عمر غازيكُتاب الترند العربي

الاقتصاد العكسي

عمر غازي

في عام 2008، بينما كانت الأزمة المالية العالمية تعصف بالأسواق، ظهرت شركات مثل Airbnb وUber لتعيد تشكيل صناعات الإقامة والنقل، مستفيدة من الفرص التي أتاحتها تلك الأزمة، حيث تأسست Airbnb في أغسطس 2008 عندما أدرك مؤسسوها أن ارتفاع الطلب على أماكن الإقامة خلال المؤتمرات في سان فرانسيسكو خلق فجوة في السوق، مما دفعهم إلى استغلال هذه الفرصة وتحويل المنازل العادية إلى بدائل فندقية مريحة، وبالمثل، انطلقت Uber في عام 2009 استجابة للحاجة إلى وسائل نقل أكثر مرونة وكفاءة، حيث أدرك المؤسسون أن الاعتماد على سيارات الأجرة التقليدية لم يعد مجديًا في ظل تزايد الطلب على خدمات النقل السريع، لم تكن هذه الشركات مجرد مشاريع عابرة، بل كانت تطبيقًا مباشرًا لفكرة الاقتصاد العكسي، حيث تتحول الأزمات إلى محركات للابتكار والنمو.

الاقتصاد العكسي ليس مجرد نظرية أكاديمية، بل هو استراتيجية فعلية يعتمد عليها رواد الأعمال والشركات التي تدرك أن الأزمات ليست بالضرورة نهاية الطريق، بل يمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو أسواق جديدة، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2019 أن 62% من الشركات التي ظهرت خلال فترات الركود الاقتصادي نجحت في تحقيق نمو يفوق الشركات التي تأسست خلال فترات الاستقرار، مما يعكس كيف أن التغيرات الاقتصادية الحادة تخلق فرصًا جديدة لأولئك الذين يملكون القدرة على التكيف.

في هذا السياق، يُطلق على بعض رواد الأعمال لقب “تجار الأزمات”، وهو مصطلح قد يحمل دلالة سلبية عندما يرتبط بالاستغلال، لكنه في جوهره يعكس حقيقة أن الأزمات تخلق فرصًا لمن يفهم ديناميكيات السوق، فخلال جائحة كورونا، برزت شركات في مجالات الصحة الرقمية والتجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية، حيث أظهرت دراسة أجرتها شركة ماكينزي عام 2021 أن 74% من الشركات التي تبنت نماذج أعمال جديدة خلال الأزمة تمكنت من تحقيق أرباح أعلى بنسبة 30% مقارنة بمنافسيها التقليديين، وهذا يوضح أن من يمتلكون رؤية تحليلية وقدرة على استشراف المستقبل يمكنهم تحويل التحديات إلى أدوات نجاح.

العالم العربي ليس بعيدًا عن هذه الظاهرة، ففي ظل التحديات الاقتصادية، ظهرت مبادرات تعتمد على استغلال الأزمات لإيجاد حلول مبتكرة، حيث شهدنا خلال السنوات الأخيرة انتشار مشاريع تكنولوجية تهدف إلى توفير بدائل محلية للخدمات المستوردة، ففي مصر مثلًا، مع ارتفاع تكاليف الاستيراد، انتعشت الصناعات المحلية، حيث أظهرت تقارير البنك الدولي لعام 2022 أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي ركزت على التصنيع المحلي نمت بنسبة 28% خلال عام واحد، بينما في السعودية، ساهمت رؤية 2030 في خلق بيئة مواتية لريادة الأعمال، حيث نمت الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا بنسبة 45% خلال الأعوام الثلاثة الماضية وفقًا لتقرير صادر عن الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.

الاقتصاد العكسي يتطلب عقلية ترى في الأزمات فرصًا للابتكار، فبدلًا من انتظار انتهاء العاصفة، يمكن للشركات والأفراد البحث عن طرق جديدة لتقديم قيمة مختلفة، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2020 أن 70% من الشركات التي تبنت حلولًا إبداعية خلال الأزمات تمكنت من الصمود أمام تقلبات السوق بشكل أفضل من منافسيها التقليديين، مما يعكس أهمية الاستعداد الدائم لإعادة ابتكار الذات بدلًا من مقاومة التغيير.

الأزمات، رغم قسوتها، تُعيد ترتيب الأولويات وتكشف عن القادرين على التكيف، فالاقتصاد العكسي يذكرنا بأن النجاح لا يعتمد فقط على الظروف، بل على كيفية استجابتنا لها، وهو ما يطرح تساؤلًا مهمًا: هل نمتلك في عالمنا العربي القدرة على استغلال الأزمات بشكل منهجي ومستدام، أم أننا ما زلنا ننظر إلى التغيير باعتباره خطرًا لا فرصة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى