، ما يجعله واحدًا من أكثر البيئات البحرية تنوعًا وتوازنًا في العالم.
وتعود خصوصية نظامه البيئي إلى نشأته الجيولوجية الفريدة، إذ تشكّل نتيجة لانفصال القارتين قبل ملايين السنين، ما أوجد بيئة بحرية مغلقة نسبيًا تتأقلم فيها الكائنات مع ملوحة عالية وحرارة مرتفعة.
هذه الظروف القاسية صنعت نظامًا مرجانيًا قويًا ومتماسكًا، تتعايش فيه مئات الأنواع من الأسماك واللافقاريات، بينها أنواع لا توجد إلا في البحر الأحمر.

المملكة تقود جهود الاستدامة البحرية
تولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا استثنائيًا بالبحر الأحمر بوصفه أحد المكونات الرئيسة لرؤية المملكة 2030 في مجالات البيئة والسياحة والاقتصاد الأزرق.
وفي ديسمبر 2024، أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله –، الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، التي تستهدف حماية النظام البيئي البحري، وتنمية اقتصاده بشكل مستدام يعزز جودة الحياة ويضمن توازن التنمية مع البيئة.
تعمل الهيئة السعودية للبحر الأحمر بالتعاون مع منظومة البيئة والمياه والزراعة والجهات ذات العلاقة على تطبيق آليات حماية دقيقة تشمل مراقبة جودة المياه، وتنظيم الأنشطة السياحية والبحرية، ومتابعة صحة الشعاب المرجانية باستخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد والطائرات المسيرة.
مشاريع رائدة في قلب البحر الأحمر
ضمن مساعي المملكة لتعزيز استدامة البيئة البحرية، يجري تنفيذ مشروعات ضخمة في سواحل البحر الأحمر مثل مشروع “البحر الأحمر” التابع لصندوق الاستثمارات العامة، الذي يُعد من أكثر المشاريع السياحية استدامة في العالم، ويهدف إلى تطوير وجهة سياحية فاخرة مع الحفاظ الكامل على النظام البيئي البحري.
يُنفَّذ المشروع وفق معايير بيئية صارمة، حيث يُمنع البناء في المناطق الحساسة بيئيًا، وتُدار الطاقة بالكامل من مصادر متجددة، كما تُستخدم التقنيات الحديثة لمراقبة صحة الشعاب المرجانية في الوقت الفعلي.
الخريف.. موسم التجدد البيئي
يُعد فصل الخريف مرحلة مهمة في دورة حياة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، إذ تنخفض درجات حرارة المياه تدريجيًا، مما يسمح للشعاب بإعادة امتصاص الطحالب التكافلية واستعادة نشاطها الحيوي.
في هذه الفترة، تزدهر الحياة البحرية مجددًا، وتزداد حركة الأسماك الملونة والسلاحف البحرية التي تعود إلى مواقعها المعتادة للتغذية والتكاثر.
وتتحول الأعماق إلى لوحة فنية متكاملة من الألوان، تتدرج بين الأحمر والأصفر والأزرق البنفسجي، في مشهدٍ يختصر جمال التنوع الحيوي السعودي تحت سطح الماء.

دور البحث العلمي في حماية المرجان
تُولي المؤسسات البحثية السعودية اهتمامًا خاصًا بدراسة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر.
ومن أبرز هذه الجهات جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، التي أنشأت مركزًا متخصصًا لدراسة بيئة البحر الأحمر، وأجرت مئات الأبحاث حول مقاومة المرجان للحرارة العالية، واستخدام الهندسة الجينية في إنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض.
كما تُشارك الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة في تنفيذ برامج مراقبة دورية لمستويات الملوحة ودرجات الحرارة، لضمان حماية الأنظمة البيئية الحساسة.
التوعية المجتمعية.. ركيزة الاستدامة
إلى جانب الجهود البحثية، تُعد التوعية البيئية من أهم عناصر استدامة البحر الأحمر.
