
أزمة العقل العربي
د. عبدالله بن محمد العمري
يتكرر هذا العنوان أو تتكرر هذه المقولة بصيغ مختلفة وكأن لا شغل لبعض كتاب العرب إلا الاستنقاص من كل مضاف أو مضاف إليه من العروبة وجذرها ومشتقاتها.
العقلية العربية والنفسية العربية والشخصية العربية مشاعات نقدية لبعض من يرغب في جلد ذاته، ولكن المنهجية النقدية لا تتهاون في قراءة نقدية تقوم على نظرية الوصم الاجتماعي التي تستبطن التعميم بلغة الإفراد.
العربي بعقليته ونفسيته وشخصيته يشكل كيانات متعددة جعلت منه قوة اللغة كيان واحد، وأثرت لغته على بنائه ونفسيته وشخصيته، وليس هناك لغة بلغت قوتها ما بلغته اللغة العربية من التأثير وإعادة تشكيل المجتمعات بأفرادها ومجتمعاتها. هل العروبة عرقية أو انتماء لغوي؟ هذا سؤال يطول تناول إجاباته ذات المنطلقات المتنوعة، وبعيدا عن هذا السؤال الجدلي فإن العروبة حالة لغوية متفردة انطلقت من جزيرة العرب تحمل لواء دين خاتم، وقرآن عربي مبين، ورجل عربي بالأصالة أو بالمعايشة لتلتف جماعات بأكملها حول دين واحد ولغة واحدة، وكتاب مبين واحد.
هذا المنطلق المبسط لمفهوم القوة التي تشكل اللغة أحد صروحها المنيعة يهدف إلى تأكيد قوة اللغة في تشكيل العقل، وعندما تكون اللغة ذات قوة مرتكزة على منحة ربانية تحميها من الزوال أو من الاتهام بالضعف فإن العقول التي تتبناها تكتسب قوتها رغم تفاوت هذه القوة من خلال هذه اللغة، ومن جانب آخر فإن واقع المجتمعات العربية يأتي من حيث قوته وضعفه وفق صيرورة كونية (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، وتشريح واقع المجتمعات منذ أن عُرف تاريخ البشرية يضعنا أمام هذه المسلمة بقرار رباني.
وحتى نكون أكثر تركيزا نستعرض بعض العلامات الفارقة في تاريخ العقلية العربية، وعلى فترات قريبة من وقتنا الحالي.
ففي المغرب العربي -المقصود الجهة بكل دولها وليس دولة- عندما تنبهت العقلية العربية إلى أن الاستعمار اتجه إلى أن يكون استعمار ثقافي يسعى لقتل اللغة وتبديد الدين، اتجهت هذه العقلية إلى إقامة زوايا يدرس فيها الدين وترسخ فيها اللغة.
وفي مصر عندما كانت الهوية لغة ودين مهددة نشرت العقلية العربية الكتاتيب لنجد أشهر القراء من مصر ينبعثون وتصدح أصواتهم في أرجاء الأرض، وفي السودان نجد أن العقلية العربية عصية على سلخها من دينها ولغتها ومثلها باقي الدول الأفريقية العربية، وفي موريتانيا نجد بلد الحفاظ واللغويين، وبالمرور على بلاد الشام والعراق نجد أن العقلية العربية تشبثت بالأدب وبلاغة اللغة ومدارسها العتيقة وسقتها بمزاجها وذائقتها المتجددة مع الحفاظ على تلك الجذور ندية متينة ضاربة في عمق أرض العروبة.
وعلى أطراف جزيرة العرب صمدت كيانات قديمة، وبنت العقلية العربية كيانات جديدة وحافظت عليها.
وفي قلب جزيرة العرب وفي الوقت الذي كان العالم يُقسم ويُفتت، وحدت العقلية العربية دولة بحجم قارة، وتوالت العقلية العربية الحفاظ على هذا الكيان المملكة العربية السعودية وأخذه إلى أعلى مستويات الرقي والحضارة مع الحفاظ على دينه وعروبته وقيمه الوطنية، وليكون الاسم الأول على لسان أصحاب القرار في مختلف بلدان العالم وشعوب الأرض.
المصدر: الرياض