سينما ذوي البشرة السوداء في “المجلس الوطني لأفلام كندا”: قبل وبعد عام 1983.. منظور القيم الفني
كاميلو مارتين فلوريز
على الرغم من أن “المجلس الوطني لأفلام كندا” أنتج أعمالًا عن المجتمعات والشخصيات من ذوي البشرة السوداء منذ عام 1943، لم يتمكن صناع الأفلام من ذوي البشرة السوداء من تصوير الأفراد والمجتمعات ووجهات النظر السوداء في أفلام المجلس الوطني لأفلام كندا إلا خلال ثمانينيات القرن العشرين. وفي إطار الاحتفال بشهر تاريخ ذوي البشرة السوداء لهذا العام، نلقي في هذه الحلقة من سلسلة منظور القيم الفني نظرة سريعة على تاريخ سينما ذوي البشرة السوداء في المجلس الوطني لأفلام كندا.
الأبطال الثانويون في الأعمال الدرامية المبكرة الخاصة بالمجلس الوطني لأفلام كندا
استهلالاً لهذه النظرة العامة، يجب علينا أن نذكر فيلم مورتن باركر الذي أنتج عام 1965 بعنوان “A Trumpet for the Combo” “تمت رقمنته وإتاحته للجمهور خلال هذا الشهر”، والذي تدور أحداثه في مدرسة ثانوية حيث تنظم فرقة جاز تجارب أداء لضم عازف بوق. ويعتقد الطلاب أن راندي هو الخيار الطبيعي لأنه يبدو الأكثر موهبة، لكن مدرس الموسيقى يفضل بروس، وهو طالب أسود. وعلى الرغم من أن الفيلم يدور حول معضلة اختيار بروس في الفرقة أم لا، إلا أنه يظهر بالكاد في الفيلم: فلم يظهر إلا في أول 33 ثانية منه. علاوةً على ذلك، يبدو أن بروس هو الطالب الأسود الوحيد في المدرسة “أو هو على الأقل الطالب الأسود الوحيد الذي يظهر في الفيلم”. وعلى الرغم من أن الفيلم مليء بالأخطاء والسقطات «بما في ذلك استخدامه للغة عفا عليها الزمن وصارت مسيئة حاليًا»، فإنه يعد مثالًا نادرًا للأفلام الروائية التابعة للمجلس والتي تضم شخصيات تطرح قضايا متعلقة بالتمييز العنصري.
مجتمع الفصل العنصري
يعد فيلم “Crossroads” لعام 1957 للمخرج دون هالدين هو أحد الأفلام الروائية الأخرى التي تأتي ضمن قائمة الأفلام السينمائية القديمة التابعة للمجلس. ويرى البعض، مثل كاتب منشور مدونة المجلس الوطني لأفلام كندا في عام 2012، بأن الفيلم كان سابقًا لعصره، إذ يقول: “دعونا ننظر إلى الأمر بهذه الطريقة: فبعد مرور عقد من عرض الفيلم، وهو الوقت الذي تم فيه افتتاح فيلم “Guess Who’s Coming to Dinner”، كان الزواج بين أعراق مختلفة ما يزال أمرًا غير قانوني في 17 ولاية. نعم، غير قانوني”. ولكن مع إلقاء نظرة عليه بمنظور الحاضر، نرى أن قصة الفيلم لا تركز على عملية الفصل العنصري التي تعرض لها روي “الشخصية ذات البشرة السوداء” رغم أن الفيلم يدور عن زواج بين عرقين مختلفين في كندا. وركز الفيلم بدلًا من ذلك على الرفض الاجتماعي الذي واجهته جودي “الشخصية ذات البشرة البيضاء” بسبب مواعدتها لرجل أسود. وعلى الرغم من أن روي هو الشخص الأسود الوحيد الذي ظهر في فيلم مفترق طرق، فإنه ما يزال فيلمًا ذو قيمة لأنه يعرض الرفض الذي تعرضت له جودي من أسرتها وأصدقائها، بل ورئيسها في العمل. فقد قام الفيلم بالكشف عن قضايا التمييز العنصري والإقصاء الاجتماعي.
معلم بارز للمجلس الوطني لأفلام كندا في عام 1983
يعد الفيلم الوثائقي بعنوان “Home Feeling: Struggle for a Community” لعام 1983 لجنيفر هودج دي سيلفا وروجر ماكتير علامة فارقة للمجلس في السينما السوداء، إذ أنه أول أفلام المجلس التي ينتجها صانع أفلام من ذوي البشرة السوداء عن المجتمعات السوداء. وعلى عكس فيلمي “A Trumpet for the Combo” و”Crossroads”، فإن فيلم “Home Feeling” يمثل فيلمًا وثائقيًا طويلًا تدور أحداثه في شمال تورنتو، وتحديدًا في قلب أزقة حيّ جين فينش سيئ السمعة. يركز الفيلم على العديد من أفراد المجتمعات الجامايكية والجرينادية والغيانية ممن يكافحون لكسب لقمة العيش مثلهم مثل كثيرين يقطنون في تورنتو، كما يستكشف الفيلم قضايا الإسكان والبطالة والاستبداد.
ويلقي الفيلم نظرة متعمقة على حي يعمل من أجل تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا، وهو ما يأتي على النقيض من الصورة التي تصدرها عنه وسائل الإعلام. وتتمثل مواطن القوة في هذا الفيلم الوثائقي في استخدام صحيح للغة دقيقة ومناسبة عند الإشارة للأفراد والمجتمعات التي يجري تصويرها، وهو ما يأتي مخالفًا لمعظم الأفلام التي تناولت مجتمعات السود وتم إنتاجها في الحقبة نفسها، والتي كانت تتطلب نشر إخلاء مسؤولية. علاوة على ذلك، تضمنت الموسيقى التصويرية مجموعة متنوعة من الإيقاعات الكاريبية التي تعزز صورة الفيلم التي لا تنسى عن مجتمعات جزر الهند الغربية الذين كانوا يقطنون تورنتو في أوائل ثمانينات القرن العشرين.
رحلات ملحمية
نشير هنا إلى أن شارة نهاية فيلم “Home Feeling” تفيد بأن الفيلم من كتابة وإخراج جينيفر هودج بجانب “جهود إخراج إضافية” من روجر ماكتاير. لذلك، يمكن القول إن هذا لا يعد أول فيلم تابع للمجلس ينتجه صناع أفلام سود عن المجتمعات والأصوات السوداء فحسب، بل هو أيضًا أول فيلم من إنتاج امرأة سوداء في المجلس. وانضمت مخرجات أخريات لاحقًا إلى هودج في تصوير المجتمعات السوداء، بما في ذلك مارتين شارتراند في فيلمها “Black Soul” لعام 2000.
فيلم “Black Soul” هو فيلم رسوم متحركة قصير ورائع استخدم تقنية الرسم على الزجاج. «ينغمس الفيلم في قلب الثقافة السوداء برحلة مبهجة عبر التاريخ وأحداث شكلت تراثهم الثقافي». يحكي الفيلم عن رحلة الشتات الملحمية التي تعرض لها السود في الأميركتين بمصاحبة موسيقى تصويرية رفيعة المستوى تضم مقطوعات موسيقية لكل من أوليفر جونز وراني لي وليونتيلي آر إس كورديرو بجانب العديد من الموسيقيين الكنديين المرموقين من ذوي البشرة السوداء. حصل فيلم «Black Soul» على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي بالإضافة إلى جائزة بريكس إيريس، وهي جائزة سنوية تحتفي المواهب والإنجازات في صناعة السينما في كيبيك.
ما وراء السينما السوداء
أختتم هذه النظرة العامة القصيرة بفيلم أنجزه مؤخرًا بوجدان أنيفراني فيداخ لصالح مختبر ألامبيك الإبداعي، وهو فيلم “By Winds and Tides” لعام 2022. ويعمل هذا الفيلم على “استكشاف الوعي واللاوعي والذات … ويلقي نظرة تجريبية عميقة على ولادة فكرة – وعلى تشكلها وانتشارها”.
لا تقف أنيفراني فيداخ في هذا الفيلم القصير عند القضايا التي تعامل معها صانعو الأفلام السود في الماضي في المجلس الوطني لأفلام كندا «مثل قضايا مجتمعات الفصل العنصري ونضالات مجتمع بعينه، وما إلى ذلك» وإنما تستغل الطابع التجريدي والاستبطاني والتفكيكي للغة الفيلم «بحسب تعبير المخرج في فيديو NFB Pause»، لرسم رحلة جذابة ومجازية تتألف من الصور والكلمات.
لا يثبت فيلم “By Winds and Tides” أن السينما السوداء في المجلس الوطني لأفلام كندا تقطع شوطًا طويلًا فحسب، بل إنها أصبحت واحدة من أهم وأكثر مجالات صناعة الأفلام المثيرة للاهتمام هنا. وحاليًا، يحرص المجلس في برامجه على تحقيق المساواة في مشاركة أصوات الفنانين من المجموعات الممثلة تمثيلًا ناقصًا والفئات التي تعاني من العنصرية.
ويضم مخزون المجلس العشرات من الأفلام التي تولى إنتاجها صناع أفلام من ذوي البشرة السوداء أو أفلام تتناول المجتمعات والشخصيات السوداء وواقعها. ومن المقرر رقمنة هذه الأفلام ونشرها للجمهور. وأهدف هنا إلى تسليط الضوء على هذه الأفلام ومواصلة الترويج لكثير من وجوه السينما السوداء في حلقات جديدة من منظور القيم الفني.
ملاحظة من القيم الفني: اعتمدت هذه الحلقة من منظور القيم الفني على المساعدة السخية التي تلقاها من موظفي خزان المجلس الوطني لأفلام كندا وأرشيفه ومكتبته.
المصدر: سوليوود