عقل المرأة

عقل المرأة
عمر غازي
في إحدى المقابلات القديمة، سُئل العالم النفسي الشهير سيغموند فرويد عن أكثر ما حيّره في مسيرته المهنية، فأجاب: “عقل المرأة“، لم يكن جوابه استخفافًا، بل اعترافًا ضمنيًا بأن هذا الكائن الذي نشاركه الحياة يملك عالَمًا داخليًا لا يخضع دائمًا للمنطق التقليدي، ولا يُفكّ شيفرته بسهولة، عقلٌ يجمع بين الحساسية الحادة والبديهة المفاجئة، وبين التقلب المزاجي والتماسك العاطفي في آن.
المرأة لا تفكر كما يفكر الرجل، ليست هذه تفرقة، بل طبيعة فسيولوجية ونفسية تؤكدها الأبحاث، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج عام 2019 أن دماغ المرأة يستخدم كلا النصفين في المهام التحليلية والعاطفية بشكل متزامن، على عكس الرجل الذي يفصل بين المنطق والعاطفة، لذلك تبدو المرأة أحيانًا “معقدة” في قراراتها، لا لأنها تفتقر للوضوح، بل لأنها تنظر إلى المواقف من عدة زوايا في ذات اللحظة، وتمرر قراراتها عبر مصفاة المشاعر، ثم التجربة، ثم الحدس.
الرجل حين يغضب يقول ذلك صراحة، أما المرأة فقد تبتسم وهي تمور من الداخل، ترد على الرسالة بكلمة “طيب” وهي تعني كل شيء إلا الطيب، ليست خادعة، لكنها لا تقول ما تقصده دائمًا، بل تنتظر أن يُقرأ ما بين السطور، أن يفهمها الآخر دون أن تشرح، ولذلك، حين لا يُفهم صمتها، تغضب، ليس لأنه لم يفعل شيئًا خاطئًا، بل لأنه لم يفعل ما تمنّت في خيالها أن يفعله.
لكن هل هذا التعقيد عيب؟ أم أنه شكل من أشكال الذكاء العاطفي؟
في دراسة نشرتها جامعة ييل عام 2021، تبين أن النساء أكثر قدرة على قراءة الإشارات غير اللفظية بنسبة 70% مقارنة بالرجال، وأكثر قدرة على الربط بين الأحداث الاجتماعية والعاطفية، هذه القدرة تضعهن في مكانة متقدمة حين يتعلق الأمر بفهم الآخر، لكنها في الوقت ذاته تجعل علاقاتهن أكثر عرضة للخذلان، لأن التوقعات أعلى من الواقع، والخيبة دائمًا بقدر الأمل.
الرجل لا يحب أن يُحاسب على ما لم يقله، والمرأة لا تفهم كيف يمكن لرجل أن لا “يلاحظ”، أن لا يشعر، أن لا يفسر نظراتها وانسحاباتها الصامتة، هو لا يتجاهلها، لكنه لا يملك رادارها العاطفي، ولهذا، حين تنفجر العلاقة، لا تكون المشكلة في الحب، بل في “لغة التفكير” التي لم تُترجم كما يجب.
المرأة تفكر بذاكرتها، تخزن التفاصيل وتعود لها عند الحاجة، أما الرجل، فيمحو ما لا يراه ضروريًا، لذلك هو ينسى التواريخ، وهي تحفظها عن ظهر قلب، هو لا يفهم لماذا تبكي بعد مشادة بسيطة، وهي لا تفهم كيف يمكن له أن ينام بعد خلاف حاد.
ويبقى السؤال: هل نحن نطلب من المرأة أن تفكر كرجل لنرتاح؟ أم أننا فقط نخشى أن نفهمها فعلًا، لأننا نعرف أن من يفهم المرأة… لن يعود كما كان؟