من “شعيب البدع” إلى العالمية.. محمية الإمام تركي بن عبدالله تجسّد ريادة المملكة في الاستدامة بانضمامها لليونسكو

من “شعيب البدع” إلى العالمية.. محمية الإمام تركي بن عبدالله تجسّد ريادة المملكة في الاستدامة بانضمامها لليونسكو
الترند العربي – متابعات
خطوة تاريخية نحو الاعتراف العالمي بالجهود البيئية السعودية
في إنجاز وطني جديد يرسخ مكانة المملكة العربية السعودية كقائد عالمي في مجال الاستدامة البيئية، أعلنت منظمة اليونسكو رسميًا في سبتمبر 2025 اعتماد محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ضمن برنامج الإنسان والمحيط الحيوي (MAB)، لتصبح بذلك واحدة من المحميات العالمية التي تمثل نموذجًا فريدًا للتوازن بين التنمية وحماية الطبيعة.
الحدث لم يكن مفاجئًا لمن تابع مسيرة المملكة البيئية خلال السنوات الأخيرة، بل نتيجة طبيعية لرؤية شاملة تتبناها القيادة السعودية ضمن رؤية المملكة 2030، تضع البيئة وجودة الحياة في صدارة أولوياتها.
من قلب الصحراء إلى قائمة التراث البيئي العالمي
تقع محمية الإمام تركي بن عبدالله في منطقة غنية بالتنوع الجغرافي والبيئي، تحديدًا في “شعيب البدع” جنوب بلدة لينة التاريخية بمحاذاة درب زبيدة الشهير، الطريق الذي كان يسلكه الحجاج منذ قرون طويلة نحو الديار المقدسة.
ومن هذا الموقع العريق، انطلقت قصة نجاح سعودية جديدة تعكس التقاء التاريخ بالطبيعة، حيث تحوّل المكان إلى مختبر بيئي مفتوح يعيد التوازن للنظام الطبيعي، ويُبرز قدرة الإنسان السعودي على تحويل الصحراء إلى بيئة نابضة بالحياة.

مشروعات نوعية تُعيد الحياة إلى الطبيعة
على مدى الأعوام الماضية، نفّذت هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله سلسلة من المشروعات البيئية الرائدة، ركّزت على إعادة تأهيل النظام البيئي الطبيعي للمنطقة.
فقد شملت الجهود تأهيل أكثر من 41 كيلومترًا مربعًا من الأراضي المتدهورة، عبر خطط مدروسة لإعادة الغطاء النباتي وزيادة التنوع الأحيائي.
كما تم زراعة أكثر من 44 ألف شجرة من الأنواع المحلية مثل السلم والأرطى والطلح النجدي، وهي أنواع تتأقلم مع بيئة الصحراء السعودية وتُعدّ مكوّنًا أصيلًا للنظام البيئي المحلي.
ولم تقتصر الجهود على الزراعة فقط، بل امتدت إلى إزالة أكثر من 11 ألف طن من النفايات المتراكمة على مدى سنوات، مما أعاد للموقع توازنه الطبيعي وجماله الفريد.
ووفقًا للتقديرات البيئية، فإن هذه الأشجار عند اكتمال نموها ستسهم في امتصاص نحو 1000 طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، ما ينسجم مع أهداف مبادرة السعودية الخضراء التي تسعى إلى خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.

درب زبيدة.. تاريخ يمتزج بالاستدامة
لا تقتصر أهمية المحمية على بعدها البيئي فحسب، بل تمتد إلى إرثها التاريخي الغني، إذ تحتضن محطة الثعلبية الشهيرة، وهي إحدى المحطات الرئيسة في درب زبيدة التاريخي الذي يعود إلى أكثر من 1200 عام.
تضم المنطقة أكثر من 120 وحدة معمارية ما بين برك مائية وآبار حجرية وحصون قديمة كانت تُستخدم كمراكز تموين واستراحة للحجاج والمسافرين في العصور الإسلامية الأولى.
هذه المعالم، التي تمتد على مساحة شاسعة، تشهد على عبقرية الإنسان العربي القديم في إدارة الموارد الطبيعية في قلب الصحراء. واليوم، تعود هذه المنطقة إلى الحياة من جديد ضمن مشروع وطني يجمع بين التراث، والطبيعة، والتكنولوجيا الحديثة في إطار واحد منسجم.
الانضمام إلى برنامج الإنسان والمحيط الحيوي.. اعتراف دولي بالريادة
يُعد اعتماد محمية الإمام تركي بن عبدالله ضمن شبكة محميات الإنسان والمحيط الحيوي التابعة لليونسكو إنجازًا نوعيًا يعكس مدى التزام المملكة بالمعايير الدولية لحماية التنوع البيولوجي.
ويُعتبر هذا البرنامج العالمي أحد أبرز مبادرات منظمة اليونسكو، إذ يهدف إلى تحقيق توازن مستدام بين احتياجات الإنسان ومتطلبات البيئة الطبيعية، عبر إنشاء مواقع تُدار وفق مبادئ علمية تضمن صون الموارد الطبيعية وتنميتها في آن واحد.
ويُشكل انضمام المحمية السعودية إلى هذه الشبكة اعترافًا عالميًا بقدرة المملكة على بناء نموذج متكامل يجمع بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، وهو ما يتسق مع توجهات المبادرة السعودية الشرق أوسطية الخضراء التي أطلقها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.

التنوع البيولوجي في المحمية.. ثراء طبيعي استثنائي
تُعد محمية الإمام تركي بن عبدالله موطنًا لمجموعة واسعة من الكائنات الحية والنظم البيئية النادرة.
تتنوع تضاريسها بين الأودية الرملية والهضاب الصخرية، ما يخلق بيئة مثالية لأنواع متعددة من النباتات والحيوانات.
وقد سُجل وجود أكثر من 150 نوعًا من النباتات البرية، إضافة إلى 40 نوعًا من الطيور المقيمة والمهاجرة التي تتخذ من المنطقة محطة طبيعية للراحة أثناء رحلاتها الموسمية.
كما تحتضن المحمية أنواعًا نادرة من الثدييات والزواحف، من أبرزها الظبي الريم، والوشق العربي، والثعلب الرملي.
ولضمان استدامة هذا التنوع، تعمل الهيئة على تطوير برامج مراقبة علمية دقيقة، تستخدم فيها الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة (الدرون) لتتبع التغيرات البيئية والتنوع الحيوي بشكل مستمر.
الإنسان في قلب المشروع
رغم الطابع البيئي للمحمية، فإن الإنسان يظل محور الاهتمام في جميع المبادرات، إذ تسعى الهيئة إلى تمكين المجتمعات المحلية في محيط المحمية عبر برامج توعوية وفرص عمل مستدامة.
فقد أطلقت مبادرات لتدريب الشباب في مجالات الزراعة البيئية، ومراقبة الحياة الفطرية، وإدارة السياحة البيئية، مما ساهم في بناء كوادر وطنية مؤهلة لإدارة المواقع الطبيعية وفق أفضل المعايير الدولية.
كما يجري العمل على إنشاء مراكز زوار تعليمية تقدم تجارب تفاعلية للطلاب والباحثين والسياح، بهدف تعزيز الوعي البيئي وتعليم الأجيال القادمة أهمية التوازن بين الإنسان والطبيعة.
التكنولوجيا في خدمة الطبيعة
لم تتوقف الجهود عند حدود الزراعة وإعادة التأهيل، بل توسعت لتشمل توظيف أحدث التقنيات الذكية في إدارة المحمية.
فقد تم تركيب أنظمة مراقبة رقمية تعتمد على الأقمار الصناعية لمتابعة الغطاء النباتي ومستويات المياه الجوفية، إلى جانب تطوير تطبيق إلكتروني يتيح للزوار استكشاف المحمية افتراضيًا، وحجز الجولات السياحية البيئية مسبقًا.
هذه التحولات التقنية تعكس فلسفة جديدة في إدارة البيئة السعودية، تقوم على دمج التكنولوجيا بالاستدامة كعنصر أساسي لتحقيق الكفاءة البيئية والاقتصادية في الوقت نفسه.
ارتباط استراتيجي برؤية المملكة 2030
يأتي إدراج المحمية ضمن شبكة اليونسكو العالمية في سياق متكامل مع رؤية 2030 التي جعلت من البيئة والتنمية المستدامة أحد محاورها الثلاثة.
ويعزز المشروع من مستهدفات برامج مثل جودة الحياة، والسعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر، عبر تطوير بنية تحتية بيئية متكاملة تُعيد التوازن للنظم الطبيعية وتدعم الاقتصاد الأخضر.
وتُعد المحمية أيضًا منصة تطبيقية لمفهوم الاقتصاد الدائري للكربون الذي تتبناه المملكة، حيث تُستثمر الموارد البيئية بطريقة تقلل من النفايات وتعيد استخدام الطاقة والمياه بشكل مستدام.
شراكات محلية ودولية لدعم الاستدامة
تعمل هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله على بناء شراكات استراتيجية مع الجامعات والمراكز البحثية المحلية والعالمية، بهدف تبادل الخبرات وتنفيذ الدراسات العلمية حول التنوع الحيوي والأنظمة البيئية في المملكة.
كما تم توقيع مذكرات تفاهم مع الهيئة السعودية للسياحة، ووزارة البيئة والمياه والزراعة، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي لتنسيق الجهود نحو تحقيق الاستدامة البيئية الكاملة في المنطقة.
وتسعى الهيئة إلى تحويل المحمية إلى وجهة سياحية بيئية عالمية تستقطب الباحثين والسياح المهتمين بالطبيعة، في تجربة تجمع بين الترفيه والتعليم والوعي البيئي.
إرث ثقافي وطبيعي يعانق المستقبل
بفضل موقعها الفريد بين درب زبيدة التاريخي وسهول الصحراء الشمالية، تجمع محمية الإمام تركي بن عبدالله بين الإرث الثقافي والطبيعي في انسجام نادر.
هذا التكامل بين الماضي والحاضر يقدّم للعالم نموذجًا سعوديًا خاصًا في كيفية الحفاظ على الهوية مع الانفتاح على المستقبل.
كما تعمل الهيئة على تطوير برامج لدمج الثقافة المحلية في تجربة الزوار، مثل إقامة مهرجانات تراثية تُبرز العادات والتقاليد المرتبطة بالمكان، وتُسهم في إبراز التراث غير المادي للمملكة ضمن أجندة اليونسكو الثقافية.
ما سبب انضمام المحمية إلى قائمة اليونسكو؟
لأنها حققت معايير برنامج الإنسان والمحيط الحيوي في التوازن بين التنمية وحماية البيئة، وأظهرت نجاحًا في تطبيق ممارسات الاستدامة الحديثة.
أين تقع المحمية؟
تقع في منطقة شعيب البدع جنوب بلدة لينة التاريخية، بمحاذاة درب زبيدة الشهير في شمال المملكة.
ما أبرز إنجازات الهيئة في السنوات الماضية؟
تأهيل 41 كم² من الأراضي، زراعة 44 ألف شجرة محلية، إزالة أكثر من 11 ألف طن نفايات، وتطوير أنظمة مراقبة بيئية حديثة.
كيف تساهم المحمية في مبادرات السعودية الخضراء؟
من خلال امتصاص أكثر من 1000 طن من الكربون سنويًا عند نضوج الأشجار، وتعزيز التنوع الأحيائي الطبيعي.
هل يمكن زيارة المحمية؟
نعم، يُمكن للزوار حجز جولات بيئية منظمة عبر التطبيق الرسمي للمحمية، مع توفر مراكز زوار مجهزة للتوعية والتعليم البيئي.
هل توجد أنواع مهددة بالانقراض داخل المحمية؟
تضم المحمية أنواعًا نادرة مثل الظبي الريم والوشق العربي، وتُنفذ برامج لإعادة توطين الحياة الفطرية المهددة.
ما دور المجتمعات المحلية في إدارة المحمية؟
تشارك المجتمعات في برامج التوعية والزراعة وإدارة السياحة البيئية، مما يعزز الاستدامة الاجتماعية للمشروع.
ما الفوائد الاقتصادية للمحمية؟
تسهم في خلق فرص عمل جديدة، وتنشيط السياحة البيئية، وتطوير الصناعات المحلية المستدامة.
كيف تُستخدم التكنولوجيا داخل المحمية؟
من خلال أنظمة مراقبة ذكية، وخرائط رقمية، وطائرات مسيرة لمتابعة التنوع الأحيائي بشكل مستمر.
ما الخطوة التالية بعد الانضمام إلى اليونسكو؟
توسيع نطاق الدراسات البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لتطوير النظم الطبيعية في المملكة وتحقيق أهداف الاستدامة العالمية.
📍 ختامًا:
انضمام محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية إلى شبكة محميات اليونسكو لا يمثل مجرد إنجاز إداري، بل هو اعتراف دولي بريادة المملكة في تحقيق التوازن بين الإنسان والطبيعة.
من “شعيب البدع” إلى المنصات العالمية، تواصل السعودية كتابة قصة نجاح جديدة، تُثبت أن البيئة ليست فقط موردًا، بل إرثًا ومسؤولية تُسهم في تشكيل مستقبل أكثر استدامة للبشرية جمعاء.
اقرأ أيضًا: تركي آل الشيخ يكشف اليوم تفاصيل موسم الرياض 2025.. مناطق جديدة وتجارب غير مسبوقة