فاطمة العدلاني

نهم المعرفة

نهم المعرفة

فاطمة العدلاني

تعطّش المعرفة يرتوي بالتعلّم؛ يُصاب أحيانًا مثقفون بالبحث المعرفي بما يُدعى “النهم المعرفي“. كلّما زاد استزاد، وكلّما قرأ لا يكتفي. والعجيب أن هذا النوع من القرّاء يُصيب فيهم قول: “أنت مشغول بالتشكيك في نفسك، في حين أن الآخرين مرعوبون من إمكانياتك”. ولكن هكذا دائمًا يكون ذو المعرفة، يعتقد أنه يحتاج المزيد.

حقيقة أن قليل المعرفة، ضئيل الوعي، محدود الإدراك، يعتقد أنه يعلم الكثير. ولكن هناك فارق بين من يعي دائمًا أن عليه تعلّم المزيد، وبين الحالة المعروفة بـ”نهم المعرفة” المقصودة.

القارئ النهم مُصاب بالتشتّت في الأغلب؛ فمن الممكن أن يبدأ بكتاب، ولتعطّشه للمعرفة يمكن أن يبدأ كتابًا آخر في نفس الوقت، مما يقلّل من المعرفة المكتسبة نتيجة للتشتّت. ومن الممكن أيضًا أن يستقر على نتيجة بحثية، ثم يشكّ بها لتوقّعه باحتياجه الاستفاضة مرة أخرى من مراجع أخرى.

مُصاب نهم المعرفة دائمًا في بحث دائم عن مصدر تعلّم جديد لأي شيء. دؤوب لذلك حتى يعتقد أن كل ثانية في شيء سوى الاطلاع ضياع. القراءة لديهم تضاهي في أهميتها الطعامَ والنوم والتنفس.

لعلك تسأل: هل التعطّش لمعرفة الأشياء ليس أمرًا جيدًا؟

ليس كذلك بالطبع، لكن المقصود أن يكون التوازن وسطيًا في كل شيء؛ فلا الجهل مرغوب، ولا النهم المعرفي بشكل يعرقل المعرفة نفسها أمر مستحسن.

لنهم المعرفة دوافع، منها نفسية كالهروب من الجهل – مثلًا – بسبب الخوف من التخلّف عن الركب المعرفي، أو الفضول الفطري مثل الطفل الذي يرغب في فهم كل شيء عن العالم المحيط، أو الرغبة في تحقيق الذات، كما في نظرية “ماسلو” التي تنصّ على أن الفرد يسعى إلى تطوير إمكاناته في نهاية التسلسل الهرمي للنظرية، والذي بدأ باحتياجات الإنسان الفسيولوجية (الطعام، الماء، الهواء، النوم…)، واحتياجات الأمان تأتي بعدها – مثلًا: الاستقرار المادي، المسكن، الحماية من الخطر وهكذا -، ثم احتياج الحب والانتماء والتقدير، وعند غياب هذا الفرع من التسلسل الهرمي يظهر الاكتئاب.

وأخيرًا، في التسلسل الهرمي من نظرية ماسلو، يأتي تحقيق الذات من البحث عن المعنى الروحي والفكري، وهو سبب من أسباب الإصابة بالنهم المعرفي.

للنهم المعرفي أثر إيجابي وأيضًا مخاطر

أثر النهم المعرفي الإيجابي: زيادة الوعي، ونمو التفكير الشخصي والمهني، وتوسيع الأفق.

ولكن، مخاطر ذلك النهم تغني عن مميزاته، فمدى الإرهاق الذهني صعب التعامل معه بسبب الحمل الزائد من المعلومات / القلق الوجودي من كثرة التفكير والتساؤلات / صعوبة التخصص، فيلقي صاحب النهم المعرفي تشتّتًا بقدر ما يحصل على علم معرفي في شتى المجالات.

علاج النهم المعرفي: تحديد الأولويات، والتركيز على تطوير الأهداف للحصول على التميّز / تخصيص وقت للعلاقات الاجتماعية والراحة.

أشهر مصابي النهم
العالِم “دافنشي” جمع بين الفن والعلوم والهندسة، والعالِمة “ماري كوري” التي كرّست حياتها لاكتشافات علمية رغم التحديات.

إذا راق لك معرفة ما هو “النهم المعرفي” ووجدت فيك بعض الخصال، فاعلم أن “الجودة أهم من الكم”، وأن “المعرفة الحقيقية في التطبيق وليس التراكم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى