صالحة الألمعي.. صوت عسير الذي حمل خلية النحل من الجبال إلى منصة “بنان” بالرياض
الترند العربي – متابعات
لم تكن مشاركة الحرفيين والحرفيات في الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية “بنان” حدثًا اعتياديًا داخل أروقة المعرض فحسب، بل كانت مساحة لعرض تحولات اجتماعية واقتصادية تعيشها الحرف المحلية في المملكة، حيث تتقاطع الهوية التراثية مع الصناعات الحديثة وقصص الأفراد الذين أعادوا صياغة علاقتهم بالمهن التقليدية. من بين تلك القصص برزت الحرفية والنحّالة السعودية صالحة الألمعي، القادمة من منطقة عسير، والتي جذبت الزوار بصوتها الهادئ وطريقتها التعليمية في التعريف بمنتجات النحل، مقدمة حكاية انتقال من الريف إلى سوق الحرف الوطنية عبر مسار مدروس وتدريب مهني متخصص.
صالحة لم تكتفِ بتقديم منتجات عسل وشمع معبأة بعناية، بل اختارت أن تكون رسالتها الأكبر هي “تعريف الزوار بعالم النحل”، محولة ركنها داخل المعرض إلى مساحة تفاعلية تجمع بين التجربة الشخصية، المعرفة العلمية، ودور المرأة في الاقتصاد الريفي.

من عسير إلى الرياض.. حكاية تبدأ من خلية صغيرة
تبدأ قصة صالحة الألمعي من عسير، المنطقة الجبلية التي تُعرف تاريخيًا بإنتاج العسل الطبيعي وبتنوع بيئاتها الزراعية، ما جعلها أرضًا خصبة لمزارعي النحل. ورغم أن زوجها كان يعمل في إنتاج العسل لسنوات، فإن دورها في البداية كان مرافقًا فقط، إلى أن التحقت بدورات متخصصة تحت إشراف وزارة البيئة والمياه والزراعة، لتتحول إلى نحّالة محترفة تتعامل مع المنتج من جذوره حتى مراحله النهائية.
بعد أول دورة مهنية، رافقت صالحة زوجها في زيارة ميدانية إلى أحد المناحل في باحة ربيعة، وعلى عكس المتوقع، لم تكتفِ بالمشاهدة من بعيد، بل بدأت بنفسها جمع الشمع وإعداده، في خطوة شكلت نقطة التحول التي قادتها إلى صناعة عشرات المنتجات المعتمدة على الشمع الطبيعي خلال السنوات اللاحقة.

المنتج ليس عسلًا فقط.. الشمع بوابة الاقتصاد الريفي النسائي
ما يميز تجربة صالحة أنها لم تركز على العسل وحده، بل اكتشفت المجال الأقل استغلالًا: “الشمع الطبيعي”. ففي حين كان التركيز في المناحل ينصب على إنتاج العسل كمصدر رئيسي للدخل، كانت كميات كبيرة من الشمع تُهدر دون استخدام. من هنا جاءت رؤية صالحة لتحويل هذا المورد المهم إلى منتجات لها قيمة سوقية وعلاجية، بدءًا من المراهم والكريمات والزيوت وحتى الاستخدامات الجمالية والتنظيفية.
وتوضح صالحة أن توزيع الأدوار داخل قطاع النحل عادة يكون تكامليًا: الرجال يتعاملون مع الخلية ميدانيًا، بينما تتولى النساء مرحلة الاستخدامات التحويلية والتغليف والتصنيع. هذا التقسيم سمح للمرأة بدخول المجال دون أن تكون مضطرة للوقوف داخل المناحل طوال اليوم، ما دفع نساء كثيرات لتعلم الحرفة عبر الورش التدريبية.

ركن تفاعلي.. المعرفة قبل البيع
لم يكن ركن صالحة داخل “بنان” مجرد منصة بيع، بل تحول إلى مساحة تشرح فيها الحرفية للزوار كيفية إنتاج الشمع، مع تقديم تفاصيل توضح الفروق بين المنتجات الطبيعية والتجارية، إضافة إلى أبرز الفوائد العلاجية الشائعة لمنتجات النحل.
كان صوت صالحة الهادئ، وطريقة سردها، عنصراً أساسياً في جذب الجمهور، حيث لجأ زوار المعرض للركن ليس للشراء فقط بل للتعلّم، ما منح ركنها طابعًا تعليميًا يعكس اتجاهًا جديدًا في صناعة الحرف: الحرفة القائمة على المعرفة وليس فقط المنتج.

التمكين الريفي.. المرأة شريك اقتصادي وليس تابعًا منزليًا
تمثل قصة صالحة نموذجًا لحراك اجتماعي أوسع تشهده المملكة في مجال تمكين المرأة الريفية، حيث لم يعد دورها محصورًا في المشاركة المنزلية أو تصنيع المنتجات بشكل محدود، بل أصبحت جزءًا من سلسلة إنتاج متكاملة تستطيع من خلالها تحويل الموارد الطبيعية إلى مصدر دخل مستدام.
ومع تطور برامج التدريب التي تقدمها الجهات الحكومية، أصبحت الحرفة خيارًا مهنيًا قائمًا على التأهيل وليس مجرد ممارسة تقليدية. وتؤكد صالحة أن برنامج التدريب كان النقطة الأولى التي مكنتها من الاعتماد على نفسها، لا من خلال تقليد الآخرين، بل عبر فهم علمي لطبيعة الشمع وطريقة معالجته وفوائده.
السعودية مركز صاعد لصناعات النحل
تزامن حضور صالحة مع تنامي الاهتمام بالصناعات المرتبطة بالنحل داخل المملكة، حيث تشهد السوق توسعًا في استخدامات العسل ومنتجاته، مع توجه نحو تصنيع مستحضرات ذات جودة عالية تعتمد على الموارد المحلية. هذا التوجه يعزز الأهداف الاقتصادية الوطنية في دعم سلاسل الإمداد المحلية، وتقليل الاعتماد على منتجات مستوردة، وخلق فرص اقتصادية جديدة للمناطق الريفية والجبلية.
من منصة “بنان” إلى مسارات التوسع المستقبلية
تشير تجربة صالحة إلى أن المشاركة في معارض الحرف ليست مجرد حضور موسمي، بل جزء من خطة توسع استراتيجية تعتمد على الوصول إلى زبائن جدد، بناء هوية تجارية، تقديم منتجات مبنية على الثقة، وربما إطلاق علامة تجارية مستقبلية تستهدف الأسواق المحلية والخارجية.
وتؤكد صالحة أن رحلة التعلم لا تزال مستمرة، وأن هدفها لا يقتصر على البيع بل على نشر ثقافة استخدام المنتجات الطبيعية، وتمكين النساء من دخول المجال دون تعقيد، مع التشديد على فهم أساسيات السلامة والتعامل الصحيح مع المواد.
تحديات الحرفة بين العمل الميداني وصناعة القيمة
تواجه الحرف المرتبطة بالنحل تحديات لا تتعلق بالإنتاج فقط، بل بالتسويق، التعبئة، الجودة، البيئة، وموسمية الإنتاج. وتوضح صالحة أن أبرز التحديات تتمثل في الحفاظ على الجودة في كل دفعة إنتاج، إلى جانب ارتفاع تكلفة الأدوات والمستلزمات، والحاجة إلى تقنيات دقيقة في التعقيم والتصفية.
مع ذلك، فإن فرصة النمو كبيرة، خاصة مع توسع الطلب على المنتجات الطبيعية في قطاعات التجميل والعلاج، ما يجعل الحرفة ليست فقط نشاطًا تراثيًا، بل مسارًا اقتصاديًا مستدامًا.
ما الذي يميز صالحة الألمعي عن بقية المشاركات؟
تركز على تحويل الشمع الطبيعي إلى منتجات عملية إضافة إلى عرض معرفي تفاعلي داخل المعرض.
هل دخلت المجال عبر الخبرة المنزلية؟
لا، بل عبر دورات تدريبية متخصصة تحت إشراف وزارة البيئة والمياه والزراعة.
هل تحتاج المهنة لوجود حساسية خاصة؟
نعم، تُشدد الحرفية على ضرورة عدم وجود حساسية تجاه لسع النحل قبل الدخول في التدريب.
هل تعمل النساء في المناحل بشكل مباشر؟
الأدوار عادة تكاملية: الرجال لإدارة الخلايا ميدانيًا، والنساء للتحويل والتصنيع.
ما مستقبل الحرفة؟
تمثل مسارًا اقتصاديًا متسعًا مع ازدهار سوق المنتجات الطبيعية في المملكة.
اقرأ أيضًا: تحرّك أمريكي عاجل بطلب سعودي.. ترمب يعلن بدء خطوات لمعالجة أزمة السودان

