حلم «الثراء السريع» في الأفلام السعودية
إيمان الخطاف
معظمنا يحلم بالثراء، وهو حلم لطالما داعبته الأفلام التي تسرد قصة انتقال البطل من حياة المعدمين والمهمشين إلى قائمة الأثرياء أصحاب الأرصدة المليونيّة، والسيارات الفارهة، والطائرات الخاصة، والقصور الفسيحة، والانغماس بالترف والملذات.. وهي حالة انتقلت إلى الأفلام السعودية التي صارت تتنافس بدورها على تقديم هذه القصص الطموحة، ببذخ شديد.
ويمكن هنا أخذ مقارنة بين فيلمين حديثين، هما: «الهامور ح.ع» للمخرج عبدالإله القرشي، و«مندوب الليل» للمخرج علي الكلثمي، وكلاهما يدور حول قصة البطل المكسور الذي تصفعه الدنيا بخيباتها المتتالية، وتعصره الظروف القاسية، حيث يعمل «حامد – فهد» في وظائف متدنية، ثم يتعرفان على العوالم الخفيّة للطبقة الغنية، والليالي الحمراء المليئة بكل الممنوعات، ومن هنا يختاران سلك الطريق الشائك بحثًا عن الثراء.
وفي حين يفشل فهد القضعاني «بطل مندوب الليل» منذ بداية الطريق ويستسلم مبكرًا، نجد حامد عوض «بطل الهامور ح.ع» يشق طريقه بسلاسة وتتضخم أرصدته بسرعة هائلة ليجمع الملايين خلال مدة قصيرة، في إيقاع يحاكي مشاهد من فيلم «The Wolf of Wall Street» لمارتن سكورسيزى، وكلا الفيلمين رفع شعار التنازل عن المبادئ لتكوين الثروة، سواء محتال بطاقات الشحن أو سمسار البورصة.
كما يُظهر الفيلمان السعوديان أن الثراء السريع هو عملية تتطلب الكثير من المخاطرة والمغامرة وعدم الاكتراث بعواقب الأمور، وفي كلتا الشخصيتين «حامد – فهد» نرى أن اتجاههما لهذا الطريق جاء بعد رمي القيم الأخلاقية والإنسانية في أقرب حاوية نفايات، وكأن النقلة التي يطمحان إليها تتطلب التنازل عن المبادئ وسلك الدروب المشبوهة.
وفي الفيلمين، كانت القيم الإنسانية واضحة بين الفقراء، ومُغيبة عند الأثرياء، فعند العوز شاهدنا الترابط الأسري ولطف التعامل وتوقير الكبير. ثم في الجانب الآخر، وعند تصوير الأثرياء وحياتهم، نرى الانفلات الأخلاقي، حيث تتفشى الخيانة، ويسهل ارتياد الأماكن المشبوهة، وامتهان تجارة الممنوعات والاحتيال على الناس.
كما يعزز الفيلمان من النظرة النمطية السائدة بأن الأثرياء يرمون أموالهم بسهولة وعدم اهتمام، وهو أمر يعارض ما ذكره فيليب جي مولر في كتابه «Geldrichtig»، بأنه يتعيّن على أي شخص إذا أراد أن يصبح غنيًّا أن يُفكر مثل الأغنياء؛ لأن واقع الأغنياء يختلف عما ترويه القصص والأفلام عن الثراء السريع. إذ إن أساس عقلية المليونير الحقيقي هو ثقافة الاستهلاك الواعية؛ أي إنه لا يشتري إلا ما يريد حقًّا شراءه، ويشتريه بأرخص سعر ممكن.
وبعيدًا عن التنظير، فإن مثل هذه الأفلام تدغدغ أحلام البسطاء وتلامس وجدان الشباب، مما يسهم في رواجها وسرعة تأثيرها، وهي نقطة لا تفوت عن ذهنية صُناع الأفلام الذين يبحثون دائمًا عن المناطق الشيقة والجاذبة للجمهور، ولا يوجد ما هو أكثر تشويقًا من اكتشاف عوالم الأثرياء والتلذذ بالنعيم معهم، ولو من خلف الشاشة، وكذلك التشفي حال سقوطهم، وهو أمر يجد فيه البعض لذة غير مفهومة.
وفي كلتا الشخصيتين «فهد – حامد»، كان الوصول إلى طريق مسدود في نهاية الأمر، وإن كانت النهاية مروّعة أكثر في «الهامور ح.ع»، وذلك على طريقة «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع»، مما يؤكد أن الطرق المشبوهة التي سلكها الاثنان لم تجد نفعًا، سواء فشلت مبكرًا مع الأول أو حققت نجاحًا مع الثاني، إلا أن كليهما فقد كل شيء في لحظة، لأن بدايتهما كانت هشة، وبلا نقطة ارتكاز.