فقد أطلقت الجهات المعنية حملات تثقيفية موجهة للسكان والزوار، توضح كيفية التعامل الآمن مع الشعاب المرجانية، وتحثّ على تجنّب ملامستها أو كسرها أثناء الغوص، إلى جانب الحد من التلوث البحري الناتج عن القوارب والمخلفات البلاستيكية.
كما تُنظَّم حملات تنظيف الشواطئ بشكل دوري بمشاركة متطوعين من مختلف الأعمار، ما يعكس روح المسؤولية البيئية التي أصبحت جزءًا من ثقافة المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة.
البحر الأحمر وجهة المستقبل السياحي
يتحول البحر الأحمر تدريجيًا إلى وجهة عالمية للسياحة البيئية المستدامة، بفضل مقوماته الطبيعية الفريدة وموقعه الجغرافي المميز.
فمن شواطئ أملج والوجه وتبوك وينبع إلى جزر أمالا والعلا، تتكامل المشروعات السياحية مع حماية البيئة البحرية، لتقديم تجربة فريدة تجمع بين الفخامة والاستدامة.
ويُتوقع أن تُسهم هذه المشاريع في رفع مساهمة السياحة البحرية في الناتج المحلي الإجمالي، مع خلق آلاف الفرص الوظيفية في مجالات الغوص البيئي، والبحث العلمي، والضيافة المستدامة.
ما سبب تميّز البحر الأحمر بيئيًا؟
لأنه يتمتع ببيئة مغلقة نسبيًا تمنح شعابه قدرة نادرة على مقاومة التغير المناخي، مما جعله من أكثر الأنظمة المرجانية استقرارًا في العالم.
كم عدد أنواع الشعاب المرجانية في البحر الأحمر؟
يضم أكثر من 310 نوعًا من الشعاب المرجانية، منها 270 نوعًا صلبًا و40 نوعًا لينًا.
ما أبرز التهديدات التي تواجه الشعاب المرجانية؟
الاحتباس الحراري، التلوث البحري، والأنشطة البشرية غير المنظمة، لكنها أقل تأثيرًا في البحر الأحمر بفضل الجهود الوقائية السعودية.
كيف تساهم السعودية في حماية الشعاب المرجانية؟
من خلال الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، والمشروعات البيئية الكبرى، والبحوث العلمية المتقدمة.
ما العلاقة بين الخريف وتعافي الشعاب المرجانية؟
يُعد الخريف موسمًا طبيعيًا لاعتدال درجات حرارة المياه، ما يمنح الشعاب فرصة للتعافي واستعادة الطحالب التكافلية.
هل يمكن للسياح الغوص في مناطق الشعاب المرجانية؟
نعم، ضمن برامج سياحية منظمة تضمن حماية البيئة البحرية وتطبيق أعلى معايير السلامة.
هل توجد أنواع مهددة بالانقراض في البحر الأحمر؟
نعم، تشمل بعض أنواع السلاحف والأسماك المرجانية النادرة التي يجري العمل على حمايتها من خلال برامج بيئية وطنية.
ما دور البحث العلمي في الحفاظ على الشعاب؟
يسهم في تطوير تقنيات الإنقاذ وإعادة التوطين، ورصد العوامل البيئية المؤثرة على صحة المرجان.
كيف تُسهم مشاريع البحر الأحمر في الاستدامة؟
من خلال اعتماد الطاقة المتجددة، وحماية المناطق الحساسة، وتعزيز السياحة البيئية منخفضة الأثر.
ما مستقبل البحر الأحمر في ضوء رؤية 2030؟
سيكون محورًا رئيسًا للسياحة البيئية العالمية ومختبرًا للابتكار في مجالات الاستدامة والاقتصاد الأزرق.
📍 ختامًا:
من أعماق البحر الأحمر، تُسطّر المملكة فصلًا جديدًا من فصول الريادة البيئية العالمية، إذ لا تقتصر الجهود على حماية المرجان فقط، بل تمتد إلى صون التوازن بين الإنسان والطبيعة في أحد أروع بحار العالم.
ومع كل موجة تمر فوق الشعاب، تتجدد رسالة المملكة للعالم:
أن الاستدامة ليست خيارًا.. بل أسلوب حياة يقود نحو مستقبل أكثر ازدهارًا وازدهارًا.