
التفكير قبل القول.. والتدبير قبل الفعل
التفكير قبل القول.. والتدبير قبل الفعل
محمود عبدالراضي
في زمن السرعة والاندفاع، باتت الكلمات تخرج قبل أن تُفكر، والأفعال تُنفذ قبل أن تُراجع، كأننا نُسابق أنفسنا على من يخطئ أولًا، لا من يصيب، وفي قلب هذه الفوضى، تقف حكمة قديمة بثبات نادر: “لا تقل بغير تفكير، ولا تعمل بغير تدبير”.
الكلمة قد تفتح بابًا، وقد تُشعل حربًا، هي مفتاح أو قفل، دواء أو داء، ولأنها كذلك، يجب ألا تُقال كأنها عابرة، فالعاقل لا ينطق إلا إذا حضر عقله، ولا يكتب إلا إذا فكر في صدى الحروف بعد أن تخرج، فكم من كلمة قيلت في ساعة انفعال، فهدمت عمرًا من العلاقات، أو جرّت صاحبها إلى الندم.
أما الفعل، فهو ابن التدبير، ما كل من تحرّك ونجح، وما كل من أسرع وصل، الفعل يحتاج لخريطة، لميزان، لحكمة تُضيء الطريق، لأن الفعل العشوائي يشبه من يطفئ الحريق بالبنزين، يظن أنه يُنقذ بينما هو يدمّر.
النجاح لا يُولد من الكلام المرتجل، ولا من الأفعال المنفعلة، بل من العقل حين يُمسك بزمام اللسان، ومن الحكمة حين تُمسك بمقود القرار.
نسمع كثيرًا عن شخص دمّر علاقته بكلمة، أو خسر سمعته بتصرف، أو أضاع فرصة بتهور، ولو عاد به الزمن، لقال: “ليتني فكرت، ليتني أمهلت نفسي ثانية”، لكن اللحظة لا تُعاد، والقول إذا خرج لا يُسترد، والفعل إذا تم لا يُمحى من التاريخ.
حتى في الدين، كان التريث سمة الأنبياء، والمشاورة خُلق القادة، والسكوت حكمة حين يكون القول عبثًا، فليس الشجاع من يصرخ أولًا، ولا الذكي من يتحرك دون خطة، بل العاقل من يُحسن التوقيت، ويُتقن الميزان.
في المهنة، في البيت، في المجتمع، نحن أحوج ما نكون إلى تفكيرٍ يسبق القول، وتدبيرٍ يسبق الفعل، إلى لحظة صمت قبل الحديث، وإلى ورقة وقلم قبل التنفيذ، فكل كلمة محسوبة، وكل خطوة تحمل تبعات.
اللسان مرآة العقل، واليد أداة القرار، فإن خرس العقل، نطقت الفوضى. وإن غاب التدبير، حضر الفشل.
علموا أبناءكم أن الصمت لا يعني الضعف، وأن التمهّل لا يعني التردد، علموهم أن الشجاعة الحقيقية أن تتأنّى، وأن تحسب خطواتك كمن يسير على جليد رقيق.
قل إن أردت، لكن بعد تفكير، وافعل ما شئت، لكن بتدبير، فالعاقل لا يُقيم مملكته على كلمات طائشة، ولا يُخاطر بمصيره بقرار مرتجل.
المصدر: اليوم السابع