ذاكرة لا تُقدَّر بثمن.. داخل مكتبة جمعية أدبي الطائف حيث تحفظ الكتب تاريخ المدينة الثقافي
الترند العربي – متابعات
ليست مكتبة جمعية أدبي الطائف مجرد رفوف مصطفّة تحمل كتبًا صامتة، بل هي ذاكرة حيّة تمتد لأكثر من أربعة عقود، تختزن بين جدرانها تحولات المشهد الثقافي في الطائف، وتوثّق أسماء وأفكار ومراحل شكّلت الوعي الأدبي في المنطقة. أكثر من 20 ألف عنوان، بينها مؤلفات نادرة، ومجلات قديمة، وكتب مهداة من مثقفين بارزين، تجعل من هذه المكتبة واحدًا من أهم الكنوز المعرفية المحلية التي لا تزال تنتظر قراءة أوسع واهتمامًا أعمق.
في أمسية أدبية دافئة احتضنتها جمعية أدبي الطائف ضمن فعاليات الشريك الأدبي، خرجت هذه الكنوز إلى الضوء، حين كشف محمد حمدان الغامدي، أمين مكتبة الجمعية منذ أكثر من أربعين عامًا، تفاصيل رحلة مكتبة عاشت التحولات، وصمدت أمام تغير الأزمنة، وظلّت محافظة على دورها بوصفها مرجعًا للباحثين والمهتمين بالأدب والفكر.

أمسية تفتح أبواب الذاكرة
الأمسية لم تكن استعراضًا رقميًا لأعداد الكتب والمقتنيات، بل نافذة على تاريخ ثقافي طويل. الغامدي، الذي ارتبط اسمه بالمكتبة منذ عقود، قدّم سردًا أقرب إلى الشهادة التاريخية، تحدث فيه عن نشأة المكتبة، وعن الكتب الأولى التي دخلت رفوفها، وعن الأسماء التي مرّت بها، وترك بعضها أثرًا لا يزال حاضرًا حتى اليوم.
هذا السرد أعاد طرح سؤال جوهري: كيف يمكن لمكتبة محلية أن تتحول إلى مرآة لحراك ثقافي كامل؟ والإجابة جاءت عبر تفاصيل دقيقة، تُظهر أن المكتبة لم تكن يومًا مكانًا هامشيًا، بل مركزًا نابضًا للمعرفة.

من نادٍ أدبي إلى جمعية ثقافية
تعود جذور المكتبة إلى تأسيس النادي الأدبي الثقافي بالطائف، قبل أن يتحول لاحقًا إلى جمعية أدبية. هذا التحول المؤسسي لم يكن مجرد تغيير في الاسم، بل انعكاس لتطور الدور الثقافي، واتساع دائرة النشاط، وزيادة الاهتمام بالكتاب والبحث والتوثيق.
المكتبة رافقت هذا التحول خطوة بخطوة، ونمت معه، لتصبح سجلًا حيًا لهذه المرحلة، تحتفظ بإصدارات النادي الأولى، وتوثّق أسماء المؤلفين، والموضوعات التي شغلت المثقفين في كل مرحلة.
أكثر من 20 ألف عنوان.. ماذا تعني؟
الحديث عن أكثر من 20 ألف عنوان قد يبدو رقمًا مجرّدًا، لكنه في الواقع يعكس تنوعًا معرفيًا لافتًا. المكتبة تضم كتبًا في الأدب، والنقد، والتاريخ، والفكر، إلى جانب مجلات أدبية قديمة تشكّل أرشيفًا نادرًا للباحثين.
هذا التنوع يجعل المكتبة مساحة جامعة، لا تقتصر على تخصّص واحد، بل تفتح أبوابها أمام مختلف الاهتمامات، من الشعر والرواية، إلى الدراسات الفكرية والتاريخية.

الكتب النادرة.. كنوز لا تُقدَّر بثمن
من بين أبرز ما تحتضنه مكتبة جمعية أدبي الطائف، مجموعة من المؤلفات النادرة التي يصعب العثور عليها في المكتبات التجارية أو حتى بعض المكتبات الجامعية. هذه الكتب تمثّل قيمة مضافة حقيقية، لأنها ليست مجرد نصوص، بل وثائق زمنية تعكس سياقات فكرية وثقافية محددة.
وجود هذه المؤلفات يمنح المكتبة بُعدًا توثيقيًا، ويجعلها مقصدًا للباحثين الذين يسعون لفهم تطور الخطاب الأدبي والثقافي في المنطقة.
