رياضة

انهيار حلم «المونديال»: كيف تبخرت آمال السودان في التأهل لكأس العالم؟

انهيار حلم «المونديال»: كيف تبخرت آمال السودان في التأهل لكأس العالم؟

الترند العربي – متابعات

لم يكن حلم السودانيين بالمشاركة في كأس العالم 2026 مجرد أمنية رياضية عابرة، بل كان بارقة أملٍ في زمن الحرب والشتات، ومتنفسًا شعبيًا وسط أزماتٍ قاسية طالت كل تفاصيل الحياة. ومع انطلاقة مثالية لمنتخب السودان في التصفيات، بدا أن الطريق إلى المونديال قد فُتح أخيرًا أمام “صقور الجديان”، قبل أن ينقلب المشهد فجأةً من الأمل إلى الانكسار.

فما الذي حدث؟ وكيف تحوّل الحلم إلى خيبة؟ وما الأسباب العميقة وراء الانهيار المفاجئ في الأداء والنتائج؟

انهيار حلم «المونديال»: كيف تبخرت آمال السودان في التأهل لكأس العالم؟
انهيار حلم «المونديال»: كيف تبخرت آمال السودان في التأهل لكأس العالم؟

البداية المشرقة.. حلم جمع السودانيين على كلمة واحدة

مع انطلاق التصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم، قدّم المنتخب السوداني أداءً مبهراً في الجولات الأولى. انتصارات متتالية، وتكتيك منضبط، وروح قتالية جعلت الفريق يتصدر مجموعته مؤقتًا متفوقًا على منتخبات أكثر جاهزية وخبرة.
وفي بلدٍ أنهكته الحرب والانقسام، أصبحت كرة القدم أكثر من مجرد لعبة، بل رمزًا للوحدة الوطنية ومتنفسًا للملايين الباحثين عن لحظة فرح نادرة.

كانت المقاهي والساحات العامة في الخرطوم ومدني وبورتسودان تمتلئ بالمشجعين كلما خاض المنتخب مباراة. الهتافات تجاوزت الانتماءات السياسية والقبلية، ورفرفت الأعلام في مدنٍ يغمرها الدخان والدمار.
لقد آمن الناس بأن “صقور الجديان” يمكن أن يحققوا المعجزة، وأن التأهل للمونديال قد يكون جسرًا نحو الفرح في زمن الرماد.

لكن كما يحدث في كثير من القصص السودانية، ما بدأ بإشراقة أمل انتهى بانكسارٍ صامتٍ يوجع القلب.

انهيار حلم «المونديال»: كيف تبخرت آمال السودان في التأهل لكأس العالم؟
انهيار حلم «المونديال»: كيف تبخرت آمال السودان في التأهل لكأس العالم؟

نقطة التحول.. حين تغيّرت الملامح

التحوّل المفصلي جاء مع التعادل غير المتوقع أمام منتخب جنوب السودان، الذي اعتُبر من أضعف فرق المجموعة.
ذلك التعادل فتح الباب أمام اهتزاز الثقة داخل المعسكر، ثم تبعته خسائر متتالية أمام منتخبي السنغال وجنوب إفريقيا، ليجد المنتخب نفسه فجأة خارج دائرة المنافسة بعدما كان على القمة.

هذا التراجع لم يكن مجرد صدفة أو سوء حظ، بل كان انعكاسًا لأزمةٍ مركبة:
أزمة في الإعداد، في التنظيم، في البنية التحتية، وفي الإدارة التي لم تحسن التعامل مع ضغط المرحلة الحاسمة.

انهيار حلم «المونديال»: كيف تبخرت آمال السودان في التأهل لكأس العالم؟
انهيار حلم «المونديال»: كيف تبخرت آمال السودان في التأهل لكأس العالم؟

غياب النجوم والإصابات المتكررة

مع تقدم التصفيات، بدأ النزيف الفني واضحًا.
فقد المنتخب خدمات عددٍ من أهم لاعبيه، وعلى رأسهم الحارس محمد المصطفى والقائد رمضان عجب، إلى جانب غياب المهاجم القوي محمد عبدالرحمن (الغربال) الذي يُعد الهداف الأبرز للمنتخب.
غياب هؤلاء اللاعبين أفقد الفريق توازنه، خاصة في الخطوط الخلفية والهجومية، ما جعل الأداء يبدو هشًا وغير منسجم.

تقول مصادر داخل المنتخب إن إدارة الفريق لم تُحسن التعامل مع الإصابات ولم توفر برامج علاج وتأهيل كافية، فظل بعض اللاعبين خارج التشكيلة لأشهر دون متابعة طبية مناسبة.
ومع مرور الوقت، أصبح المنتخب يعتمد على بدائل تفتقر للخبرة الدولية والجاهزية البدنية.

