آلاف الفلسطينيين يعودون إلى منازلهم المدمّرة في غزة مع بدء الانسحاب الإسرائيلي

آلاف الفلسطينيين يعودون إلى منازلهم المدمّرة في غزة مع بدء الانسحاب الإسرائيلي
الترند العربي – متابعات
في مشهدٍ إنسانيٍ مؤثرٍ تختلط فيه الدموع بالأمل، بدأت آلاف العائلات الفلسطينية منذ صباح الجمعة العودة إلى منازلها المدمّرة في مختلف مناطق قطاع غزة، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس حيّز التنفيذ، إيذانًا ببدء مرحلة جديدة بعد عامين من الحرب التي غيّرت ملامح الحياة في القطاع بالكامل.
وشهدت شوارع غزة تدفق موجات من النازحين العائدين سيرًا على الأقدام أو على عرباتٍ بسيطة، في لحظاتٍ مؤثرة عبّرت عن الشوق إلى الأرض والحنين إلى البيوت، مهما كانت أنقاضًا.

مشهد العودة.. ما بين الركام والحنين
مع ساعات الظهر الأولى، تحركت قوافل من السكان من جنوب القطاع نحو الشمال، في ظل انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من بعض المناطق.
وفي مدينة خان يونس، كانت المشاهد صادمة: منازل سُوّيت بالأرض، وشوارع تحوّلت إلى مساحات من الركام، لكن وسط هذا الدمار، سار الأهالي بخطى ثابتة نحو ما تبقّى من بيوتهم، يحملون معهم ما استطاعوا من أمتعة بسيطة وأعلام فلسطين.
وقالت أم خالد، وهي أرملة أربعينية كانت تحمل بيدها حقيبة صغيرة وطفلها الآخر على كتفها:
“لن يمنعنا شيء من العودة. حتى لو لم يبقَ سقف فوق رؤوسنا، سنبني من جديد. هذه أرضنا ولن نغادرها.”
من جهة أخرى، أظهرت الصور الواردة من مدينة غزة مشاهد مؤثرة لأطفالٍ يركضون بين الأنقاض، يحملون ألعابًا محطمة، فيما يحاول آباؤهم تفقّد البيوت التي دُمّرت بالكامل أو أُحرقت خلال القصف.
انسحاب تدريجي وهدوء حذر
أكد شهود عيان أن القوات الإسرائيلية بدأت منذ صباح الجمعة انسحابًا تدريجيًا من عدة مناطق في شمال القطاع ووسطه، لا سيّما من محيط مخيم جباليا وبيت لاهيا وخان يونس، وسط تحليق طائرات استطلاع دون تنفيذ غارات.
ويأتي ذلك تنفيذًا للمرحلة الأولى من خطة السلام الأميركية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب، وتنص على انسحاب القوات الإسرائيلية من المدن الرئيسية مع بقائها في مناطق محدودة شرق وغرب القطاع، في انتظار استكمال بنود تبادل الأسرى واستئناف المساعدات الإنسانية.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في بيان مقتضب إن “عملية إعادة التموضع تهدف إلى تسهيل عمل المنظمات الإنسانية وتمهيد الطريق أمام تطبيق الاتفاق بالكامل”، داعيًا المدنيين الفلسطينيين إلى عدم دخول المناطق التي لا تزال تخضع للسيطرة العسكرية إلى حين استكمال الانسحاب.

مأساة إنسانية تتكشف بعد الهدوء
مع تراجع القصف وبدء الانسحاب، بدأت الفرق الطبية الفلسطينية في العمل على انتشال الجثث ودفن الضحايا الذين قضوا خلال الأسابيع الأخيرة من الحرب.
وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن طواقمها انتشلت نحو 100 جثة من مختلف أنحاء القطاع خلال الساعات الأولى التي تلت وقف إطلاق النار، مشيرة إلى أن العديد من الجثث كانت تحت الأنقاض منذ أيام طويلة، ولم يتمكن الأهالي من الوصول إليها بسبب العمليات العسكرية.
كما أفاد شهود عيان بأن المستشفيات والمراكز الصحية الميدانية بدأت باستقبال مئات المصابين الذين لم يتلقوا علاجًا منذ أيام بسبب انقطاع الطرق، في وقتٍ تتواصل فيه جهود المنظمات الدولية لإيصال المساعدات الطبية والغذائية إلى المناطق الشمالية المحاصرة منذ شهور.