المجلات الأدبية.. أرشيف الحراك الثقافي
إلى جانب الكتب، تضم المكتبة عددًا كبيرًا من المجلات الأدبية التي صدرت على مدى عقود. هذه المجلات تمثّل ذاكرة الحراك الثقافي، حيث توثّق المقالات، والحوارات، والنقاشات التي شكّلت المشهد الأدبي في فترات مختلفة.
بالنسبة للباحثين، تُعد هذه المجلات مادة خام لفهم تطور الذائقة الأدبية، وتحوّل القضايا الثقافية، وتبدّل الأساليب النقدية.
العهد الذهبي للمكتبة
الغامدي وصف فترة رئاسة عطا الله الجعيد بأنها العهد الذهبي للمكتبة، وهي مرحلة شهدت اهتمامًا خاصًا بالبنية التحتية للمكتبة، وتطوير مرافقها، وزيادة عدد المصنفات بشكل ملحوظ.
في تلك المرحلة، لم يُنظر إلى المكتبة كمكان ثانوي، بل كقلب الجمعية النابض، وهو ما انعكس في الدعم الذي تلقته، سواء على مستوى التنظيم أو الإثراء المعرفي.
إهداءات خاصة.. حين تتحول المكتبات الشخصية إلى إرث عام
من أبرز محطات تطور المكتبة، استقبالها قرابة 3 آلاف كتاب مهداة من مكتبات خاصة. هذه الإهداءات لم تكن مجرد تبرعات، بل نقلت جزءًا من ذاكرة أصحابها إلى الفضاء العام.
إهداءات من أسماء مثل عبدالعزيز عبدالغني عسيري، والدكتور راشد بن فهد القثامي، والعميد صالح الجودي، خُصصت لها رفوف مستقلة، في دلالة على تقدير قيمتها، واحترام خصوصيتها المعرفية.
هذه الإهداءات تمثل جسورًا بين الأجيال، حيث تنتقل خبرة المثقف ومكتبته من الاستخدام الشخصي إلى خدمة المجتمع الثقافي الأوسع.
400 كتاب.. حصيلة إنتاج ثقافي
أشار الغامدي إلى أن النادي الأدبي، منذ تأسيسه وحتى تحوّله إلى جمعية، أصدر نحو 400 كتاب. هذا الرقم يعكس حجم الإسهام الثقافي الذي لم يقتصر على الاستضافة والفعاليات، بل امتد إلى الإنتاج المعرفي المباشر.
هذه الإصدارات تمثل سجلًا فكريًا لتجربة أدبية طويلة، وتُظهر أن المكتبة لم تكن مستودعًا للكتب فقط، بل جزءًا من عملية إنتاج المعرفة.
أمين مكتبة لأكثر من 40 عامًا.. ذاكرة إنسانية للمكان
وجود محمد حمدان الغامدي في موقعه كأمين للمكتبة لأكثر من أربعة عقود يمنح المكان بعدًا إنسانيًا نادرًا. فهو ليس مجرد موظف، بل شاهد على التحولات، وحافظ للتفاصيل، وذاكرة حيّة للمكتبة.
هذه الاستمرارية أسهمت في الحفاظ على هوية المكتبة، ومنعت ضياع كثير من القصص المرتبطة بالكتب، وأصحابها، ومراحل وصولها.
إدارة الأمسية.. حوار لا محاضرة
أدار الأمسية مهند الحبيشي بأسلوب حواري، فتح المجال للنقاش، وطرح محاور تجاوزت العرض التقليدي، لتغوص في أسئلة تتعلق بدور المكتبات، وأهمية التوثيق، ومستقبل المكتبة في ظل التحولات الرقمية.
هذا الحوار أضفى على الأمسية طابعًا تفاعليًا، وجعلها مساحة لتبادل الأفكار، لا مجرد استماع لسرد تاريخي.
التكريم.. اعتراف بالدور الثقافي
ختام الأمسية شهد تكريم مديرها وأمين المكتبة من قِبل رئيس الجمعية عطا الله الجعيد. هذا التكريم لم يكن إجراءً بروتوكوليًا، بل اعترافًا بدور طويل الأمد في خدمة الثقافة.
تكريم الغامدي تحديدًا حمل دلالة خاصة، باعتباره تكريمًا لذاكرة المكان، وليس فقط لشخص.
الدعوة إلى التوثيق.. مشروع مؤجل؟
في مداخلته، دعا عطا الله الجعيد الغامدي إلى تأليف مصنف يوثّق قصة المكتبة، ومحتوياتها، وتاريخ الكتب التي أصدرتها الجمعية. هذه الدعوة تفتح بابًا مهمًا حول التوثيق المؤسسي، وأهمية تحويل الذاكرة الشفوية إلى نص مكتوب.
توثيق تاريخ المكتبة لن يكون مجرد كتاب إضافي، بل مرجعًا للباحثين، ودليلًا للأجيال القادمة لفهم مسار الحركة الثقافية في الطائف.
لماذا نحتاج إلى توثيق المكتبات؟
المكتبات ليست مجرد أماكن لتخزين الكتب، بل مؤسسات ثقافية تعكس تحولات المجتمع. توثيق تاريخها يعني توثيق جزء من التاريخ الاجتماعي والفكري.
غياب هذا التوثيق يعرّض الذاكرة الثقافية للتآكل، خاصة مع تغير الأجيال، وتحول الاهتمامات، وانتقال المعرفة إلى الفضاء الرقمي.
المكتبة والهوية الثقافية للطائف
الطائف مدينة ذات تاريخ ثقافي عريق، ومكتبة جمعية أدبي الطائف تمثل أحد أعمدة هذه الهوية. من خلال الكتب والفعاليات والإصدارات، ساهمت المكتبة في تشكيل ملامح المشهد الأدبي المحلي.
الحفاظ على هذه المكتبة، وتطويرها، وتوثيق تاريخها، يعني الحفاظ على جزء أساسي من هوية المدينة الثقافية.
بين الورقي والرقمي.. تحديات المستقبل
رغم القيمة الكبيرة للكتب الورقية، تواجه المكتبة، مثل غيرها، تحديات التحول الرقمي. السؤال المطروح هو كيف يمكن الحفاظ على التراث الورقي، مع الانفتاح على التقنيات الحديثة؟
الإجابة لا تكمن في الاستبدال، بل في التكامل، حيث يمكن للرقمنة أن تكون أداة للحفظ، دون أن تلغي قيمة الأصل الورقي.
المكتبة كمساحة حوار
ما يميّز مكتبة جمعية أدبي الطائف أنها ليست مجرد مكان للقراءة، بل مساحة للحوار الثقافي. الأمسيات، والندوات، واللقاءات، تجعل منها منصة للتفاعل، لا مستودعًا صامتًا.
هذا الدور الاجتماعي للمكتبة يعزز حضورها في المشهد الثقافي، ويجعلها جزءًا من الحياة العامة.
من المحلي إلى الوطني
رغم طابعها المحلي، تحمل مكتبة جمعية أدبي الطائف قيمة وطنية، لأنها توثّق تجربة أدبية تمثل جزءًا من المشهد الثقافي السعودي الأوسع.
ربط هذه المكتبة بمشاريع وطنية للتوثيق والحفظ قد يفتح آفاقًا جديدة للاستفادة منها على نطاق أوسع.
رسالة الأمسية
الأمسية حملت رسالة واضحة: الثقافة لا تُقاس فقط بعدد الفعاليات، بل بقدرتنا على حفظ الذاكرة، وتوثيق التجربة، وتقدير من أسهموا في بنائها.
مكتبة جمعية أدبي الطائف مثال حيّ على ذلك، بما تحمله من كتب، وما تمثله من تاريخ.
كم عدد العناوين في مكتبة جمعية أدبي الطائف؟
تضم المكتبة أكثر من 20 ألف عنوان في مختلف الفنون الأدبية والعلمية.
ما أبرز ما يميّز محتويات المكتبة؟
تحتوي على مؤلفات نادرة، ومجلات أدبية قديمة، وكتب مهداة من مثقفين بارزين.
من هو أمين المكتبة؟
محمد حمدان الغامدي، الذي يشغل هذا المنصب منذ أكثر من أربعة عقود.
ما حجم إسهام الجمعية في النشر؟
أصدر النادي الأدبي، منذ تأسيسه وحتى تحوّله إلى جمعية، نحو 400 كتاب.
لماذا طُرحت دعوة لتوثيق تاريخ المكتبة؟
لتحويل الذاكرة الثقافية إلى مرجع مكتوب يحفظ تاريخ المكتبة ودورها في المشهد الأدبي بالطائف.
اقرأ أيضًا: «عاصف 2» تحلّق بالذكاء الاصطناعي.. كيف تعيد السعودية رسم خريطة حماية البيئة من الجو؟


