قصة نور الشام.. بصيرة تصنع المجد وتكتب فصلًا جديدًا للإلهام في جامعة الأمير محمد بن فهد
الترند بالعربي – متابعات
في لحظات تختلط فيها المشاعر بين الفخر والدهشة والإعجاب، وقفت الطالبة نور الشام، القادمة من الجمهورية السودانية، على منصة التخرج في جامعة الأمير محمد بن فهد لتروي حكاية مختلفة تمامًا عن بقية الحكايات، حكاية لا تستند إلى الإبصار، بل إلى البصيرة. فقد اختارت هذه الشابة الكفيفة أن تقول للعالم كله إن النجاح لا يُرى بالعين، بل يُبصر بالقلب، وأن الإرادة تستطيع أن تهزم كل حدود الجسد حين يشتعل الإيمان بالهدف.
كانت القاعة تحتضن احتفال تخريج دفعة طالبات 2024–2025، برعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة جواهر بنت نايف بن عبدالعزيز آل سعود، بحضور المئات من أسر الخريجات وأعضاء هيئة التدريس. لكن الحضور ظل متشبثًا بكل كلمة صدرت من نور الشام، التي استطاعت، عبر سردها المؤثر، أن تحوّل لحظة التخرج إلى درس عميق في الإنسانية والصبر والإصرار.

رحلة تبدأ من بعيد.. لكن هدفها كان واضحًا منذ البداية
بدأت قصة نور عام 2010، حين كانت طفلة صغيرة تتلمّس طريقها في عالم مُثقل بالتحديات. لم تكن الإعاقة البصرية عائقًا يعطّل طريقها، بل كانت دافعًا يضاعف رغبتها في التعلم والنجاح. انضمت إلى مبادرات مؤسسة الأمير محمد بن فهد وهي لا تزال تحمل أحلامًا أكبر من سنوات عمرها، ووجدت بين جدران المؤسسة احتواءً ودعمًا ومساندة نادرًا.
منذ اللحظة الأولى، وضعت نور هدفها واضحًا: ألا تسمح لغياب البصر أن يحجب عنها بصيرة الحلم. كانت كل خطوة على طريق التعليم بالنسبة لها انتصارًا صغيرًا، وكل مرحلة تتخطاها كانت ترسّخ قناعة عميقة بأن الطريق الطويل قد يكون شاقًا، لكنه ليس مستحيلًا.
جامعة الأمير محمد بن فهد.. احتضان كامل ودعم لا حدود له
حين التحقت نور الشام بجامعة الأمير محمد بن فهد لدراسة إدارة الأعمال، كانت من أوائل الطلاب المكفوفين الذين يلتحقون بالجامعة. وهذا بحد ذاته وضع الجامعة أمام مسؤولية مضاعفة؛ مسؤولية تقديم بيئة تعليمية عادلة، وداعمة، ومهيأة لاستيعاب كل الاختلافات.
وهنا ظهرت مبادرات الجامعة الإنسانية، المتمثلة في “مركز رؤية للإعاقة البصرية” وبرنامج الأمير محمد بن فهد للمنح التعليمية، كحديقة جديدة لنور، وجدت فيها الوسائل التي تساعدها على التعلم، والدعم الأكاديمي المتخصص، والمساندة التقنية التي تُسهّل عليها الدراسة، إلى جانب أستاذات وأعضاء هيئة تدريس يؤمنون بأن التعليم رسالة تتجاوز مجرد المحاضرة، وتمتد إلى بناء إنسان قادر على مواجهة العالم.

رحلة تتحدى الصعوبات وتكتب طريقًا مليئًا بالقوة
كانت رحلة نور عبر سنوات الدراسة مليئة بالمواقف التي وقفت فيها وجهاً لوجه أمام التحديات. فالتعلم بدون بصر يتطلب قدرًا هائلًا من التركيز، والاعتماد على الصوت، وعلى أدوات القراءة الحديثة، وبرامج تحويل النصوص إلى صوت. كان عليها أن تبذل مجهودًا مضاعفًا في كل مهمة، وكل بحث، وكل اختبار، لكن إرادتها لم تهتز أمام أي من تلك المعوقات.
كانت تقول دائمًا: “لم يكن الطريق سهلاً، لكن الله وضع في هذا الطريق من يعينني.”
وكان الحضور الذي سمع كلمة التخرج يشعر أن هذا الاعتراف ليس مجرد عبارة، بل شهادة حياة كاملة.
في منصة التخرج.. كلمة تُلامس القلوب
حين أمسكت نور الشام الميكروفون أمام جمهور غفير، بدأت حديثها بعبارة تختصر الكثير من الحكاية:
“في هذا اليوم نقف على منصة الحلم… وأقول شكراً لحكومتنا الرشيدة، وشكرًا لمؤسس جامعتنا الذي آمن أن التعليم هو طريق رفعة الوطن.”
لم تكن الكلمات مجرد خطاب رسمي، بل كانت امتدادًا لقلب يمتلئ بعرفان عميق. استعرضت مسارها الطويل، وأكدت أن الإعاقة لم تمنعها يومًا من التقدم، بل كانت سببًا لتطوير مهاراتها وثقتها بنفسها. ثم قالت عبارتها التي أصبحت حديث القاعة:
“أعلمتني الحياة أن البصيرة أعمق من البصر… وأن الإرادة وحدها قادرة على صنع المستحيل.”
كانت القاعة صامتة بالكامل، وكأن كل شخص كان يحبس أنفاسه حتى لا يفوت لحظة من هذا المشهد. بعض الخريجات تأثرن لدرجة البكاء، وبعض أمهاتهن وقفن احترامًا لقصة نور التي تشبه معجزات صغيرة على أرض الواقع.
دور إنساني عميق لمبادرات الأمير محمد بن فهد
من خلال كلمة نور الشام، بدا دور المبادرات الإنسانية لمؤسسة الأمير محمد بن فهد واضحًا للغاية. فهذه المؤسسة، منذ تأسيسها، وضعت رؤية تجعل التعليم متاحًا حتى للفئات التي تواجه تحديات خاصة، وأوجدت برامج احتضان وتطوير ومتابعة تمنح الطلاب ذوي الإعاقة البصرية أدوات حقيقية للنجاح.
كان برنامج “مركز رؤية” أكثر من مجرد مبادرة؛ كان مساحة أمل متكاملة لنور وغيرهـا، يساعد على توفير تقنيات متطورة، ومنصات تعليمية متخصصة، وتدريبات مستمرة، ودعمًا نفسيًا يمكن الطالب من التكيف مع البيئة الجامعية والتفوق فيها. ولولا هذه المبادرات، لما استطاعت نور أن تصل إلى منصة التخرج وهي تحمل هذا القدر من الثقة.
الجامعة تحتفي بدفعة من المواهب النسائية الواعدة
احتفلت جامعة الأمير محمد بن فهد بتخريج 476 طالبة لهذا العام، وهو رقم يعكس حجم التوسع الأكاديمي والاهتمام بالبرامج العلمية التي تقدمها الجامعة. لكن نور الشام كانت واحدة من أبرز نجوم الحفل، لأنها حملت رسالة تتجاوز حدود الأكاديميا، رسالة مفادها: أن التعليم قد يغيّر حياة إنسان، لكنه قد يغيّر حياة مجتمع بأكمله حين يفتح الأبواب للجميع دون استثناء.
نور الشام.. قصة ستبقى محفورة في ذاكرة الجامعة
ما قدمته نور في ذلك اليوم لم يكن مجرد كلمة خريجة، بل كان إرثًا صغيرًا سيظل محفورًا في ذاكرة الجامعة والطلاب والقائمين عليها. فقد أثبتت أن الإنسان قادر على تجاوز حدود الإعاقة حين تتوفر بيئة داعمة وإرادة صادقة. كما أثبتت أن المؤسسات التعليمية قادرة على صناعة الفارق الحقيقي حين تؤمن بقدرتها على تمكين كل فرد، مهما كانت ظروفه.
رسالة ختامية ترجمتها نور إلى واقع
اختتمت نور كلمتها بتحية امتنان لأهالي الخريجات، قالت فيها:
“بكم اكتمل النجاح، وبعطائكم تحققت الأحلام، ونهدي تخرجنا اليوم عرفانًا بجميلكم.”
وهذه العبارة وحدها كانت كافية لتُلهم كل أم وكل أب في القاعة بأن رحلتهم مع أبنائهم لم تذهب سدى.
ما أبرز ما ميّز قصة نور الشام بين الخريجات؟
تميزت بأنها قصة كتبت بالبصيرة لا بالبصر، وجسدت قوة الإرادة، وقدّمت نموذجًا للنجاح رغم التحديات.
كيف أسهمت مبادرات جامعة الأمير محمد بن فهد في نجاح نور؟
وفرت لها دعماً تقنيًا وتعليميًا ونفسيًا عبر مركز رؤية للإعاقة البصرية وبرنامج المنح التعليمية.
ما الرسالة التي حملها خطاب نور الشام؟
أن الإعاقة ليست نهاية الطريق، وأن الإرادة والتعليم قادران على إعادة تشكيل مستقبل الإنسان.
هل كانت قصة نور ملهمة للحضور؟
نعم، فقد أثارت مشاعر الحضور بشكل لافت، لما حملته من صدق وتجربة إنسانية عميقة.
اقرأ أيضًا: السعودية تقود ثورة عالمية في تنظيم تجارة التمور باعتماد أول مواصفة دولية للطازجة

