مراجعة لفيلم “Rashomon” في عام 1952
سايمون هاركورت سميث
قد يجادل البعض بأن فيلم “Rashomon” يقوم إلى حدٍ ما بالاعتماد على المزايا التي نراها لأول مرة فيه، على المتعة والإلهام الذي يمنحه للجمهور الغربي. يسهل علينا بالطبع أن نبالغ في تقدير فيلم يمتاز فيه الحوار والإعداد والموقف بالغرابة على حد سواء. فرأيت سابقًا بعض النقاد الإيطاليين البارزين مندهشين ومحرجين من إعجابنا ببعض الأفلام الإيطالية، ولكن في الوقت نفسه، يستنتجون من بعض الأفلام الإنجليزية التقليدية أموراً غير مرئية بالنسبة لنا.
من المهم إذًا القدرة على وضع فيلم أجنبي في سياقه الوطني، إذا جاز التعبير. علاوةً على ذلك، في حالة فيلم “Rashomon”، تزداد المشكلة تعقيدًا تامًا، لأنه يطرح لنا تقاليد ووجهات نظر بعيدة جداً عن عالمنا. منذ حوالي سبعين عامًا، أعاد ويسلر اكتشاف الفن الياباني للغرب، وقد أعجبوا بجرأة الفنون، واستثارتهم أكثر وجهات النظر تمرداً لفوجياما، وقد استغرق الأمر وقتًا وخبرة قبل أن يتمكن الغرب من التمييز بين مجرد الأفكار الجديدة والتميّز.
في حالة فيلم “Rashomon”، فإن أهم الاعتبار هو محيطه التاريخي. نجت اليابان من الغزو حتى صيف عام 1945، وقلة من البلدان الأخرى كانت محظوظة لهذه الدرجة. واستمر تناوب فترات الازدهار وفترات الفوضى والمعاناة. وانحدرت السلطة المركزية مرارًا وتكرارًا إلى حكم اللصوصية، أو إلى إقطاع بالكاد يمكن تمييزه عنه. ثم فجأةً، انتعش النظام، وأتت بعد ذلك فترة رائعة من الهدوء.
تدور أحداث فيلم “Rashomon” في لحظة من الفوضى واليأس، في القرن الثامن، عندما بدا أن لليابان قدر يمنعها من النهوض. حيث تصور المشاهد الأولى من الفيلم ببراعة توضح الجو العام. يدفع المطر الذي لا هوادة فيه خادماً وكاهنًا وحطابًا إلى الاحتماء تحت بوابة كيوتو المدمرة، والتي كانت ذات يوم أكثر بهاءً. وفي أثناء انتظارهم، تنكشف القصة الداخلية لفيلم “Rashomon” في أربع نسخ متضاربة. حيث يشكل المطر والخراب تسعة أعشار الصورة في الإطار التصويري. ومع ذلك، سيتذكر الجمهور الياباني أن هذه اللحظة اليائسة سيتبعها قريبًا واحدًا من أمجد العصور في تاريخهم، وهو عصر غاية في الروعة والذي نعرف القليل عنه من حكاية “Tale of Genji”. ومن خلال هذا، فسرعان ما نتأكد من أن النور دائمًا يتبع الظلام.
بالتأكيد، ومع الخاتمة يتوقف هطول الأمطار، ويُكتشف رضيع مهجور. وإذا كان الحطاب، وهو أب لستة أطفال بالفعل، يزيد من محنته بتبني الرضيع، فإن هذا الإيثار على الأقل يعيد إيمان الكاهن المحطم بالإنسانية. وهنا تحمل الرمزية إشارةً ضمنية، ولكن واضحة إلى نكسة اليابان الأخيرة وتعافيها الحالي. كما أنه يذكرنا بشكل غريب بمزاج الأفلام الألمانية الصامتة منذ حوالي ثلاثين عاماً، والتي صنعت في أعقاب الهزيمة أيضًا.
مع القصة المركزية، من ناحية أخرى، يطرح الفيلم أسلوبًا مختلفًا، ويصور حلقة من العنف والفضيلة والشرف الإقطاعي المعرض للخطر. باختصار، عندما نجرد القصة من كل الإضافات الحديثة، نجد حلقة يسعد فيها المسرح الياباني الشعبي البطولي، «الكابوكي». ففي جميع قصص الكابوكي تقريبًا، نجد مبارزة، حيث يقفز المتسابقون الذين يهسهسون ويمتلكون رشاقة مثل القطط، ينطلقون حول بعضهم البعض في حركات بهلوانية لا يُمل منها أبدًا. فنجد في فيلم «Rashomon» مثل هذه المبارزة. وعلى الرغم من أننا نشاهدها من خلال نسختين مختلفتين، فتم تصويرها بشكل يثير الإعجاب، إلا أننا لا نكل للحظة من التكرار. التكرار هو في الواقع صفة بارزة في مسرح الكابوكي. تكون المقاطع طويلة عمومًا، والإيماءات نمطية، والأحداث تدور وتدور وتعود إلى نفس النقطة. «ولكن بالنسبة للمشاهد الغربي، بشرط أنه لم يشاهد الكثير منها، فإن الكابوكي هي على الأرجح الأسلوب الأكثر إرضاءً للميلودراما المتواجدة في يومنا هذا».
إن الإيحاء بأن المخرج، أكيرا كوروساوا، قد استعار تقاليد مسرح الكابوكي لحكاياته المركزية لا يدين على الإطلاق الأداء الرائع لممثليه الرئيسيين الثلاثة؛ وهم توشيرو ميفوني في دور قاطع الطريق، وماتشيكو كيو في دور الزوجة، وماسايوكي موري في دور الرجل ذو النسب العريق. هي قصة بسيطة تُبنى عليها تنويعات شبه لحنية. رجل أرستقراطي يسافر عبر غابة معزولة مع زوجته، يمتطون حصانهما الوحيد، ويحملون حظًا سيئًا يجذب اهتمام قاطع طريق. يرى قاطع الطرق جمال الزوجة من خلال وشاحها الطويل والمتطاير ويعجب بها، فيلقى الزوج حتفه. وأما الزوجة، فيعتدي قاطع الطرق عليها، ويسرق حصانها.
هذه هي الحقائق الوحيدة المؤكدة. فيكمن جوهر الفيلم في الصراع بين اعتراف اللص عند القبض عليه، وقصة الزوجة، ودليل زوجها المتوفى عبر الوسيطة الروحانية، والكشف النهائي عن الحطاب المُحتمي تحت البوابة. «ربما تكون مصادفة وجوده كشاهد هو العامل الأقل إرضاءً في القصة». هل قُتل الزوج في معركة فينسب له فضل، هل مات عن طريق الخطأ، هل انتحر، هل هرب كالجبان؟ هل تمّ اغتصاب الزوجة، أم هل خضعت برضاها لشهوات اللص، وهل حرضته على قتل زوجها؟ يتحد اللص الحي والزوج الميت في الحفاظ على ميثاق الشرف الإقطاعي دون تدنيس، حتى على حساب وصم الزوجة بالفُجر. لكن الحطاب يجرؤ على التلميح بأن الزوج قد تصرف بطريقة يصعب على النبلاء اليابانيين المعاصرين الرضا عنها. وأظن أنه بسبب ذلك لم يُقابل الفيلم بالترحاب في بلده.
نجد أنفسنا هنا في عالم تكون فيه الأعراف الاجتماعية وردود الفعل النفسية غريبة عنا، وفي نفس الوقت تغمرنها في تفاصيلها تمامًا. عندما نستبعد العناصر المألوفة لمسرح الكابوكي، وعندما نقدر الإخراج البطيء، وبكاء الزوجة الرتيب في انهيارها، لا يزال يتعين علينا أن نعترف بأننا هنا في حضور عمل فني أصيل بحق، عمل يمكن أن يكون نموذجًا يثري أساليب السينما الغربية.
يكشف لنا ما فاتنا بسبب الخوف من حركة الكاميرا العنيفة تناوب كوروساوا الفريد بين اللقطات الطويلة واللقطات المقربة، وخاصةً عندما نرى الزوجة وهي تحرك يدها في مجرى المياه، وتسلسل رحلة الحطاب إلى الغابة. إن تحريات الشرطة لقاطع الطريق، والتي عرضت على جدار أبيض عادي، تبرز واقع بسيط غير مسبوق من استحضار الزوج الميت، وأكمام الوسيطة الروحانية، والكشف الأخير لعذاب روحٍ لم تجد سلاماً في الموت، هي لحظة شاعرية فريدة.
فحتى لو أكد لي بعض الزوار الجدد لليابان أن المثقفين في طوكيو أشادوا بفيلم «Madonna of the Seven Moons» كنمط من أنماط صناعة الأفلام المتقدمة، ومصدر إلهام لمستقبل الأفلام اليابانية، فلا يزال يتعين عليّ الاعتقاد بأن «Rashomon» في الواقع هو من أكثر الأفلام إثارةً واستثنائيةً في أي مكان في العالم منذ نهاية الحرب.
المصدر: سوليوود