سينما السوشيال ميديا بين القضايا والتقنيات
محمد سيد ريان
السوشيال ميديا هي فريضة العصر التي تشغل بال الجميع، ومنهم صناع السينما منذ بداية ظهور الشبكات الاجتماعية ودورها الكبير في الاتصال والتواصل وتبادل الأخبار والمعلومات، ثم انطلاق الموجات الكبرى للمجتمعات الافتراضية على مستوى العالم لتصل أعداد المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي إلى مستويات غير مسبوقة. ووفقًا لأحدث الإحصائيات يصل عدد المستخدمين النشطين على منصة واحدة، وهي فيسبوك، نحو 3 مليارات مستخدم.
السينما كان لها وجهة نظرها في الموضوع، فخرجت عشرات الأفلام من مختلف دول العالم لتناقش ما حدث وتستشرف ما سيحدث، وتبدو السينما العالمية سابقة في تأصيل القضايا الرئيسية للسوشيال ميديا في ذروتها، فمن أفلام ترصد البدايات كما حدث مع فيلم Social Network للمخرج ديفيد فينشر «2010» الذي يرصد نشأة موقع فيسبوك على يد مارك زوكربيرج والدعاوى القانونية عليه. كما ناقشت أفلام أكثر وعيًا بالمخاطر التأثيرات والمخاطر مثل فيلم Unfriended للمخرج ليفان جابريادزي «2015»، الذي يعرض الموضوع في إطار جو من الغموض والرعب باستدراج الضحايا عبر الإنترنت، كما يتناولها فيلم Status Update للمخرج سكوت سبير «2018» داخل جو من الرومانسية تخلقه مواقع التواصل، بالإضافة إلى فيلم Follow Me للمخرج ويل ويرنيك «2020» الذي يأخذنا في رحلة غريبة يقوم بها أحد الأنفلونسرز لتصوير المحتوى الرقمي. كما تجدر الإشارة إلى انتباه بعض الأفلام مبكرًا لبعض الظواهر الإلكترونية على السوشيال ميديا مثل قضية التنمر الإلكتروني في فيلم Disconnect (2013)، وفيلم Nerve لعام 2016 الذي يتعرض لانتشار الألعاب الإلكترونية الجماعية بين المراهقين، وفيلم The Circle لعام 2017 الذي يتناول قضايا الأمن السيبراني ومدى التزام شركات التكنولوجيا بمعايير الخصوصية وتلاعب المنصات الإلكترونية بالمستخدمين، وفيلم Profile لعام 2018 الذي يتناول تجنيد الشابات في التنظيمات الإرهابية. أما موضوع الاختراق لتلك المواقع الإلكترونية، فهي متعددة منذ بدايتها مع فيلم Hackers لعام 1995.
قضايا متشابهة وتجارب مختلفة
السينما العربية أيضًا كان لها رأيها ومواقفها في هذا الانتشار الكبير لاستخدامات السوشيال ميديا في حياتنا اليومية، فمن الإشارة إلى دورها في سياق الأحداث بالسينما المصرية وخاصة عام «2010» مع زيادة انتشار الإنترنت بين الفئات المجتمعية المختلفة، وظهر ذلك بالتنبيه لخطورة العلاقات غير الشرعية والمواقع الإباحية عبر التطبيقات الإلكترونية المستخدمة كما حدث في فيلم «كلمني شكرًا» من خلال الشخصية التي قامت بأدائها الفنانة حورية فرغلي، وكذلك استغلال الإنترنت كوسيلة للهروب من الواقع المعاش كما حدث مع الطبيبة «صبا مبارك» التي تعاني من العنوسة والشاب «أحمد وفيق» الذي تتعرف عليه من خلال الدردشة بفيلم «بنتين من مصر».
وتوالت الأفلام بعدها مع التمدد الكبير لخدمات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ومن أحدث الأفلام المصرية التي ناقشت القضية فيلم «بيت الروبي» 2023 الذي يتعرض لإحدى أبرز ظواهر العصر الرقمي وهي «التريند»، وفيه نجد أن أغلب المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي يستهلكون كل وقتهم في تلك الموضوعات المحددة مسبقًا من خلال شخصيات مؤثرة أو أحداث طارئة أو قضايا تناسب اهتماماتهم، ويتم تناول القضية بصورة فنية من خلال عائلة مصرية عادية، ويُحسب للفيلم إشارته إلى إيجابيات القضية وسلبياتها.
وتعد السينما السعودية مميزة في تناول قضايا السوشيال ميديا من خلال التجارب الشبابية، وخاصة تجربة الأخوين قدس بفيلمهم الرائع الأول «شمس المعارف» 2020 الذي يرصد أحلام الشباب في الوصول للشهرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك فيلمهم الثاني الأحدث «أحلام العصر» 2023 الذي يتناول قضية أخرى ذات صلة وهي اتخاذ السوشيال ميديا كوسيلة للحصول على المجد المفقود والتغلب على الواقع.
كما توجد تجارب أخرى ملهمة بعالمنا العربي، ومنها الفيلم اللبناني «كذبة كبيرة» 2023 الذي يبدو أكثر قربًا من فكرة توضيح الإيجابيات والسلبيات عبر قصة الفتاتين اللتين يختلف استخدامهما لمواقع السوشيال ميديا حسب رؤيتهما، فتستخدمها الأولى لكشف الحقيقة العامة، بينما تستخدمها الأخرى لإخفاء الحقيقة الشخصية.
ومن التجارب الأخرى المميزة الفيلم الإماراتي «سوشال مان» 2021، والفيلم الكويتي «عماكور» 2023 بطرح قضايا المشاهير والصراعات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وربما تعد الأعوام الثلاثة الماضية الأكثر إنتاجًا لأفلام من نوعية السوشيال ميديا، ورصد التأثيرات الاجتماعية المختلفة ومنها التعليمية كما حدث بفيلم «بنات ثانوي» 2020، ويتناول مخاطر تلك المواقع على الطالبات في مرحلة المراهقة، وكذلك فيلم «شاومينج» 2021 مع ظاهرة تسريب الامتحانات من خلال الصفحات والمجموعات الإلكترونية، وفيلم «جروب الماميز» 2023 الذي يتناول مجموعات أولياء الأمور الذين يتابعون أبناءهم الطلبة في يومهم الدراسي.
بالتأكيد لا يمثل ذلك حصرًا بكل الأفلام التي تناولت قضايا السوشيال ميديا، ولكن مجرد أمثلة بارزة عليها، ولا يفوتنا الإشارة إلى تجربتين من أفلام الفاتنازيا التي تناولت القضية وهما: فيلم «حاسب تحلم» 2023 للمخرج محمد ربيع، والذي يناقش قضية الخصوصية الشخصية في إطار من الكوميديا المكثفة؛ وفيلم «أوف لاين» 2022 للمخرج محمد كرم، والذي يناقش ظاهرة الثراء السريع عبر فيديوهات تيك – توك.«
وفي النهاية تجدر الإشارة إلى ملاحظة بارزة تبدو ظاهرة من خلال العرض السابق للأفلام، وهي تركيز السينما العربية على التأثيرات المجتمعية للسوشيال ميديا باعتبارها الأكثر حساسية وملامسة للواقع العربي، بينما تفتح السينما العالمية القضية من أبوابها المتعددة وأدوارها السياسية والاقتصادية والثقافية والمؤسسية والتنموية والفكرية، بالإضافة إلى التأثيرات النفسية والأمنية ومنها قضية العصر الحالي وهي الأمن السيبراني وموضوعات الاختراق وكيفية الحماية والأمان الرقمي للمستخدمين؛ بالإضافة إلى ظواهر ملحة مثل الشائعات الإلكترونية وتزييف المعلومات علي مواقع التواصل الاجتماعي. كما تلقي الضوء على الوظائف البارزة في العالم الرقمي بصورة أكثر عمقًا، ويظل الرهان مستقبليًا على طرح أفكار وتقنيات جديدة لسينما السوشيال ميديا وتكون متوازنة في توضيح الأبعاد المختلفة في إطار فني مناسب لجمهور متعطش دومًا للجديد.