الزواج أمن اجتماعي
عصام محمد عبدالقادر
بناء الإنسان يحتاج إلى حالة من التوازن، تشمل ما تتطلبه الجوانب المادية والمعنوية لديه، وهنا نتحدث عن ماهية الانسجام، الذي يتأتى من الاستقرار، سواءً أكان داخل الفرد، أم في حيز الإطار المجتمعي؛ فتجد أن التماسك والاتحاد بديل التفرقة، والانضباط بديل الانفلات، والأمن بديل الخوف، والرحمة بديل القسوة، والحب بديل الكره، والانخراط والاندماج بديل العزلة، وهذا في مجمله ويزيد يحققه الزواج،، الذي يصون المقدرات البشرية ويعفّها، ويعمل على بقائها؛ إذ تمتلك الصحة والطاقة والمقدرة على العطاء المستدام؛ ومن ثم تستطيع أن تنهض بالأوطان وتعزز مجد وتاريخ أممها.
إن الزواج في مكنونه يلبي الحاجات التي فطرها الله – تعالى – في بني الإنسان، ويسهم في تسريع وتيرة الانضباط على المستويين البدني والخلقي؛ فيبيح ما يؤدي فعله إلى راحة البدن، ويمنع كل ما يُقوّض ماهية الكرامة، وما يضير بالطبيعية البشرية، وهنا نتحدث عن بديل الجموح؛ حيث العمل على تنظيم الغرائز، وفق فلسفة بناء المجتمع الصحي، الذي يؤمن بالقيم النبيلة، ويقدس الفضيلة، ويتمسك بالأخلاق الحميدة، وهذا ما يؤدي قطعًا إلى حفظ الأعراض والأنساب، ويقضي على كافة مظاهر الانحراف، التي تعد معول هدم المجتمعات والشعوب وانهيار حضارتها.
الاستقرار المجتمعي رهن أسرة يقوم بناؤها على وعي صحيح تجاه ماهية وفلسفة الزواج؛ فالأمر لا يعني قائمة الحقوق والواجبات؛ لكنه يتعدى ذلك؛ فيصبح الفضل، والإحسان، والاحتواء، والتنازل، وطمأنة الغير، والتسامح، والعطف، والحب، من مقومات نجاح علاقة بُنيت منذ البداية على تفاهم، وتوافق، ووئام، وأسفرت عن ثمرة تشارك الجميع تفاصيل الحياة؛ فتملؤها بهجة وسعادة، ويشرق من وجنتيها ابتسامة، يفوح منها عطر المحبة والاشتياق، وهنا نشير إلى فلذات الأكباد، الذين يمثلون النتاج المستحق للعناء؛ من أجل مواصلة المسيرة، وهذا ما نسميه العطاء اللامتناهي للبشرية جمعاء.
نتاج الزواج يتمثل في صورة الأسرة المستقرة، التي تنجب من يبذل جهود الإعمار، ولا يتعدى سياج حرية الغير، أو يحاول أن يضير بموارد الوطن؛ لذا يصبح الإنسان أداة بناء لمجتمعه، وهنا نضمن ماهية التعايش السلمي بين أفراد المجتمع قاطبة؛ حيث لا وجود لمناخ التعصب، ولا مكان للانغلاق؛ ومن ثم يغيب خطاب الكراهية بين مكون أسري يدعو إلى المحبة والتآلف، ويؤكد على تجنب التمييز والتفرقة، ويدعو إلى الفضيلة، وكل سلوك يبرهن عن معانيها، ويقوم الممارساتِ دون تعنيف أو عنف، ويقدم التعزيز والتغذية الراجعة، في مكانهما ووقتهما الصحيحين، ويزيد من معدلات الثقة، ولا يسمح بالخلل العاطفي، بل، يضاعف من قوة سياج الروابط بين الجميع دون استثناء.
الأمن الاجتماعي يقوم على زواج تتسق في خضمه ممارسات الوالدين، مع ما ينادون به من قيم، ترسخ في وجدان الأبناء الثقة في جدوى التمسك بالمنظومة الأخلاقية، التي يدين بها المجتمع، وتدحر مخاطر ازدواجية الأداءات العاصفة لماهية الصدق والإيثار، وهذا يتناغم مع فلسفة الحوار بين المكون الأسري، الضامن لتعضيد الإيجابية لدى الجميع؛ فلا خشية من تسلطية تتأتى عن قصد أو غير قصد؛ فهناك سماح للمراجعات، تسهم في تقويم السلوك غير المرغوب فيه، وهنا مائدة مستديرة “تنتج أفكارًا جمعيةً تصب في مصلحة الكيان الصغير وينتقل أثرها الطيب إلى الكبير؛ إنها دون مواربة فلسفة دلالتها التعايش السلمي، القائم على مغزى الاحترام المتبادل.
حصن المجتمعات يقوم على الزواج المنتج لأجيال يحترمون، ويقدّرون، ويتسامحون مع الغير، ويفقهون ماهية المسؤولية، ويحرصون على التعاون، ويهجرون براثن الفساد وما قد يؤدي إليه، ويهتمون بالشأن العام، ومن ثم يقدمون المصلحة العامة على الخاصة، ويتضامنون من أجل حل القضايا من قبيل الشعور بالانتماء والتكافل، وهذا يعد جوهر الأمن المجتمعي، ولا نغالي إذا ما قلنا إن التماسك والاندماج الاجتماعي، يقوم على جهود أسرة تُخرّج مواطنًا صالحًا، يحمل وعيًا قيميًا، وانتماءً وطنيًا؛ حيث إن قوة الأوطان تستمد من شعب يقدس الحياة الأسرية، ويقدم كل ما يعزز بناء الإنسان الذي يقوم على كاهله نهضة الدولة ورقيها وازدهارها وريادتها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.



