
همس كلمة..!
همس كلمة..!
بدر الغامدي
أحيانًا، تكمن القوة في كلمة “نعم”. كلمة تُقال في وقتها فتفتح بابًا، أو تغلق جرحًا، أو تضيء طريقًا.. بل أعمق من ذلك؛ قد تكون في الصمت أحيانًا؛ فأهم الكلمات بصوت مسموع قد تُقال بنظرة، بإيماءة، بصمت طويل، يحمل أكثر من ألف معنى.
التواصل هو تلك القوة التي لا تُرى، لكنها تُحس. قوة ناعمة، لكنها تفعل ما لا تفعله غيرها.
تربط القلوب، وتفك العُقَد، وتقيم جسورًا بين غرباء، وتصنع أُلفة بين المختلفين.
قد تظن أن الحديث مهارة فقط، لكنه في الحقيقة مهارة ومسؤولية؛ فبعض الكلمات تعاش لسنوات، وبعضها يُنسى بعد ثوانٍ، والبعض الآخر يترك أثرًا لا يُمحى.
اسأل مَن نجح في قيادة فريق، أو مَن أنقذ علاقة كانت على وشك الانهيار، أو مَن ألهم شخصًا بكلمة.. ستجد أن ما جمعهم لم يكن إلا حُسن التواصل: الإصغاء حين يتحدث الآخرون، والحكمة حين نرد، والاحترام حين نختلف.
فن الاتصال لا يعني أن تتحدث كثيرًا، بل أن تصل قليلاً، لكن بعمق.. أن تضع في كل جملة روحًا، وفي كل حوار نية طيبة، وفي كل اختلاف مساحة للالتقاء.
وفي زحمة الحياة، حيث تزدحم الرسائل، وتتشابه الوجوه، وتصبح الردود آلية، يبرز مَن يملك “قوة التواصل”؛ ذاك الذي يتحدث فتصغي القلوب، ويكتب فتبتسم الوجوه، ويصمت فيُفهَم.
قد يُعلِّمنا هذا الفن أحد، وقد نلتقطه من المواقف، من التجارب، من لحظات الفَهْم العميق التي لا تُنسى.. نكتشفه حين نخطئ التعبير؛ فنفقد شيئًا ثمينًا، أو حين نُحسن الحديث؛ فنكسب شخصًا إلى الأبد.
وهل هناك أجمل من أن تكون سببًا في ارتياح أحدهم؟ أو مصدر طمأنينة بصوتك؟ أو ملجأ لحوار صادق؟
قوة التواصل الفعال ليست مهارة تُدرس فقط، بل قيمة تعاش.. تبدأ من نية صافية، وقلب منصت، وكلمة تُقال بلطف، وتُنهي خلافًا كان ليشتعل، وبجسد يتفاعل بعمق.
وما زلتُ أتذكر كلمات بعضهم كما قيلت قبل عشرات السنين، بل أتذكرها متأثرًا بإيحاءات الوجه وتفاعله؛ فقد اختار الزمان والمكان والنبرة، مع النية الصادقة.
برأيي الشخصي، مهارة الاتصال من أهم المهارات الناعمة؛ والسبب أنها الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء في بيئة العمل، أو في العلاقات الشخصية.
فحتى لو كنتَ خبيرًا أو مبدعًا في مجالك، إذا لم تستطع التعبير عن أفكارك بوضوح، أو الاستماع للآخرين باهتمام، فقد تضيع الكثير من الفرص.
همستُ بابتسامة: نحن لا نتواصل فقط لنسمع، بل لنبني، لنفهم، لنُعبّر، ولنكسب قلوبًا لا تُشترى.
فاختر كلماتك بعمق كما تختار هداياك، واختر وقتها، واختر مكانها، بل حتى نبرتها، بل حتى إيماءات الجسد والوجه؛ فبعضها يُنسى، وبعضها يُحتفَظُ به مدى الحياة.
المصدر: سبق