منوعات

قصة إلهام من الباحة.. سبعينية تُتم حفظ القرآن بعد عقدين وتُعيد تعريف معنى الثبات

الترند العربي – متابعات

في مشهد روحاني لا يتكرر كثيرًا، سجّلت منطقة الباحة واحدة من أكثر القصص تأثيرًا وإلهامًا في مجال تحفيظ القرآن الكريم، بعد إعلان جمعية ترتيل إتمام السيدة حمده بنت أحمد ساعد الغامدي، ذات السبعين عامًا، حفظ كتاب الله كاملًا، عقب رحلة استمرت عشرين عامًا امتلأت بالمثابرة والاجتهاد والارتباط الصادق بآيات القرآن. قصة حمده ليست مجرد خبر عابر، بل نموذج إنساني عميق يكشف أثر الإرادة حين تقترن بالإيمان، ويُلهم فئات واسعة من المجتمع بأن التعلم لا يرتبط بعمر، وأن حفظ القرآن ليس حكرًا على الصغر، بل متاح لكل قلب يخلص النية ويصبر على الطريق.

هذا الإنجاز الذي احتفت به الجمعية عبر دار الفتاة بالظفير – في حلقة زينب بنت جحش – لم يأتِ صدفة، بل كان نتيجة رحلة طويلة من العمل المتواصل رغم التحديات، وتضافرت فيها جهود المعلّمات، والبيئة التعليمية الهادئة، والدعم المعنوي من الأسرة، والحرص الشخصي الذي جعل السيدة السبعينية نموذجًا مشرفًا لحفظة القرآن في المنطقة.

قصة إلهام من الباحة.. سبعينية تُتم حفظ القرآن بعد عقدين وتُعيد تعريف معنى الثبات
قصة إلهام من الباحة.. سبعينية تُتم حفظ القرآن بعد عقدين وتُعيد تعريف معنى الثبات

رحلة تتجاوز الزمن.. عشرون عامًا من الثبات

بدأت رحلة حمده الغامدي في سن متقدمة مقارنة بالأعمار التي تبدأ عادةً حفظ القرآن، إلا أن ذلك لم يقف حاجزًا أمامها، بل جعل تجربتها أكثر تميزًا. فقد التحقت بحلقة التحفيظ وهي في الخمسينات من عمرها، واستمرت على وتيرة ثابتة لا تنقطع إلا لظروف صحية مهما كانت بسيطة، في مشهد يعكس إدراكها لقيمة هذا العمل وأثره في حياتها الروحانية والاجتماعية.

وتذكر معلّماتها أن حضورها كان دائمًا مصحوبًا بابتسامة هادئة، وأنها كانت أكثر من تشجع الحاضرات، رغم أنها أكبرهن عمرًا، وكانت تردد دومًا عبارة: “القرآن لا يعرف الكِبر.. وكل يوم يعلمني الله شيئًا جديدًا”. هذا الإصرار منح رحلتها طابعًا مختلفًا عن غيرها، فبينما ينقطع كثيرون بعد أشهر أو سنوات، ظلت هي متمسكة بهدفها حتى وصلت إليه بتؤدة ويقين.

دور المعلّمات: دعم إنساني ومعرفي في مسيرة الحفظ

تعلّمت الحافظة على أيدي عدد من المعلمات المتقنات، منهن خلود المالكي، سعدية الغامدي، جميلة الزهراني، وغيرهن من مربيات الدار اللواتي يكدّسن خبرة تمتد لسنوات طويلة في تعليم القرآن الكريم. وقد لعبن دورًا محوريًا في دعم الحافظة، سواء من خلال متابعة المراجعة، أو تشجيعها على تجاوز العقبات المرتبطة بتقدّم العمر، أو تعزيز ثقتها بنفسها في لحظات الفتور.

وتصف إحدى المعلمات رحلة حمده بأنها “رحلة لا تتكرر”، موضحة أنها كانت تبدأ يومها بكلمات من الذكر، وتعد الدقائق لموعد الحلقة، وتستغل كل فرصة لتثبيت ما حفظته. وقد لاحظت المعلّمات أن مستوى ضبطها للآيات كان يتحسن عامًا بعد آخر بفضل التزامها بالمراجعة اليومية، حتى وصلت إلى مرحلة إتقان كامل للمصحف.

الارتباط بالقرآن: أثر يتجاوز الحفظ

لا يتوقف أثر حفظ القرآن عند قدرة اللسان على ترديد الآيات، بل يمتد ليشكل منظومة جديدة من السلوك والطمأنينة والتوازن الروحي. وقد أشارت الحافظة في أحد اللقاءات الداخلية إلى أن ارتباطها بالقرآن منحها راحة في قلبها، وأنها عاشت خلال العقدين الماضيين لحظات من الرضا والسكينة لم تعرفها من قبل.

وكان أفراد أسرتها يرون التحول الإيجابي في حياتها، إذ أصبحت أكثر هدوءًا، وأقرب إلى عمل الخير، وأكثر انسجامًا في تعاملها مع محيطها، وكثيرًا ما كانت تحث أبناءها وأحفادها على استثمار العمر فيما ينفع، قائلة: “من أحب القرآن أحبّه الله”.

قصة إلهام من الباحة.. سبعينية تُتم حفظ القرآن بعد عقدين وتُعيد تعريف معنى الثبات
قصة إلهام من الباحة.. سبعينية تُتم حفظ القرآن بعد عقدين وتُعيد تعريف معنى الثبات

احتفاء بسيط.. ومعانٍ كبيرة

شهدت دار الفتاة بالظفير لحظات مميزة حين انتشر خبر إتمام الحفظ. وعلى الرغم من أن الاحتفال كان بسيطًا، إلا أنه حمل رمزية كبيرة. فقد حضر عدد من قريبات الحافظة، وطالبات الدار، وبعض المعلمات، في أجواء امتلأت بالفرح والتكبير والدعاء.

وقف الجميع حول السبعينية التي جلست في صدر المجلس بابتسامة امتنان، تبكي في لحظات وتضحك في أخرى، وهي تستعيد ذكريات عشرين عامًا من السعي والصبر. وقدّم الحضور لها التهنئة والدعاء بأن يجعل الله القرآن شفيعًا لها في الدنيا والآخرة.

تهنئة رسمية من جمعية ترتيل

قدم رئيس مجلس إدارة جمعية ترتيل، علي آل سرور، التهنئة للحافظة، وأشاد في حديثه بأهمية هذا النموذج الذي يعكس عمق علاقة المجتمع بالقرآن الكريم، ودور الجمعية في ترسيخ هذه القيم. وأكد أن القيادة الرشيدة – أيدها الله – تولي الجمعيات القرآنية دعمًا مستمرًا، وأن سمو أمير منطقة الباحة، الرئيس الفخري للجمعية، يقدّم دعمًا مباشرًا لمسارات التعليم القرآني وتمكين الفئات المختلفة من حفظ كتاب الله.

واعتبر آل سرور أن نجاح امرأة في السبعين على إتمام حفظ القرآن يمثّل امتدادًا للروح الإيمانية في المجتمع السعودي، ويعكس قدرة المؤسسات التعليمية على توفير بيئة مناسبة لجميع الأعمار، بما يفتح الباب أمام مزيد من النماذج الملهمة.

تكريم منتظر ورسالة مجتمعية واسعة

أعلنت جمعية ترتيل عزمها تكريم الحافظة في حفل رسمي قادم، يليق برحلتها الطويلة، ويبرز قيم المثابرة التي تحملها تجربتها. ومن المنتظر أن يكون هذا الحفل مناسبة تربوية أيضًا، لدفع أعداد أكبر من النساء والفتيات إلى الانضمام للحلقات القرآنية، عبر رؤية نموذج حي يؤكد أن العمر ليس عائقًا أمام طلب العلم.

ولم يكن ختام بيان الجمعية مجرد تهنئة، بل حمل رسالة مؤثرة قالت فيها: “القرآن حياة، ومن أراد نوره أدركه في أي عمر.” وهي عبارة تعكس فلسفة المؤسسة في دعم الارتباط بالقرآن لكل أفراد المجتمع، وتُحوّل الإنجاز إلى قيمة مستدامة.

التحليل الاجتماعي: لماذا تُعد هذه القصة ملهمة؟

تتجاوز قصة حمده الغامدي كونها خبرًا قرآنيًا، لتصل إلى أبعاد اجتماعية تعكس قيمة الصبر، والقدرة على التعلم المتأخر، والدور المهم للمرأة السعودية في المشاركة في المجتمعات المعرفية والروحية. فالمجتمع السعودي يتغير بصورة كبيرة في الاتجاهات التعليمية، ومع ذلك فإن حضور النماذج الروحانية يظل مهمًا لتشكيل توازن بين المعرفة الدنيوية والمعرفة الإيمانية.

كما تمثل التجربة نموذجًا مهمًا لتوسيع مفهوم التعليم المستمر، حيث يتعلم المجتمع أن التحصيل لا يجب أن يتوقف بعد سن معينة، وأن القدرة على التعلم في عمر متقدم ممكنة، بل وذات أثر مضاعف لما فيها من إصرار وإرادة.

أهمية الجمعيات القرآنية في دعم كبار السن

أظهرت التجربة الدور الكبير الذي تلعبه الجمعيات القرآنية في احتواء الفئات العمرية المختلفة. فالتعليم القرآني لكبار السن يتطلب برامج مرنة، ومعلمات متخصصات، وبيئة هادئة، وهو ما وفرته جمعية ترتيل عبر دار الفتاة بالظفير.

وتشير الدراسات إلى أن كبار السن الذين يلتحقون ببرامج الحفظ غالبًا ما يحصلون على فوائد نفسية وصحية، إذ يعزّز حفظ القرآن قدراتهم الذهنية، ويساعدهم على تحسين الذاكرة، ويقلل مستويات التوتر، ويزيد من المشاركة الاجتماعية الإيجابية.

رحلة الحافظة مع المراجعة والضبط

لم تكن عملية حفظ القرآن مجرد تكرار للآيات، بل اعتمدت السبعينية على منهجية دقيقة تشمل:

  • تقسيم الحفظ إلى أجزاء صغيرة
  • تحديد ورد يومي ثابت
  • مراجعة مكثفة لكل جزء قبل الانتقال للجزء التالي
  • الاستماع المتواصل لتسجيلات المعلمات
  • الاستفادة من جلسات التثبيت الجماعي

هذه المنهجية التي اتبعتها ساعدتها على المحافظة على مستوى ثابت من الحفظ، وقلّلت احتمالات النسيان، ورفعت من جودة تمكّنها من الآيات.

علاقتها بالدار والمجتمع المحيط

عُرفت الحافظة بين طالبات الدار بأنها صاحبة طاقة إيجابية، وكانت من أوائل الحاضرات دائمًا. كما حرصت على تشجيع الفتيات الصغيرات على الالتزام بالحفظ، وتقدم لهن نصائح مستمرة بالاستمرار وعدم التوقف حتى في الأوقات الصعبة. وقد شكّلت معلمات الدار مصدر دعم نفسي ومعرفي لها، مما جعلها تواصل طريقها بثقة.

رسالة لأبناء الجيل الجديد

تبرز قصة حمده رسالة واضحة للجميع، خاصة الأجيال الأصغر سنًا، بأن الإنجازات العظيمة لا تأتي إلا بالصبر والمثابرة. فبينما يجد بعض الشباب صعوبة في الالتزام، قدّمت هذه السبعينية مثالًا على أن الإرادة الصادقة تتغلب على كل العوائق، وأن طلب العلم عبادة لا تحده السنون.

كيف تلهم هذه القصة المجتمع؟

تلهم هذه القصة الأسرة السعودية بأن تدعم أفرادها في طلب العلم، وتذكّر الآباء والأمهات بأهمية غرس القيم الروحية في الأبناء، كما تلهم النساء على وجه الخصوص بعدم التردد في بدء رحلاتهن التعليمية مهما كان العمر.

هل يمكن لكبار السن حفظ القرآن بسهولة؟
نعم، مع الالتزام بخطة مناسبة، ومراجعة مستمرة، ودعم تربوي متخصص، يستطيع كبار السن حفظ القرآن بدرجة ممتازة.

كم استغرقت السبعينية في حفظ القرآن؟
استغرقت عشرين عامًا من المثابرة والمتابعة اليومية تقريبًا.

هل تُعد هذه الحالة نادرة؟
ليست نادرة تمامًا، لكنها مميزة لأنها تأتي بعد التزام طويل وظروف عمرية وصحية مختلفة.

كيف يمكن للنساء الالتحاق بحلقات التحفيظ؟
عبر الجمعيات القرآنية المنتشرة في مختلف المناطق، والتي توفر برامج متنوعة تناسب جميع الأعمار.

اقرأ أيضًا: إنجاز سعودي جديد.. منتخب المناورة يكتب صفحة آسيوية غير مسبوقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى