دراسة أمريكية: الذكاء الاصطناعي يقلّص زمن استقبال المرضى ستة أيام ويوفّر 8500 ساعة عمل في منظومة طبية واحدة
الترند العربي – متابعات
في تحول رقمي لافت يشير إلى مستقبل مختلف داخل المؤسسات الصحية، كشفت دراسة صادرة عن جامعة بنسلفانيا الأمريكية – ونُشرت في نيو إنجلاند الطبية كاتاليست – أن منصة ذكاء اصطناعي طُوّرت محليًا داخل النظام الصحي للجامعة نجحت في خفض وقت استقبال المرضى الجدد بمعدل ستة أيام كاملة، إلى جانب توفير 8500 ساعة عمل بشرية كانت تُستنزف في معالجة المستندات الورقية والفاكسات التي تصل إلى المستشفى بشكل يومي.
الدراسة، التي شكّلت واحدة من أبرز القراءات الأكاديمية حول تأثير الذكاء الاصطناعي في التشغيل الصحي، تؤكد أن الأتمتة لم تعد مجرد مشروع تجريبي أو ترفًا تقنيًا، بل أصبحت جزءًا أصيلًا من قدرة المستشفيات على مواجهة الضغط التشغيلي وتقديم رعاية أسرع وأكثر دقة للمرضى.

منصة “Coordn8”.. قلب التحول الرقمي الجديد
النظام المستخدم في الدراسة هو منصة ذكاء اصطناعي محلية التطوير تُدعى Coordn8، صُممَت خصيصًا لأتمتة عملية إدخال وتوثيق الملفات الطبية المرسلة عبر الفاكس، وتحويل نماذج موافقة المرضى من صيغ ورقية إلى نماذج رقمية تُرسل مباشرة إلى المرضى عبر الرسائل النصية.
ويعالج النظام بين 8000 إلى 9000 فاكس يوميًا، وهي كمية ضخمة تكشف حجم العبء الذي كان يقع على موظفي الاستقبال وإدارة السجلات الطبية. وبحسب الدراسة، فإن وقت معالجة الفاكس الواحد انخفض من دقيقتين إلى 40 ثانية فقط، وهو ما أحدث تأثيرًا مضاعفًا على سرعة تدفق المعلومات داخل العيادات والمرافق الطبية.
وتشير البيانات إلى أنه كلما عالج النظام 100,000 فاكس – وهو رقم تصل إليه منظومة الجامعة كل 11–12 يومًا – فإنه يوفّر أكثر من 2300 ساعة عمل كان الموظفون يقضونها في إجراءات يدوية بطيئة.

تجربة تسعة أشهر تغيّر طريقة العمل بالكامل
خلال فترة تجربة استمرت تسعة أشهر في عام 2023، أظهرت النتائج أن إدخال الذكاء الاصطناعي على مسار معالجة الفاكسات انعكس على مستوى التنظيم الداخلي قبل أن ينعكس على المرضى أنفسهم. فخلال أسبوعين فقط من بدء التجربة، ارتفع رضا الموظفين المسؤولين عن استقبال المرضى من 35% إلى 60%، وهو ارتفاع يُعد كبيرًا في بيئة عادةً ما تواجه ضغطًا تشغيليًا عاليًا.
كما ارتفعت درجة الجهد أو Work Effort Score – وهو مقياس داخلي يُستخدم لقياس كفاءة الموظفين ورضاهم – بنفس النسبة تقريبًا، ما يعكس أن الأتمتة لم تقلل من الإرهاق فحسب، بل حسّنت جودة بيئة العمل.
وتقول الدكتورة جينيسي دانيال – الباحثة الرئيسية في الدراسة – إن النظام مكّن الموظفين من التركيز على المهام ذات القيمة المضافة، مثل المتابعة المباشرة مع المرضى، بدلًا من غرقهم في أعمال ورقية لا تضيف أي بُعد طبي أو تشخيصي حقيقي.

