منوعات

ثقوب صخرية تروي التاريخ.. أسرار “التافوني” في جبل أثلب بالعلا تكشف تشكيلًا جيولوجيًا عمره آلاف السنين

الترند العربي – متابعات

في مشهد جيولوجي يأسر الأنظار، يكشف جبل أثلب في محافظة العلا عن واجهات صخرية مدهشة تمتد على نطاق واسع كأنها لوحات محفورة بعناية فائقة. تلك الثقوب الصغيرة المتناثرة عبر الصخور ليست أعمالًا بشرية أو نحتًا أثريًا، بل ظاهرة طبيعية تُعرف علميًا باسم “التافوني”، التي تشكّل أحد أكثر الأنماط الجيولوجية تميزًا في الحجر الرملي بالعلا، ما يجعل المكان مقصدًا للزوار والباحثين والفرق العلمية التي تحاول قراءة تاريخ المكان من طبقات الصخور.

يقع جبل أثلب ضمن نطاق الحجر شمال غرب المملكة، وهي المنطقة التي تضم أول موقع سعودي مُسجّل في قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو، ومعقلًا حضاريًا ارتبط بمملكة الأنباط التي تركت بصمتها على واجهات المعابد والمقابر المنحوتة في الجبال. إلا أن ما يميّز أثلب ليس النقوش البشرية وحدها، بل الشواهد الطبيعية التي تكشف تفاعل الماء والرياح عبر آلاف السنين.

ثقوب صخرية تروي التاريخ.. أسرار “التافوني” في جبل أثلب بالعلا تكشف تشكيلًا جيولوجيًا عمره آلاف السنين
ثقوب صخرية تروي التاريخ.. أسرار “التافوني” في جبل أثلب بالعلا تكشف تشكيلًا جيولوجيًا عمره آلاف السنين

تشكيلات صخرية تشبه أعمال النحت.. لكنها من صنع الطبيعة

تبدو الثقوب على صخور أثلب كشبكات من التجاويف الدقيقة ذات أشكال زخرفية متناسقة، ما يجعل كثيرًا من الزوار يعتقدون أنها من صنع الإنسان أو نتاج عمليات نقش أثري، لكن الحقيقة أنها عملية جيولوجية خالصة. ويظهر تشكّل “التافوني” عادة في الصخور الرملية التي تتعرض لتغيرات مناخية وتحولات جيولوجية طويلة المدى، ما يؤدي إلى تفكك الروابط بين الحبيبات الصخرية وتكوين فجوات صغيرة تتوسع بمرور الزمن.

ويشير المختصون إلى أن عامل الرطوبة والملوحة يلعب دورًا جوهريًا في هذا التكوين، حيث تتسرب المياه إلى الفجوات الدقيقة بين الحبيبات قبل أن تتبخر، تاركة خلفها أملاحًا تتبلور وتضغط على الروابط الداخلية للصخور. ويتسبب ذلك في تفكك أجزاء صغيرة من السطح، لتتحول الفجوة من حجم رأس إبرة إلى تجويف واضح يتطور كأن الطبيعة تنحت سطح الجبل بدقة فائقة.

ثقوب صخرية تروي التاريخ.. أسرار “التافوني” في جبل أثلب بالعلا تكشف تشكيلًا جيولوجيًا عمره آلاف السنين
ثقوب صخرية تروي التاريخ.. أسرار “التافوني” في جبل أثلب بالعلا تكشف تشكيلًا جيولوجيًا عمره آلاف السنين

شهادة ميدانية خلال مهرجان الممالك القديمة

خلال زيارة ميدانية لفريق إعلامي على هامش فعاليات مهرجان الممالك القديمة 2025، أوضح الراوي والمرشد الجيولوجي محمد البلوي أن هذه الظاهرة تعد من أبرز ملامح صخور الحجر الرملي في المنطقة، مؤكدًا أن الكثير من الزوار يلاحظون الثقوب قبل أي عنصر آخر بسبب انتشارها الكثيف واتساق أشكالها.

وأضاف أن التافوني يبدأ عادة بفجوات دقيقة بحجم حبة الحمص قبل أن تتوسع تدريجيًا، حيث تتعرض الحبيبات المحيطة للفصل والذوبان مع الوقت نتيجة الرياح والأمطار، لتتشكل أنماط هندسية تتفاوت في الحجم والعمق، ومع مرور آلاف السنين تتحول إلى لوحات طبيعية تشبه النحت اليدوي.

ثقوب صخرية تروي التاريخ.. أسرار “التافوني” في جبل أثلب بالعلا تكشف تشكيلًا جيولوجيًا عمره آلاف السنين
ثقوب صخرية تروي التاريخ.. أسرار “التافوني” في جبل أثلب بالعلا تكشف تشكيلًا جيولوجيًا عمره آلاف السنين

دور التجوية في صناعة الجمال الصخري

تبدأ عملية التشكّل عندما تتعرض الصخور لتجوية كيميائية وميكانيكية متكررة، فتتفكك الحبيبات المكونة للصخر الرملي بفعل الضغط الحراري والفارق بين درجات الحرارة النهارية والليلية، في حين تعمل الرياح على تآكل الأجزاء الضعيفة وإزالة الحبيبات المتساقطة. ومع زيادة تأثير العوامل المناخية، تتوسع التجاويف لتكون شبكات مترابطة من الثقوب التي تمنح جبل أثلب مظهره الفريد.

هذا النمط ليس مقتصرًا على العلا فقط، بل تظهر ظاهرة التافوني في العديد من الصحاري حول العالم، إلا أن الحالة الجيولوجية في شمال غرب المملكة تتميز بنقاء الحجر الرملي وتعرضه التاريخي للعوامل المناخية، ما يجعل تشكل الفجوات أكثر وضوحًا وأشد تعقيدًا.

ثقوب صخرية تروي التاريخ.. أسرار “التافوني” في جبل أثلب بالعلا تكشف تشكيلًا جيولوجيًا عمره آلاف السنين
ثقوب صخرية تروي التاريخ.. أسرار “التافوني” في جبل أثلب بالعلا تكشف تشكيلًا جيولوجيًا عمره آلاف السنين

العلا.. ذاكرة حضارات منقوشة على الصخر

لا يُفهم جمال التافوني دون سياق المكان التاريخي. فالحجر تُعد أشهر مواقع العلا، وكانت مركزًا حضاريًا رئيسيًا لمملكة الأنباط، إلى جانب مسارات تجارية مهمة عبر الجزيرة العربية. وتضم المنطقة أكثر من 140 مقبرة منقوشة في واجهات صخرية تتسم بدقة هندسية مذهلة، ما يجعل العلا متحفًا مفتوحًا يجمع بين النحت البشري والطبيعة في مكان واحد.

وقد أُدرجت العلا في قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2008، ثم تم إدراجها لاحقًا في “سجل ذاكرة العالم”، ما يعكس القيمة التاريخية والعلمية للمنطقة كمنصة لدراسة الحضارات القديمة والأنماط الجيولوجية النادرة.

جبل أثلب.. ملتقى الجغرافيا والإنسان

يتميز جبل أثلب بكونه موقعًا يجمع بين التشكيلات الجيولوجية الطبيعية والمسارات التاريخية التي استخدمها الإنسان عبر العصور. فقد كان الموقع ممرًا للأنباط ومركزًا للأنشطة التجارية، إلى جانب وجود معابد وممرات منحوتة في عمق الجبل.

اليوم يعود المكان كوجهة سياحية ضمن برامج تطوير العلا، حيث تستضيف المنطقة مهرجانات ثقافية ومواسم تراثية تستقطب الزوار من مختلف دول العالم، إضافة إلى فرق بحثية مهتمة بدراسة الصخور والنقوش القديمة.

التافوني.. الفن الذي لا يدري صانعه أنه الفنان

يمنح هذا التكوين الجيولوجي جمالًا لا يمكن صناعته بيد بشرية، لأنها عملية بطيئة تعتمد على الزمن والعوامل البيئية الدقيقة. وعلى عكس النحت التقليدي، لا تتبع التجاويف نسقًا هندسيًا متعمدًا، بل تنشأ بطريقة عفوية تشبه أنماط الزخارف الطبيعية التي نشاهدها في الأصداف وهياكل المرجان.

ويمثل هذا النوع من التكوين درسًا في التفاعل بين الصخور والمناخ، وكيف يتدخل الزمن لترك بصمة بصرية تكشف تاريخ الأرض دون نقش أو كتابة. لهذا يصف بعض الجيولوجيين التافوني بأنه “فن الطبيعة الخفي”.

العلا والهوية البصرية للطبيعة السعودية

مع توسّع الاهتمام العالمي بالعلا، باتت المنطقة تُدرَس من زاوية النظرة البصرية والتجربة الطبيعية، وليس فقط من مدخل الآثار والتاريخ. وتشكّل جبالها ومنحدراتها جزءًا من هوية مكانية تعزز حضور المملكة على خريطة السياحة الطبيعية والتراثية.

وتسهم هذه التكوينات في تعزيز مسارات التصوير الفوتوغرافي، والرحلات العلمية، والزيارات الموجهة، ما يجعل الجبل محطة رئيسية في التجارب السياحية داخل العلا، إلى جانب مواقع مثل مدائن صالح، الخريبة، جبل الفيل، وسكة حديد الحجاز.

ما سبب ظهور الثقوب في صخور جبل أثلب؟
هي ظاهرة طبيعية تُعرف بالتافوني، تتشكل نتيجة التجوية والتآكل وتفكك حبيبات الرمل بفعل الأمطار والرياح والملوحة على مدى آلاف السنين.

هل الثقوب في جبل أثلب منحوتة يدويًا؟
لا، تبدو منحوتة لكنها نتاج عمليات طبيعية وليست أثرًا بشريًا.

ما أهمية جبل أثلب في تاريخ العلا؟
كان موقعًا مهمًا لمملكة الأنباط وممرًا تجاريًا، ويضم معالم صخرية تاريخية إلى جانب تكوينات جيولوجية نادرة.

هل يمكن زيارة الموقع؟
نعم، الموقع مفتوح ضمن تجارب ومواسم العلا السياحية، ويُعد جزءًا من مسارات المشي والرحلات المنظمة.

اقرأ أيضًا: “كتالوج” تُعيد تعريف السكن الحضري في السعودية.. إنمار تطلق علامة سكنية دولية بهوية محلية في سيتي سكيب الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى