مراجعة فيلم «The Boy And The Heron» لـ«هاياو ميازاكي»
محمد القاسمي
الجميع يعلم كم أعشق «هاياو ميازاكي» وأفلامه، والذي قد أراه كأفضل صانع أفلام على قيد الحياة في عالمنا اليوم، فهو إنسان مبدع ويُعتبَر الأب الروحي للرسوم المتحركة التقليدية، وأتحفنا بمسلسل «كونان فتى المستقبل» أو كما نعرفه باسم «عدنان ولينا»، ومن بعده مجموعة من الأفلام على امتداد أربعة عقود، وأهمّها فيلم «Howl’s Moving Castle» الذي أعتبره الفيلم المفضّل إليّ على مر العصور.
قرّر «ميازاكي» الاعتزال أكثر من مرّة، وآخرها كان بعد فيلم «The Wind Rises» في عام 2013، ولكنه قرّر العودة بفيلم جديد بعد 10 أعوام، وهو فيلم «The Boy And The Heron» أو «الصبيّ وطائر مالك الحزين».
كان هذا الفيلم على رأس قائمتي للأفلام المنتظرة، وكنت أترقب بكل شوق وشغف اليوم الذي سأشاهد فيه التحفة الجديدة لـ«ميازاكي» بعد غيابٍ طويل، وحان هذا اليوم أخيرًا، وشاهدت الفيلم.
يحزنني أن أقول إن هذا الفيلم هو أضعف فيلم لـ«ميازاكي» في مسيرته، أو الأقل في المستوى، ولا أعني بذلك أن الفيلم سيئ أو غير جيّد، بل كان فيلمًا عميقًا ومؤثّرًا، وأقرب إلى أن يكون فيلمًا شخصيًا ومرتبطًا بسيرة وذكريات «ميازاكي» في طفولته وصباه، وكما صرّح سابقًا أن هذا الفيلم هو هدية إلى حفيده، وبمثابة درسٍ له في الحياة.
لا أستطيع انتقاد الفيلم من ناحية القصة، فهي عميقة وتحمل رسائل كثيرة حول الحياة وروابط العائلة ومرحلة الفتوّة، وحتى مستوى الأنيميشن كان مبهرًا كالعادة بالرسوم التقليدية اليدوية والألوان الخلّابة، والخلاصة أن الفيلم متقن إنتاجيًّا.
مشكلتي مع الفيلم ليست أنني مصدوم من رأيي، بل كنت متوقعًّا أنّه لن يكون بمستوى التحف السابقة، خصوصًا أن فيلمه الأخير «The Wind Rises» أيضًا لم يعجبني كثيرًا بأجوائه الدرامية الكئيبة.
هذا الفيلم أيضًا درامي كئيب، وأنا شخصيًا أعتبر الأفلام الكارتونية بوابة هروب من هذا العالم نحو عالمٍ آخر جميل ومنعش بألوانه وخياله وسحره وموسيقاه، وهذا هو سرّ عشقي لأفلام «ميازاكي”، لأنها تشبع كل رغباتي السينمائية، ولم أجد ذلك في هذا الفيلم بالتحديد.
جميع أفلام «ميازاكي» السابقة بلا استثناء كان يجمعها سحر الموسيقى التصويرية من المبدع «جو هيسايشي»، إذ كانت رائعة ومذهلة في جميع الأفلام السابقة، ولا أزال محتفظًا بكافة الألبومات وأستمتع بها من وقتٍ إلى آخر. ولكن في هذا الفيلم، ولأول مرة في تاريخ أفلام «ميازاكي”، أجد موسيقى تصويرية عادية جدًّا، ولا تُقارَن أبدًا بروائع الموسيقات السابقة لـ«هيسايشي»، وهذا من الأسباب الرئيسية التي قلّلَت إعجابي به.
قصة الفيلم تدور حول صبيّ يدعى «ماهيتو»، الذي توفّيَت والدته في الحرب العالمية الثانية، فينتابه الحزن والوحدة والغضب، لا سيما بعد زواج والده بخالته، وبعد الانتقال إلى منزل العائلة في الريف يتعرّف على طائر مالك الحزين، الذي يقوده إلى عالم سحري بعد أن قام بإقناعه أن والدته المتوفاة موجودة هناك ويجب عليه إنقاذها.
الفيلم بطيء وممل أحيانًا، خصوصًا أن الشخصيات قليلة، وحتى السحر لم يخدم الفيلم بالشكل المطلوب، والموسيقى التصويرية لـ«جو هيسايشي» التي لم تعجبني، كانت منسجمة مع أحداث الفيلم، ولذلك أراه تقيّد بالجو العام للفيلم الذي لا يستوعب موسيقى تصويرية كالروائع السابقة.
فكرة الفيلم نوعًا ما قريبة من الفيلم العظيم «Spirited Away» من ناحية الانتقال إلى عالم سحري والعودة إلى عالم الواقع، ولكن بقصة درامية مختلفة، وأراها أقرب إلى فيلم «A Monster Calls» من عدّة نواحٍ، وأيضًا الفيلم المكسيكي الرائع «Pan’s Labyrinth»، وجميع تلك الأفلام ينبعث فيها السحر من البطل أو البطلة، ويحتمل الأمر أن يكون السحر حقيقيًّا بالفعل أو نابعًا من مخيّلتهم.
يبدو أن «ميازاكي» وهو رجل عجوز في الثمانين من عمره تغيّرت نظرته في الحياة وأسلوب تفكيره، ويريد أن يخاطب المراهقين والشباب في فيلمه هذا كما في فيلمه السابق بقصص أكثر دراميةً وأعمق وأنضج، وغير موجّهة للأطفال، كما أن تصنيفها العمري لـ13 عامًا فما فوق، ويسرد قصصًا من حصيلة ذكريات طفولته وصباه لحفيده وكل المراهقين والشباب في العالم، ويعلّمهم كيف يعيشون، كما في عنوان الفيلم الأصلي باللغة اليابانية «كيف تعيش؟».
أنا أرفع القبعة تقديرًا لهذا الفنان العظيم، الذي يحترم الفن ويصنع أفلامه بحب وشغف. ورغم أنني لم أستمتع بهذا الفيلم، فإنني لا أنكر جودته، وقد يرى الكثيرون أن الفيلم رائع وجميل، ولكن بالنسبة إلي تمنّيت خوض تجربة أجمل وأكمَل في تلقي القصة والشخصيات والسحر والموسيقى والتأثير على العقل والقلب.
أنصح عشّاق «ميازاكي» بمشاهدة الفيلم، دون الاكتراث برأيي الشخصي، وقد تكون تجربتكم مختلفة، وأترقّب مشاهدة فيلم جديد آخر لـ«ميازاكي» في المستقبل القريب، وقد صرّح مصدرٌ مقرّب منه أنه بصدد العمل على فيلم جديد، متجاهلًا قرار اعتزاله المتكرر، مضيفًا أن «ميازاكي» سيستمر بالعمل طالما هو قادرٌ على ذلك، وهذا من حُسن حظّنا.