كُتاب الترند العربي

محمد بن سلمان وشراكات المستقبل

طلال الحربي

في خطوة تاريخية تجسد عمق التحول الاستراتيجي الذي تقوده المملكة بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، جاءت الزيارة لتؤسس مرحلة جديدة من الشراكة الشاملة بين البلدين، حيث لم تعد العلاقات تقتصر على الجانب الأمني التقليدي، بل امتدت لتشكل شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد تقوم على المصالح المتبادلة والاحترام.

وتقود هذه الزيارة تحولاً جيوسياسياً واقتصادياً تاريخياً، ينقل المملكة من دور تقليدي إلى شريك استراتيجي فاعل في صناعة الاستقرار الإقليمي وقيادة التحولات الاقتصادية المستقبلية، فبحسب ما أكده سمو ولي العهد، فإن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة سترتفع إلى تريليون دولار، بدءاً من حزمة أولى بقيمة 300 مليار دولار تم التوقيع عليها خلال المنتدى، وصولاً إلى الهدف النهائي البالغ تريليون دولار.

وهذا التطور لم يأتِ من فراغ، بل جاء تتويجاً لمسار بدأ قبل 92 عاماً، تحديداً منذ عام 1352هـ / 1933م، عندما تم توقيع اتفاقية امتياز التنقيب عن النفط في السعودية مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا الأمريكية. وقد استطاعت المملكة عبر هذه الرحلة الطويلة أن تكون شريكا، حيث أشار سمو ولي العهد إلى أن التبادل التجاري بين البلدين بلغ 500 مليار دولار بين عامي 2013 و2024.

تقوم هذه الزيارة على خلفية إنجازات رؤية 2030، التي جعلت المملكة بيئة جاذبة للاستثمار العالمي ونموذجاً للتطوير والتنويع الاقتصادي. وقد استطاعت الرؤية أن تحقق معظم مستهدفاتها وتحدث تحولاً غير مسبوق في تنويع الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص ليكون محركاً رئيساً للنمو بأكبر اقتصاد في المنطقة.

وتظهر الأرقام نجاح هذا التحول، حيث ارتفعت الصادرات غير النفطية إلى 82 مليار دولار في عام 2024، كما تم توظيف أكثر من 2.4 مليون مواطن منذ إطلاق الرؤية. وهذا النجاح الاقتصاديّ لم يمرّ دون أن يلحظه الشركاء الدوليون، حيث أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى أن “هناك تحولاً كبيراً ورائعاً في المنطقة بقيادة الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان”، معتبراً أن المملكة “من أكثر الأمم ازدهاراً في العالم”.

تتجه الشراكة بين البلدين نحو آفاق المستقبل من خلال الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، حيث تخطط المملكة لاستثمارات ضخمة في البنية التحتية للبيانات والذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، ما يعكس تحولاً نحو اقتصاد المعرفة، وقد التزمت شركات كبرى مثل “جوجل”، و”أوراكل”، و”سيلزفورس”، و”أيه إم دي”، و”أوبر” بمشاريع مشتركة بقيمة 80 مليار دولار لتعزيز الابتكار في التقنيات الناشئة.

وأظهر الاستقبال الاستثنائي في البيت الأبيض وحجم المشاركة في منتدى الاستثمار تقدير واشنطن للمكانة الجديدة للمملكة، ليس فقط كقوة اقتصادية بل كلاعب سياسي رئيس لا يمكن تجاوزه في ترتيبات الشرق الأوسط والعالم. وقد عبر وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت عن هذا التقدير بقوله: “تطوير العلاقة مع السعودية على رأس أولويات الإدارة الأميركية”.

لقد جسدت هذه الزيارة تتويجاً لمسيرة تحول استراتيجي تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان، نقلت خلالها المملكة علاقتها بواشنطن من إطار تقليدي إلى شراكة إستراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد، وقد أكد سمو ولي العهد أن الاتفاقيات ليست وهمية ولا تهدف إلى مجاملة الرئيس أو أميركا، بل هي صفقات حقيقية تخدم مصالح البلدين وتدعم فرص العمل في المملكة وتسهم في توطين الصناعة وتنمية المحتوى المحلي، ونمو الناتج المحلي الإجمالي.

المصدر: الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى