كُتاب الترند العربي

اَلْعَدْوَى الرَّقَميَّةُ

عصام محمد عبدالقادر

تتباين المشاعر، والعواطف، والاتجاهات، والميول نحو استخدام التكنولوجيا، وتوظيفها من مستخدم إلى آخر وفق إدراكه، وقد يكون هناك إحجامٌ عن التعامل المباشر مع التقنيات الرَّقَميَّة، ويتحول هذا – على استحياء- إلى استخدام وفق الحاجة، ثم يتغير، ويتبدل الأمر؛ ليزداد التلاحم بتطبيقات تلك التقنيات، حتى ينْغمسَ الفرد، ويتحول إلى تفاعل، ومشاركات، وتبادل خبرات، وهنا نَصِفُ هذا الواقع بأنه بمثابة عدْوى، يمكن أن تتحول إلى نوع من الإدْمان الرَّقَميَّ.

بمجرد أن يعتاد المستخدم على التعامل مع تطبيقات لبعض التقنيات الرقمية، ويتعرف على ما بها من مميزات، وخصائص يسعى دأبًا؛ ليتعرف على الطرائق المتقدمة للاستخدام، والتوظيف، وهنا أيضًا يتباين ذلك من شخص إلى آخر؛ فنرصد أن استراتيجيات، وطرائق الاستخدام تصل إلى مستويات احترافية مع المهتمين بتوظيف التقنية، وأدواتها، وبعض التطبيقات في مجالاتها النوعية، بينما ترصد حالة التحسن، والتطور لمن كان لديهم اتجاهات سلبية، أو إحجام عن الاستخدام، والتعاطي في بداية الأمر.

إن العدْوى الرَّقَميَّة قد يكون لها دورٌ رئيسٍ في تغيير اتجاهات الفرد السلبية إلى إيجابية، وتحويل الميول من إطاره الضعيف إلى الإيجابي، وهنا يتأكد لنا أن العدْوى الرَّقَميَّة مستقر تفاعلها داخل الوجدان؛ إذ تؤثر التقنيات، ونتاجها المتعدد على الحالة النفسية لدى المستخدم، ولا نغالي لو قلنا إن أثر هذه العدْوى الرَّقَميَّة قد يصل بالكثير إلى مراحل من الشغف، والنهم في الاستخدام؛ فيصبح التعلق بها مستدامًا، وهذا ما نراه من حولنا على المستويات التفاعل الداخلية للأسرة، وعلى المستوى العام للمجتمعات قاطبةً.

وأرى أن هنالك متغيرات قد ساعدت في تفشي العدْوى الرَّقَميَّة، بل واشتدت وتيرتها بصورة مضطردة في تلك الآونة؛ فقد ساهم التطور التقني وفق تحديثاته المتلاحقة في أن يجذب قطاعات من المستخدمين على مستوى العالم العدْوى الرَّقَميَّ؛ حيث إن القائمين على هذا المجال يتبعون الدراسات الاستكشافية التي يتعرفون من خلالها على احتياجات المستخدمين، واهتماماتهم، وما يؤدي إلى جذب الانتباه نحو المحتوى العدْوى الرَّقَميَّ المُمَوَّلِ منه، وغير المُمَوَّلِ.

لقد لُوحِظَ أن التفاعل مع المحتوى الرَّقَميَّ بتنوعاته المختلفة عبر الفضاء المفتوح قد بات سريعًا، ومتلونًا؛ فما يجذب بعض المستخدمين قد لا يهتم به البعض الآخر؛ لكن قد صُمِمتْ مساقاتٌ حديثةٌ جعلت الجميع يهتم بها؛ ألا وهي المقاطع الصغيرة، أو التي تسمى بـ (الريلز)؛ حيث قد تستغرق دقيقة، أو أقل، وتحمل فكرة بعينها بصورة مركزة، وهنا ندرك أن من يبتكر في تحديث التقنيات الرَّقَميَّة يراعي الطبيعة الإنسانية التي قد أضْحَتْ لا تتحمل الانتظار، أو الوقوف أمام فكرة بشكل مفصل، وعميق، وبالطبع يستثنى من ذلك عينة ليست ضخمةً من أصحاب التخصصات النوعية الذين يبْحرون في خبايا مجالاتهم؛ بغية تعظيم الخبرات، واستلهام الأفكار التي تسهم في تحسين، وتطوير الأداء، أو تعزيز الرَّصيد المعْرفيّ.

أعتقد أن محاولة الاستشفاء من العدْوى الرَّقَميَّة قد باتت بعيدة المنال؛ لكن هنا نقف نفكر، ونتمعَّن، ونتساءل، هل يمكن أن نحول العدْوى الرَّقَميَّة من مفهومها الذي يتبادر إلينا، وهو الإطار السلبي إلى ساحة مليئة بالإيجابية، ومُفْعَمة بالشعور الطيَّب، والتفاؤل، والأمل، والطموح اللامتناهي؟، وأرى أن هذا يتوقف على أمر غاية في الأهمية؛ ألا وهو تعضيد الوعي الرَّقَميَّ لدى المواطن الرَّقَميَّ، أو المستخدم المبتدئ، أو بالأحْرى لدى كل من يتعامل مع التقنيات الرَّقَميَّة؛ وذلك من خلال أدواتها، وتطبيقاتها.

إن مكْمن الخطورة من العدْوى الرَّقَميَّة نرصده في بعض المشاعر، والانفعالات الجيَّاشة التي تفتقد إلى المعرفة الصحيحة لطرح القضايا، أو الأحداث؛ فنجد أن رأيًا قد تكوَّن على غير أساس من الصحة، كما أن نشر الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد أضحى أمرًا بسيطًا؛ حيث تُطْلَقُ الكتائب الالكترونية ما تُمْليه عليها الأجِنَداتُ المُمَوَّلةُ؛ ومن ثم كان لزامًا أن نعمل بصورة مقصودة على تنمية أنماط الوعي المختلفة، وفي مقدمة ذلك الوعي الرَّقَميَّ، وعبر تعزيز ماهيته نؤكد على غرْس نبيل القيم، وما نُسمّيه معايير المواطنة الرَّقَميَّة.

يصْعُبُ أن نُحْصِي آثارًا سلبيّة قد تتمخض عن العدْوى الرَّقَميَّة، كما يصْعُبُ أن نحْصُرَ الإيجابيات التي قد تتأَتى جرَّاء التوظيف، والاستخدام الرَّشيد؛ فكما أن هناك القلق نجد أن الأمْزجة قد صارت إلى التحسن عند تفاعلها مع المحتوى الرَّقَميَّ، ونرصد خلافاتٍ حول المحتوى الهادف، وغير الهادف؛ ومن ثم نَتَخوّفُ من تنامي بعض السلوكيات غير الحميدة، ونأمل في تعزيز سلوك مرغوب فيه، ويتناغم مع ماهيّة بناء الإنسان الذي نتطلع إليه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

المصدر: اليوم السابع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى