دواء صامت

دواء صامت
فاطمة العدلاني
إلى أن يتعلم الأسد الكتابة.. ستظل كل القصص تمجّد الصياد.
الكتابة وسيلة تواصل بشري؛ صنّف الأطباء النفسيون الكتابة كعلاج نفسي، وأطلقوا عليها “الكتابة التعبيرية” أو “العلاج بالكتابة”.
وحسب ما ذكرته دراسة جامعة تكساس في الثمانينيات، التي قامت بالطلب من بعض الأشخاص كتابة تجاربهم المؤلمة من 15 إلى 20 دقيقة يوميًا، والقيام بذلك لعدة أيام، لاحظوا تحسنًا في جهاز المناعة، وانخفاض القلق، وتقليل الاكتئاب، وانخفاض عدد مرات زيارة الأطباء النفسيين كذلك.
وبعد البحث، وجدوا أن لحظة كتابة وتفريغ الألم الإنساني على الورق، يقل النشاط المفرط للوزة الدماغية التي تسبب القلق، كما أن الفص الأمامي أيضًا ينشط، وهو المسؤول عن التفكير المنطقي، فيستطيع العقل استيعاب الشعور بدلًا من معايشته مرة أخرى.
ولذلك يقوم حتى المعالج السلوكي بتتبع دفتر الأفكار لتتبع النمط الفكري السلبي؛ وقد نصحت الجمعية الأمريكية لعلم النفس بالكتابة التعبيرية كجزء من أداة تحسين الصحة النفسية.
ومن وجهة نظري التي أعتمدها قبل معرفة رؤية علم النفس للكتابة أو أثرها السلوكي؛ فمن معتقدي أن الكتابة هي صوت، والصوت لعله يصل بضع الأمتار، وبالاستعانة ببعض مكبرات الصوت يمكن أن يمتد لأكثر من ذلك وبشكل لحظي، لكن الكتابة!!
الكتابة تمتد عبر الأجيال وعبر الشعوب، وفي هذا العصر عبر القارات.
الكتابة لها ضجيج يفرغ ما في كينونة الذات ويشرح ماهية العقل، وكما قال الفيلسوف اليوناني سقراط: “تكلم حتى أراك”.
وبالفعل، فالمرء لا يُعلَم من هو حتى يتكلم، فإذا نطق ظهرت هويته وعُلِم أصله، وإذا كان هذا يُدرك بما نُطِق، فالأجدر أن يُدرك بما كُتِب.
تُدرك تواريخ الشعوب بما دُوِّن وكُتِب، وتُعرَف نوايا الأساطير والخرافات بما نُقِش، وكل شيء بدأ بالقلم.
وقد وصف الأطباء النفسيون مشاعر تفريغ الطاقة السلبية بالكتابة كعلاج، حيث وجدوا أن الإنسان الذي يكتب يشعر بالسيطرة على قصته وحياته، وأيضًا يشعر كما لو أنه تحرر من القيود التي تفرضها عليه أحزانه؛ وبالطبع تتسع رؤيته ومحدودية تفكيره العقلي كلما ترك للقلم مجالًا أكبر للتعبير، فيشطح عقله بعيدًا بعيدًا حتى يتسع صدره عن الواقع وكأنه تحرر بالفعل.
فالكتابة دواء صامت حقًا.