الموافقة الرقمية تختصر ستة أيام من وقت الاستقبال
إحدى النقاط الأكثر تأثيرًا في الدراسة كانت ما يتعلق بآلية موافقة المرضى على مشاركة السجلات الطبية السابقة، وهي عملية كانت تعتمد في السابق على إرسال نماذج ورقية عبر البريد، والانتظار حتى يستلمها المرضى ثم يعيدون إرسالها مرة أخرى، وهو ما كان يستغرق أيامًا وربما أسابيع.
لكن مع منصة Coordn8، أصبح بإمكان الموظف إرسال رابط مخصص إلى المريض عبر رسالة نصية، يتضمن نموذجًا إلكترونيًا سهل الاستخدام. وبمجرد توقيع المريض، يتم دمج الموافقة داخل نظام السجلات الصحية مباشرة، دون أي تدخل يدوي.
وبحسب الدراسة، قلّصت هذه الأتمتة وقت التوقيع بنسبة 85%، كما سمحت ببدء إجراءات جمع السجلات الطبية قبل ستة أيام من الموعد المتوقع، وهو ما أدى إلى تجاوز واحدة من أكبر العقبات التشغيلية التي كانت تعطل بداية رحلة المريض العلاجية.
أما على مستوى رضا الموظفين، فقد ارتفع من 41% إلى 90% خلال الأسابيع القليلة الأولى من التطبيق، وهو ما عكس قدرة النظام على تغيير طريقة العمل اليومية بطريقة مباشرة وسريعة.

الفوائد التشغيلية تتجاوز السرعة إلى الدقة
إضافة إلى تقليل الوقت والجهد، توفر أنظمة الذكاء الاصطناعي دقة عالية في التعامل مع المستندات والفاكسات، إذ تقل نسبة الأخطاء البشرية المرتبطة بإدخال المعلومات، وتزيد القدرة على تتبع كل خطوة وتنفيذها بكفاءة.
المنصة تعتمد على تحليل محتوى الفاكس، وتصنيفه، وربطه تلقائيًا بملف المريض الصحيح، ثم دمجه في السجل الصحي. هذا النوع من الدقة كان يتطلب سابقًا مراقبة بشرية طويلة، وكان يفتح الباب لأخطاء قد تعطل إجراءات طبية أو مواعيد مهمة.
كما تُسهم المنصة في تقليل حالات فقدان المستندات، أو تأخرها داخل دورة العمل، وتزيد من سرعة اتخاذ القرار الطبي، خاصة للمرضى الجدد الذين يحتاجون إلى متابعة مبكرة أو إجراءات معملية وتشخيصية سريعة.

التوسع التدريجي للنظام داخل الجامعة
بدأ تطبيق Coordn8 على أكثر من 150 خط فاكس داخل مستشفيات جامعة بنسلفانيا، ومع الوقت توسّع ليعالج أكثر من 3000 فاكس يوميًا في خدمات العيادات الخارجية وحدها، مع وجود خطط للتوسع في جميع خدمات النظام الصحي قريبًا.
ويشير التقرير إلى أن هذه التجربة ليست مجرد مشروع محلي، بل تمثل نموذجًا يمكن تكراره في المؤسسات الصحية الكبرى التي لا تزال تعتمد على الفاكس كوسيلة مراسلة – وهو أمر شائع في الولايات المتحدة رغم انتشار الأنظمة الرقمية.

تغيير في فلسفة العمل.. الذكاء الاصطناعي كمساعد لا كبديل
تؤكد الدراسة أن النظام لا يستبدل الموظفين، بل يدعمهم من خلال تقليل الأعمال الروتينية التي تُعد أكبر مصدر للإرهاق. وهذا يتماشى مع فلسفة جديدة في قطاع الرعاية الصحية ترى في الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة لتحسين جودة الأداء، وليس كيانًا ينافس الطواقم الطبية أو يهدد وظائفها.
ويرى الباحثون أن نجاح المنصة يعزز فكرة أن “الذكاء الاصطناعي في الصحة” هو مجال لا يهدف إلى أتمتة القرارات الطبية بقدر ما يهدف إلى تحرير الأطباء والممرضين والموظفين من المهام الإدارية التي تستهلك وقتًا كبيرًا بلا مردود طبي.
قراءة أوسع: مستقبل أتمتة الملفات الطبية
تطرح الدراسة سؤالًا مهمًا حول مستقبل الفاكسات في المستشفيات، في ظل الانتقال نحو أنظمة إلكترونية متقدمة. ويرى مختصون أن الذكاء الاصطناعي لن يُنهي الفاكسات بالكامل في الوقت القريب، لكنه سيحوّلها إلى عمليات رقمية لا تحتاج لمسار يدوي.
ويشيرون إلى أن تجربة بنسلفانيا تكشف الإمكانات الهائلة التي يمكن أن تحققها الأنظمة الذكية في:
– تسريع العمليات الإدارية
– تحسين زمن معالجة الحالات
– دعم جهود التوظيف بتخفيف الضغط
– تعزيز دقة القرارات الطبية
– خفض التكاليف التشغيلية الضخمة
ويعتقد باحثون أن الأتمتة يمكن أن تختصر آلاف الساعات من العمل سنويًا داخل الأنظمة الكبيرة، تمامًا كما فعلت منصة Coordn8 في جامعة واحدة فقط.
انعكاسات مباشرة على المرضى
بالنسبة للمرضى، فإن تقليص زمن الانتظار بمعدل ستة أيام يمثل فرقًا كبيرًا في سرعة التشخيص والعلاج، خاصة للمرضى الذين يحتاجون إلى متابعة سريعة أو يعانون من حالات معقدة. كما أن تقليل الضغط على الموظفين يسهم في تحسين تجربة المرضى داخل المستشفى، لأن الفريق الطبي يكون أكثر قدرة على التركيز على رعاية المرضى بدلًا من الجوانب الورقية.
وبحسب الدراسة، فقد لاحظت الأقسام المعنية تحسنًا في التواصل مع المرضى الجدد، وارتفاعًا في معدلات حضور المواعيد، وانخفاضًا في عدد الحالات التي تتأخر نتيجة فقدان أو تأخر المستندات.
تحديات محتملة في التوسع
ورغم النتائج الإيجابية، فإن الدراسة تذكر عدة تحديات يمكن أن تواجه المؤسسات الأخرى عند محاولة تنفيذ أنظمة مشابهة، مثل الحاجة إلى تدريب الموظفين على الأنظمة الرقمية الجديدة، وتأمين البيانات الصحية وحمايتها، وتوفير بنية تقنية قوية تدعم حجم المعالجة اليومية للفاكسات.
إلا أن الباحثين يؤكدون أن العائد الاستثماري للتقنية يفوق التحديات بكثير، وأن المؤسسات التي تتبنى الذكاء الاصطناعي مبكرًا ستكون في موقع أفضل لمواجهة التغيرات المستقبلية في الرعاية الصحية.
ما أبرز نتائج الدراسة؟
خفض وقت استقبال المرضى ستة أيام وتوفير 8500 ساعة عمل للموظفين.
كيف يعمل نظام Coordn8؟
يؤتمت معالجة الفاكسات، ويحوّل النماذج الورقية إلى نماذج رقمية مرتبطة بالسجلات الطبية.
هل أثّر النظام على رضا الموظفين؟
نعم، ارتفع رضا الموظفين بشكل كبير، من 35% إلى 60% خلال أسبوعين.
ما حجم الفاكسات التي يعالجها النظام يوميًا؟
من 8000 إلى 9000 فاكس يوميًا داخل الجامعة.
هل يمكن تكرار التجربة في أنظمة صحية أخرى؟
تشير الدراسة إلى أن التجربة قابلة للتطبيق على نطاق واسع، خاصة في المستشفيات التي تعتمد على الفاكسات.
اقرأ أيضًا: البرهان: مبادرة ولي العهد ترسم مسار السلام وتعيد تشكيل القراءة الدولية لأزمة السودان