خليل الحية: تلقينا ضمانات بإنهاء الحرب نهائيًا
من جانبه، أعلن القيادي في حركة حماس، خليل الحية، أن الحركة تلقت “ضمانات واضحة من الإدارة الأميركية ومن الوسطاء الإقليميين بإنهاء الحرب بشكل كامل”، مؤكدًا أن الحركة تعتبر وقف إطلاق النار بداية لمرحلة سياسية جديدة تقوم على إعادة الإعمار ورفع الحصار عن القطاع.
وقال الحية في مؤتمر صحفي عقده في مدينة غزة:
“شعبنا انتصر بصموده رغم الدمار والمعاناة. ما نراه اليوم من عودة أهلنا إلى بيوتهم هو أبلغ رسالة بأن غزة لا تُكسر، وأن المقاومة باقية ما بقي الاحتلال.”
وأضاف أن الحركة تتابع مع مصر وقطر وتركيا والأمم المتحدة تفاصيل تنفيذ بنود الاتفاق، مشددًا على أن الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية يجب أن يتم خلال الأسابيع المقبلة.

ترامب: بداية مرحلة جديدة من السلام في الشرق الأوسط
في واشنطن، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي أن المرحلة الأولى من خطته للسلام في غزة دخلت حيز التنفيذ بنجاح، وأن قوات الاحتلال الإسرائيلي بدأت الانسحاب من المناطق المدنية.
وقال ترامب:
“لقد عملنا على اتفاق يضمن إنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى وإدخال المساعدات، وهو ما سيسمح بعودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيًا في غزة.”
وأشار إلى أن الخطة تتضمن “تسوية دائمة تضمن أمن إسرائيل وحق الفلسطينيين في العيش بحرية وكرامة”، معتبراً أن وقف إطلاق النار يمثل “فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة بين الجانبين.”

عودة وسط الدمار.. وغياب البنية التحتية
في الأحياء الشمالية لمدينة غزة، بدا المشهد أقرب إلى مدينة منكوبة: لا كهرباء، ولا مياه صالحة للشرب، وشبكات الاتصالات شبه مشلولة.
لكن رغم كل ذلك، كان الناس يعودون.
عائلات تحمل بقايا أغراضها على العربات، وأطفال يجمعون حجارة من منازلهم المهدمة لتكون ذكرى.
يقول الشاب محمد النجار، وهو من سكان حي الشجاعية:
“لم يبقَ شيء هنا، لكننا عدنا لأن هذا المكان هو هويتنا. سنعيد بناء كل شيء بأيدينا.”
وبينما تتواصل عمليات إزالة الأنقاض، بدأت بعض المبادرات الشعبية في نصب خيام مؤقتة على أنقاض البيوت لتكون مأوى للعائدين مؤقتًا إلى حين وصول المساعدات الدولية المقررة ضمن خطة إعادة الإعمار.
الأمم المتحدة: الأولوية للمساعدات الإنسانية
أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن فرقها بدأت بالدخول إلى مناطق غزة الشمالية لتقييم حجم الدمار وتوزيع المساعدات الأولية.
وقال المتحدث باسم الأونروا، عدنان أبو حسنة، إن الأولوية في هذه المرحلة هي توفير المياه والغذاء والمأوى للنازحين العائدين، مشيرًا إلى أن آلاف الأسر فقدت مساكنها بالكامل.
وأضاف أن الأمم المتحدة تعمل بالتعاون مع الدول المانحة لإطلاق خطة عاجلة لإعادة الإعمار بقيمة مليارات الدولارات، تبدأ بإصلاح المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء.
مصر وقطر وتركيا.. دور الوساطة الفاعل
جاء اتفاق وقف إطلاق النار ثمرة جهود دبلوماسية مكثفة قادتها مصر وقطر وتركيا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فقد استمرّت المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل أكثر من 6 أسابيع، تخللتها لقاءات في القاهرة والدوحة وأنقرة.
وأعربت وزارة الخارجية المصرية عن ترحيبها ببدء تنفيذ الاتفاق، مؤكدة التزامها “بمواصلة التنسيق لضمان تثبيت الهدنة ومنع أي خروقات قد تؤدي إلى تجدد التصعيد.”
فيما أشادت الدوحة بالدور الإنساني للاتفاق، مؤكدة دعمها لبرامج إعادة الإعمار وتمويل مشاريع تنموية في غزة خلال المرحلة المقبلة.
مشاعر متباينة بين الأمل والخوف
رغم فرحة العودة، تسود بين سكان القطاع حالة من القلق والحذر، إذ يخشى الكثيرون من انهيار الاتفاق أو تجدد القتال في أي لحظة.
يقول النازح أبو سامر من حي الزيتون:
“نحن سعداء بالهدنة، لكننا لا نثق بأن الاحتلال سيلتزم بها. نخاف أن تكون مجرد هدنة قصيرة قبل جولة جديدة.”
ومع ذلك، يظل الأمل حاضرًا في وجوه الأطفال الذين عادوا إلى مدارسهم المدمرة يلعبون بين الركام، يخطّون على الجدران المحطمة كلمة واحدة: “سنعود”.
الاقتصاد الغزّي أمام تحديات الإعمار
يُواجه قطاع غزة تحديًا اقتصاديًا هائلًا مع بدء مرحلة ما بعد الحرب، حيث قُدّرت الخسائر الإجمالية بأكثر من 20 مليار دولار خلال العامين الماضيين، تشمل تدمير البنية التحتية ومرافق الكهرباء والمياه والمصانع.
ويقول خبراء اقتصاديون إن عملية إعادة الإعمار تحتاج إلى تعاون دولي طويل الأمد، مع فتح المعابر التجارية بشكلٍ مستمر وإزالة القيود الإسرائيلية على دخول مواد البناء والوقود.
وتعمل الحكومة الفلسطينية بالتعاون مع البنك الدولي وصندوق التنمية الكويتي على إعداد خطة إعادة إعمار شاملة تمتد لخمس سنوات، تشمل بناء مساكن جديدة واستعادة الخدمات الأساسية.
الغزيون: نعود لنحيا لا لننتقم
رغم حجم الدمار، تتكرر عبارة واحدة على ألسنة العائدين: “نعود لنحيا لا لننتقم.”
فبعد عامين من النزوح والمعاناة في المدارس والمخيمات، يسعى سكان غزة اليوم إلى إعادة بناء حياتهم من الصفر.
قال الشاب علاء شبير، أحد المتطوعين في فرق الإغاثة المحلية:
“الناس هنا لا يريدون سوى الأمان. نحن تعبنا من الحروب. نريد مستقبلًا لأطفالنا.”
هذه الكلمات تختصر حقيقة غزة اليوم: مدينة أنهكها الحصار والعدوان، لكنها لم تفقد قدرتها على النهوض.
متى بدأ تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟
ظهر الجمعة، بعد عامين من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
ما أبرز بنود المرحلة الأولى من الاتفاق؟
انسحاب القوات الإسرائيلية من المدن الرئيسية في القطاع، تمهيدًا لتبادل الأسرى وعودة المساعدات.
كم عدد الجثث التي تم انتشالها بعد وقف النار؟
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية انتشال نحو 100 جثة خلال الساعات الأولى من الهدوء.
ما دور الولايات المتحدة في الاتفاق؟
الوساطة المباشرة عبر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في غزة.
هل بدأ السكان بالعودة فعلاً؟
نعم، عاد آلاف الفلسطينيين إلى منازلهم المدمّرة في غزة وخان يونس وشمال القطاع.
📍 غزة – 11 أكتوبر 2025
بين الركام وأصوات الأذان، يعود الفلسطينيون إلى بيوتهم التي لم يبقَ منها سوى الجدران، حاملين معهم ذاكرة الحرب وإرادة الحياة.
تلك العودة، رغم ما تحمله من وجع، تمثّل بداية فصلٍ جديد في تاريخ غزة — فصلٍ كتبه الناس بدموعهم، وصبرهم، وإصرارهم على أن تبقى هذه الأرض حيّة مهما طال الليل.
اقرأ أيضًا: اتفاق ينهي حرب غزة.. تفاصيل المرحلة الأولى من التفاهم بين حماس وإسرائيل