انهيار حلم «المونديال»: كيف تبخرت آمال السودان في التأهل لكأس العالم؟
انهيار حلم «المونديال»: كيف تبخرت آمال السودان في التأهل لكأس العالم؟

أزمة في الهجوم.. غياب الحلول الحاسمة

تراجع الأداء الهجومي كان من أبرز أسباب الانهيار.
ففي غياب الغربال، لم ينجح أي لاعب في سد الفراغ، كما فشلت محاولات ضم مهاجمين محترفين في الخارج مثل هاني مختار لاعب نادي ناشفيل الأمريكي، الذي لم تتمكن الإدارة من إقناعه بالانضمام.
وبذلك خسر المنتخب سلاحًا هجوميًا كان يمكن أن يصنع الفارق في المباريات الكبرى.

وبحسب محللين، فإن الضعف الهجومي لم يكن تقنيًا فقط، بل ذهنيًا أيضًا، إذ غابت روح المغامرة، وأصبح الفريق أكثر تحفظًا، يلعب من أجل تجنّب الخسارة لا من أجل الفوز.


إدارة مرتبكة.. وخلل تنظيمي متراكم

بعيدًا عن الملعب، عانت كرة القدم السودانية من اضطراب إداري واضح انعكس مباشرة على المنتخب.
تأخر صرف مستحقات اللاعبين والجهاز الفني بقيادة المدرب جيمس كواسي أبياه قبيل مباريات مصيرية ضد السنغال وجنوب السودان، ما أثّر في التركيز والروح المعنوية.

كما تكررت أخطاء السفر والتنظيم، حيث تأخرت بعثة المنتخب أكثر من مرة في الوصول إلى مقار المباريات بسبب مشاكل في الحجوزات أو التنسيق مع الاتحادات المستضيفة.
وفي ظل غياب التخطيط الطويل المدى، كان المنتخب يدخل كل مباراة وكأنه يبدأ من الصفر.

يقول أحد الإداريين السابقين في الاتحاد السوداني لكرة القدم:

“مشكلتنا أننا نعمل بردّ الفعل. لا نملك رؤية استراتيجية للمنتخب. نحتفل بالانتصار ونغرق في الفوضى عند أول تعادل.”


غياب المنافسة المحلية وتأثير الحرب

الظروف السياسية والأمنية التي يعيشها السودان منذ اندلاع الحرب تركت أثرًا بالغًا على المشهد الرياضي.
فالدوري المحلي متوقف أو يُقام بشكل غير منتظم، ما أفقد اللاعبين إيقاعهم البدني والذهني.
كما أن المنتخب محروم من اللعب على أرضه وأمام جماهيره بسبب الوضع الأمني، ليخوض جميع مبارياته في ملاعب محايدة خالية من الحضور الجماهيري.

هذا الغياب عن الأرض والجمهور جعل الفريق بلا هوية، وبات اللاعبون يشعرون كأنهم غرباء في كل مباراة، دون ذلك الزخم الذي يمنحه صوت الجماهير حين يُردّد “سودان فوق”.


صقور بلا أجنحة.. انهيار المنظومة الدفاعية

لم يكن الدفاع أفضل حالًا من الهجوم.
فمع غياب القائد رمضان عجب، افتقد الخط الخلفي التنظيم والصلابة. وتكررت الأخطاء الفردية في التغطية والتمركز، خصوصًا في الكرات الثابتة.
كما افتقد الحارس البديل للخبرة في التعامل مع الضغط العالي في المباريات الكبرى، ما أدى إلى استقبال أهداف سهلة كانت كفيلة بتغيير مسار النتائج.

ورغم محاولات المدرب أبياه لتجريب أكثر من خطة، فإن الارتباك ظل سمة واضحة، لأن التغييرات المستمرة في التشكيلة من مباراة لأخرى منعت استقرار الأداء الفني.


التحليل الفني: ما وراء الأرقام

بلغ المنتخب السوداني في مشواره 13 نقطة، وهو رقم جيّد مقارنة بالتصفيات السابقة، لكنه غير كافٍ للتأهل.
فمن أصل عشر مباريات، فاز الفريق في أربع، وتعادل في واحدة، وخسر خمس.
سجّل 9 أهداف واستقبل 12، وهي إحصائية تكشف هشاشة الدفاع وضعف الفاعلية الهجومية.

تحليل الأداء يظهر أن الفريق يفقد التركيز في الدقائق الأخيرة، حيث استقبل أكثر من نصف الأهداف بعد الدقيقة 75.
كما أن معدل دقة التمرير لم يتجاوز 68% في أغلب المباريات، وهو مؤشر على غياب الانسجام واللياقة الذهنية تحت الضغط.


ناصر بابكر: “ثقافة الأمتار الأخيرة” هي المشكلة

يرى الصحفي الرياضي ناصر بابكر، رئيس تحرير موقع “الرد كاسل”، أن ما حدث للمنتخب السوداني ليس مفاجئًا، بل هو نتيجة تراكمات طويلة.
وقال في حديثه لـ “التغيير”:

“الكرة السودانية لم تكن في الأصل مرشحة للمنافسة على بطاقة المونديال. لكن الأداء الذي قدمه المنتخب في البداية كان مذهلًا وجعل الجماهير تحلم. لذلك كانت الصدمة مضاعفة.”

ويضيف:

“ما حدث هو تكرار لنمط سوداني معروف أسميه ثقافة الأمتار الأخيرة. دائمًا نتعثر في الخطوة الأخيرة سواء على مستوى المنتخبات أو الأندية. الهلال والمريخ مثال واضح، والمنتخب نفسه وصل إلى نصف نهائي (الشان) ولم يكمل الطريق.”

ويرى بابكر أن الأزمة ليست فنية فقط، بل إدارية وهيكلية:

“ليس لدينا نظام تأسيس حقيقي لكرة القدم. لا أكاديميات، ولا فرق سنية، ولا برامج تأهيل مستدامة. اللاعب السوداني موهوب بالفطرة لكنه يفتقر إلى التكوين الصحيح بدنيًا وذهنيًا.”


المسؤولية الإدارية.. غياب الرؤية وتكرار الأخطاء

حمّل بابكر المسؤولية الكاملة للقيادات الرياضية، مؤكدًا أن الاتحاد لم يتعامل بجدية مع حلم المونديال، وأن الاهتمام توقف عند التأهل إلى كأس الأمم الإفريقية.

“المسؤولون احتفلوا مبكرًا وتركوا المنتخب دون دعم حقيقي. بل حتى الجهاز الفني لم يتسلم مستحقاته، واللاعبون لم يحصلوا على حوافزهم في الوقت المحدد.”

وأضاف:

“الأخطاء اللوجستية تكررت بطريقة غريبة. بعض اللاعبين تخلفوا عن الرحلات بسبب مشاكل في الحجز، كما لم تُنسّق روزنامة الدوري المحلي بما يخدم برنامج المنتخب. كل شيء كان يسير بالعشوائية.”

هذه التفاصيل الصغيرة، كما يصفها، كانت الشرارة التي أطفأت وهج الحلم الكبير.


جمهور موجوع.. لكن ما زال مؤمنًا

رغم الخيبة، لم تنكسر إرادة الجماهير السودانية.
فالملايين الذين تابعوا التصفيات يؤمنون بأن ما تحقق خطوة مهمة رغم الإخفاق.
وقد امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي برسائل الدعم للمنتخب، ودعوات لمواصلة البناء على ما تحقق بدل الهدم والتجريح.

كتب أحد المشجعين على منصة “إكس”:

“نحن لم نفشل.. نحن بدأنا طريقًا جديدًا، وعلى الجيل القادم أن يكمله.”

بينما قال آخر:

“ربما لم نصل إلى المونديال، لكننا أثبتنا أننا قادرون على الحلم من جديد.”


ما بعد الخسارة.. فرصة لإعادة التأسيس

يقول الخبراء إن نهاية حلم المونديال ليست سوى بداية لمسارٍ جديد إذا أُحسن استغلالها.
فالمطلوب الآن ليس البكاء على الخسارة، بل إعادة بناء المنظومة الكروية من الجذور، عبر إنشاء أكاديميات تدريب، وتحسين البنية التحتية، وتأهيل الكوادر الفنية والإدارية.

كما أن الوقت قد حان لسنّ قوانين تضمن الاستقلال المالي والفني للاتحاد السوداني لكرة القدم بعيدًا عن الصراعات الانتخابية.
فبدون بيئة احترافية مستقرة، سيظل المنتخب يدور في حلقة مفرغة من الآمال والانكسارات.


ما سبب تراجع المنتخب السوداني في تصفيات كأس العالم 2026؟
تعددت الأسباب بين الغيابات والإصابات، والخلل الإداري، وضعف الإعداد البدني والفني، إلى جانب غياب الاستقرار المالي والتنظيمي.

كم عدد النقاط التي جمعها السودان في التصفيات؟
13 نقطة من عشر مباريات، وهو رقم جيّد لكنه غير كافٍ للتأهل.

من أبرز اللاعبين الغائبين عن المنتخب؟
الحارس محمد المصطفى، القائد رمضان عجب، والمهاجم محمد عبدالرحمن (الغربال).

ما أبرز تصريحات الخبراء حول فشل المنتخب؟
رئيس تحرير “الرد كاسل” ناصر بابكر وصف المشكلة بأنها “ثقافة الأمتار الأخيرة” وغياب التأسيس الرياضي الصحيح.

هل هناك أمل في المستقبل؟
نعم، فالتجربة الأخيرة أبرزت جيلًا واعدًا من اللاعبين، ويمكن أن تكون نقطة انطلاق لبناء منتخب أقوى وأكثر احترافًا.


📍 الخرطوم – 11 أكتوبر 2025
هكذا انتهى حلم المونديال بالنسبة للسودان، لكنه لم يُمحَ من ذاكرة الجماهير. فالهزيمة ليست نهاية الطريق، بل بداية لوعيٍ جديد بأن الكرة السودانية بحاجة إلى ثورةٍ حقيقية في الفكر والتنظيم والإعداد، كي لا يظل الحلم مؤجلًا جيلًا بعد جيل.

اقرأ أيضًا: لأول مرة في التاريخ.. المريخ السوداني أول فريق عربي وإفريقي يشارك في 3 دوريات مختلفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى