
ماذا تعرف عن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية نيويورك 1958
د. مساعد سعود الرشيدي
إذا كانت أهمية التحكيم الدولي كوسيلة استثنائية لتسوية المنازعات التجارية الدولية تتزايد يومًا بعد يوم ، فإن تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي والاعتراف به يواجه الكثير من العقبات ؛ خاصة عندما يمتنع المحكوم ضده عن تنفيذه أو يرفض الاعتراف به ، الأمر الذي دعا لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي إلى وضع قواعد موحدة ضمن اتفاقية دولية تعمل على توفير معايير تشريعية مشتركة بشأن الاعتراف باتفاقات التحكيم وكذلك اعتراف المحاكم بقرارات التحكيم الأجنبية وتهدف بصفة رئيسة إلى عدم التمييز بين قرارات التحكيم الأجنبية وبين قرارات التحكيم المحلّية؛ ومن ثم فإن الاتفاقية تلزم الدول الأطراف بضمان الاعتراف بتلك القرارات واعتبارها -عموما- قابلة للإنفاذ في ولاياتها القضائية على غرار قرارات التحكيم المحلّية. كما أن من ضمن الأهداف التبعية التي ترمي إليها هذه الاتفاقية أنها تطلب من محاكم الدول الأطراف أن تجعل اتفاقات التحكيم ذات مفعول تام، وذلك باقتضائها من المحاكم حرمان الطرفين من سبل اللجوء إلى المحكمة إخلالا باتفاقهما على إحالة مسألة خلافية إلى هيئة تحكيم.(1)
وبالفعل خرجت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها إلي النور في مدينة نيويورك بتاريخ 7 /6 / 1958 ووقع وانضم إليها عدد (172) دولة، وقد انضمت وصادقت عليها المملكة العربية السعودية بتاريخ 19/4/1994، تحفظت علي الفقرة الثالثة من المادة الأولي من هذه الاتفاقية، وأصبحت بالمصادقة عليها جزءًا من نظام التحكيم السعودي.
ولا شك أن تشجيع الاستثمارات الأجنبية في دولة ما يتطلب أن تنضم هذه الدولة إلى هذه الاتفاقية لتضمن الدولة المستثمرة أن ما يصدر من أحكام تحكيم أجنبية في شأن نزاع يتعلق بالاستثمار ؛ سيكون قابلًا للتنفيذ في الدولة المضيفة لرأس المال الأجنبي (2)، ولما كان تشجيع الاستثمارات الأجنبية يعتبر جزءًا أساسيًا من أهداف رؤية المملكة العربية السعودية 2030 .
فإنه للتعرف على نبذة من هذه الاتفاقية؛ يستلزم التساؤل عن: ما هو نطاق تطبيق الاتفاقية ؟ ما هي التزامات المترتبة علي الاتفاقية بشأن اعتراف الدول بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها ؟ وما شروط الحصول على الاعتراف والتنفيذ ؟ وما هي الحالات التي يجوز فيها رفض الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها ؟
أولًا: مجال تطبيق الاتفاقية
تضمنت المادة الأولى من هذه الاتفاقية تحديد نطاق تطبيقها وحددت المقصود بقرارات أو أحكام التحكيم بأنها ليست فقط القرارات أو الأحكام الصادرة من محكمين معينين في حالات محددة، بل أيضًا القرارات أو الأحكام الصادرة من هيئات تحكيم دائمة يحتكم إليها الأطراف.
بمعني أن الاتفاقية تسري سواء صدر الحكم في نزاع بين أفراد أو أشخاص اعتبارية خاصة أو عامة . كما تسري أحكام الاتفاقية سواء نشأ النزاع عن علاقات تعاقدية أو غير تعاقدية(3). كما يستوي أن يكون تحكيمًا عاديًا أو تحكيمًا بالصلح(4) ، أو أن يكون طرفا التحكيم من رعايا دولتين مختلفتين أو دولة واحدة ، كما يستوي أن يكون الطرفان من جنسية إحدى الدولتين الصادر فيهما الحكم والمطلوب تنفيذه فيها ، أو من جنسية دولة مختلفة(5) .
ولم تشترط تلك الاتفاقية أن يكون النزاع تجارياً طبقًا للقانون الوطني للدولة المنضمة إليها ومع ذلك تضمنت الاتفاقية تحفظًا ، يجيز للدول المتعاقدة أن تشترط لسريان أحكام الاتفاقية أن يكون النزاع الصادر بشأنه حكم التحكيم يكون متعلقًا بعمل تجاري وفقًا لتشريعها الوطني.
ثانيًا: التزامات الاتفاقية بشأن اعتراف الدول بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها
أوردت الاتفاقية عدة التزامات سواء على الدول المتعاقدة أو محاكمها بشأن الاعتراف بقرارت التحكيم الأجنبية وتنفيذها وهي:
- ألزمت الاتفاقية الدول المتعاقدة بالاعتراف بأي اتفاق مكتوب يتعهد فيه طرفان بأن يحيلوا إلى التحكيم جميع الخلافات أو أية خلافات تنشأ أو قد تنشأ بينهما بالنسبة لعلاقة قانونية محددة ، تعاقدية أو غير تعاقدية ، تتصل بموضوع يمكن تسويته عن طريق التحكيم (7)، ويقصد بمصطلح ” اتفاق مكتوب ” في هذا الصدد أي شرط تحكيم يرد في عقد أو أي اتفاق تحكيم موقع عليه من الطرفين أو وارد في رسائل أو برقيات متبادلة (8).
- كما ألزمت الدول المتعاقدة أيضًا أن تعترف بقرارات التحكيم كقرارات ملزمة وأن تقوم بتنفيذها طبقًا للقواعد الإجرائية المعمول به في الإقليم الذي يحتج فيه بالقرار وذلك طبقاً للشروط التي سيرد ذكرها فيما بعد ، وذلك دون فرض شروط أكثر تشددًا ، أو رسوم تزيد عن تلك المتعلقة بقرارات التحكيم المحلية (9).
- كما ألزمت محكمة الدولة المتعاقدة عندما يعرض عليها نزاع في مسألة أبرم الطرفان بشأنها اتفاقًا بالمعنى المستخدم في المادة الثالثة أن تحيل الطرفين إلى التحكيم بناء على طلب أيهما ، ما لم يتبين لها أن هذا الاتفاق لاغ وباطل أو غير منفذ أو غير قابل للتنفيذ(10).
ثالثًا: وشروط الحصول على الاعتراف والتنفيذ
يشترط للحصول على الاعتراف ولتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية الشروط التالية:
- أن يقوم الطرف الذي يطلب الاعتراف والتنفيذ لقرارات التحكيم الأجنبية بتقديم القرار الأصلي مصدقًا عليه حسب الأصول المتبعة أو نسخة منه معتمدة حسب الأصول وقت تقديم الطلب.
- أن يقدم الطرف الذي يطلب الاعتراف والتنفيذ لقرارات التحكيم الأجنبية وقت تقديم الطلب الاتفاق الأصلي ( الاتفاق المكتوب ) على النحو المبين سلفًا ، أو صورة معتمدة منه.
- حال كان الحكم المراد الاعتراف به وتنفيذه أو الاتفاق المكتوب، بلغة تخالف اللغة الرسمية للبلد الذي يحتج فيه بالقرار، وجب على الطرف الذي يطلب الاعتراف والتنفيذ لقرارات التحكيم الأجنبية وقت تقديم الطلب ؛ أن يقدم ترجمة معتمدة لهاتين الوثيقتين ، ويجب أن تكون الترجمة معتمدة من موظف رسمي أو مترجم محلف أو ممثل دبلوماسي أو قنصلي.
رابعًا: الحالات التي يجوز فيها رفض الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها
إذا كان المبدأ العام للاتفاقية أنه لا يجوز رفض الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها، إلا أن المادة الخامسة من ذات الاتفاقية أجازت للطرف المحتج ضده بهذا القرار، أن يقدِّم للسلطة المختصة التي يطلب إليه الاعتراف والتنفيذ ما يثبت التالي :
- أن طرفي الاتفاق المكتوب كان بمقتضى القانون المنطبق عليهما ، في حالة من حالات انعدام الأهلية ، أو كان الاتفاق المكتوب غير صحيح بمقتضى القانون الذي خضع له الطرفان .
- أن الطرف الذي يحتج ضده بالقرار لم يخطر على الوجه الصحيح بتعيين المحكم أو بإجراءات التحكيم أو كان لأى سبب آخر غير قادر على تقديم دفاعه .
- أن القرار أو الحكم فصل في نزاع غير وارد في مشارطة التحكيم أو في عقد التحكيم أو تجاوز حدودهما فيما قضى به . ومع ذلك يجوز الاعتراف وتنفيذ جزء من الحكم الخاضع أصلاً للتسوية بطريق التحكيم ، إذا أمكن فصله عن باقي أجزاء الحكم غير المتفق على حلها بهذا الطريق .
- أن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالف لما اتفق عليه الأطراف أو قانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق .
- أن الحكم لم يصبح ملزمًا للخصوم أو ألغته أو أوقفته السلطة المختصة في البلد الذي صدر فيها أو صدر الحكم بموجب قانونها (14).
كما أجازت المادة الخامسة أيضًا رفض الاعتراف بقرار التحكيم الأجنبي وتنفيذه إذا تبين للسلطة المختصة في البلد الذي يطلب فيه الاعتراف بالقرار وتنفيذه :
- أنه لا يمكن تسوية موضوع النزاع بالتحكيم طبقًا لقانون ذلك البلد .
- أن الاعتراف بالقرار أو تنفيذه يتعارض مع السياسة العامة للبلد.



