ابتكارات طبية تغير مستقبل العلاج.. السعودية تدخل مرحلة جديدة في مواجهة السرطان
الترند العربي – متابعات
يشهد قطاع مكافحة السرطان في المملكة نقلة غير مسبوقة على مستوى التشخيص والعلاج، بعد إعلان المركز الوطني للسرطان عن جملة من التطورات التي تمثل تحولًا كبيرًا في الطريقة التي تُدار بها معركة الأورام، بدءًا من الكشف المبكر القادر على اكتشاف عشرات الأنواع، مرورًا بالعلاجات المناعية المتقدمة كالخلايا التائية، وصولًا إلى المشاريع البحثية التي تُعد ركيزة أساسية لابتكار حلول علاجية جديدة. وتأتي هذه التحولات في ظل ارتفاع عالمي كبير في أعداد الإصابة، ما يجعل الاستعداد المبكر وبناء منظومة متطورة أمرًا بالغ الأهمية لضمان الاستجابة الفعالة وتقديم خدمات صحية تتماشى مع التطور العلمي المتسارع.

تقنيات حديثة تكشف 50 نوعًا من السرطان مبكرًا
أحد أبرز التطورات التي استوقفت الأوساط الطبية هو الإعلان عن تقنية جديدة للكشف المبكر قادرة على اكتشاف خمسين نوعًا من السرطانات قبل ظهور الأعراض. هذه التقنية، التي تعد ثورة في عالم التشخيص، تُستخدم حاليًا داخل الولايات المتحدة، بينما يُتوقع أن تصبح متاحة عالميًا خلال العامين القادمين بعد استكمال الإجراءات التنظيمية. وقد سلّط الدكتور مشبّب العسيري، المدير العام للمركز الوطني للسرطان، الضوء على الدور المستقبلي لهذه التقنية وقدرتها على تحسين فرص الشفاء بعدما أثبتت التجارب الدولية أن اكتشاف الورم في مراحله المبكرة يزيد فرص العلاج الفعّال بنسبة تتجاوز 90% في كثير من الأنواع.
تاريخ طويل من المواجهة: كيف بدأت رحلة السعودية مع السرطان؟
من خلال مشاركته في ديوانية الأطباء، استعرض الدكتور العسيري مسار المملكة في التعامل مع السرطان منذ الخمسينات الميلادية، مشيرًا إلى أول بحث طبي يوثق انتشار المرض في البلاد بين عامي 1952 و1960، حين كانت أسباب الإصابات مرتبطة بشكل رئيسي بضعف وسائل حفظ الطعام وعدم توفر التقنيات العلاجية الحديثة. ومع افتتاح مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض عام 1975 بدأت مرحلة جديدة من التطور، حيث عزز المستشفى قدرات التشخيص واستقطب الكفاءات الطبية التي ساهمت في رفع مستوى الرعاية وفتح الباب أمام برامج بحثية متقدمة.
ورغم محدودية الإمكانات في تلك الفترة، فإن المملكة شهدت خلال العقود اللاحقة توسعًا كبيرًا في مراكز علاج الأورام، ما أسهم في بناء بنية تحتية راسخة أصبحت اليوم الأساس الذي تُبنى عليه المرحلة الجديدة من تطوير السياسات الصحية الخاصة بالسرطان.
السجل الوطني للأورام.. ذاكرة طبية تحفظ تاريخ المرض وتكشف مستقبله
وأشار الدكتور العسيري إلى أن السجل الوطني للأورام — الذي بدأ عمله عام 1994 — يُعد اليوم واحدًا من أفضل السجلات الطبية المتخصصة في العالم، بعدما وثق ما يزيد على 400 ألف حالة سرطان خلال العقود الثلاثة الماضية. ويستفيد الباحثون من هذه البيانات في فهم طبيعة انتشار المرض، وأنماط الإصابة حسب العمر والجغرافيا والجنس، مما يساعد على وضع السياسات المناسبة لبرامج الفحص المبكر والتوعية.
وقد كشف السجل في تقريره الأخير لعام 2023 عن تسجيل 20 ألف حالة سرطان جديدة في المملكة، مع ملاحظة ازدياد الحالات المسجلة خلال الفترة 2021–2023 نتيجة النمو السكاني وارتفاع متوسط العمر، إضافة إلى توسع قدرات التشخيص المبكر التي سمحت باكتشاف حالات أكثر مما كان يُكتشف سابقًا.

ارتفاع عالمي في نسب الإصابة.. والسرطان يتقدم في سباق الأرقام
ويشير الدكتور العسيري إلى أن التحديات ليست محلية فقط، بل عالمية أيضًا، حيث ارتفع عدد حالات الإصابة من 10 ملايين حالة في عام 2000 إلى 20 مليونًا في 2022، مع توقعات بوصولها إلى 35 مليون حالة في 2050. وفي المقابل، ورغم ازدياد الأعداد، فإن الوفيات الناتجة عن السرطان بدأت تتراجع عالميًا بفضل التطور الهائل في العلاجات، ومنها العلاج المناعي والعلاج الجيني والعلاج بالبروتون.
السرطانات الأكثر انتشارًا في المملكة.. عوامل الخطر تتغير
في المملكة، يعد سرطان القولون وسرطان الثدي وسرطان الغدة الدرقية والسرطان الليمفاوي من أكثر الأنواع انتشارًا، في حين يشكل التدخين عامل خطر رئيسي، خاصة مع تسجيل نسبة مدخنين تبلغ 23% من السكان. ومع ارتفاع العمر المتوقع إلى 79 عامًا — بحسب تقديرات وزارة الصحة — يُتوقع أن يزداد انتشار السرطان في العقود المقبلة بحكم أن كبار السن أكثر عرضة للإصابة بالأورام المختلفة.
تحويل السرطان من مرض قاتل إلى مرض مزمن قابل للعلاج
تهدف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة السرطان إلى جعل المرض حالة يمكن التعايش معها، مثل الأمراض المزمنة الأخرى، خاصة مع التطور المستمر في العلاجات المتقدمة. وقد أصبحت المملكة تمتلك اليوم شبكة من 61 مركزًا متخصصًا لعلاج السرطان تشمل 11 مركزًا مرجعيًا و6 مراكز إقليمية و34 قسمًا للعلاج الإشعاعي و7 وحدات باطنية متخصصة، ما يجعل خدمات العلاج والوقاية أكثر انتشارًا وتنوعًا.
ويعتبر سرطان القولون المسبب الأول للوفيات السرطانية، مما يجعل توصية الأطباء بإجراء منظار القولون كل عشر سنوات بعد سن 45 خطوة ضرورية للحماية، في ظل تزايد الأبحاث التي تؤكد أن الوقاية المبكرة قادرة على تقليل معدلات الوفاة بنسبة كبيرة.
حملات توعوية ومراكز جديدة للكشف المبكر
تستعد المملكة لإطلاق حملة وطنية للكشف المبكر تشمل فحوصات متعددة، في وقت شهدت فيه السنوات الأخيرة تحولًا واضحًا في تقبل المجتمع لهذه الفحوصات مقارنة بالماضي، رغم أن التحدي ما زال قائمًا في عدد من الدول المتقدمة مثل بريطانيا وأستراليا اللتين يرفض فيهما 50% من السكان إجراء الفحص المبكر. ومع افتتاح مركز البروتون في الرياض بتكلفة مليار ريال، فإن المملكة تدخل مرحلة جديدة من العلاجات المتقدمة التي تضاهي أفضل المراكز العالمية.
نسب شفاء مرتفعة بفضل الكشف المبكر
وبحسب المركز الوطني للسرطان، فإن نسب الشفاء في المملكة وصلت إلى 80% في حالات سرطان الثدي والقولون، وهي نسب مقاربة للدول المتقدمة، نتيجة انتشار مراكز الكشف المبكر وارتفاع وعي المجتمع وتوفير برامج العلاج المتقدمة. وتم إجراء فحص سرطان الثدي لقرابة مليون سيدة، كما تم فحص 600 ألف عينة لسرطان القولون في مختلف المراكز المتخصصة.

سرطان الرئة.. الهدف القادم في الفحص المبكر
يؤكد الدكتور العسيري أن السنوات المقبلة ستشهد إطلاق برامج للكشف المبكر عن سرطان الرئة، الذي بات يسجل معدلات إصابة أعلى من السابق نتيجة التدخين وتغير أنماط الحياة، في حين يبقى سرطان البنكرياس أحد أصعب أنواع السرطانات في التشخيص، مما يجعل علاجه أكثر تعقيدًا بسبب اكتشافه في مراحل متأخرة.
العلاج المناعي بالخلايا التائية.. ثورة طبية تنقذ 70% من المرضى
أحد أهم التطورات في علاج السرطان هو استخدام الخلايا التائية المُعدلة، التي بدأت المملكة في تطبيقها منذ عام 2018 لمرضى سرطان الدم في المراحل المتقدمة. وقد حققت هذه التقنية نسبة شفاء تصل إلى 70% بفضل الله، رغم تكلفتها المرتفعة في الخارج التي بلغت 80 مليون ريال لعلاج ثمانية مرضى. لكن المملكة نجحت في خفض التكلفة إلى ثلاثة ملايين ريال فقط من خلال إرسال الخلايا للعلاج دون الحاجة لسفر المريض، وتم علاج أكثر من 200 حالة بهذه التقنية داخل المملكة، وهو إنجاز يعكس قوة البنية الطبية الوطنية.
العلاج الجيني الموجه.. وأبحاث لقاح السرطان
العلاج الجيني يعد من أكثر العلاجات تكلفة على مستوى العالم، إذ تصل التكلفة إلى سبعة ملايين ريال للحالة الواحدة، لكن الأبحاث تتقدم بشكل متسارع وتعد بمرحلة جديدة قد تجعل العلاج أكثر استهدافًا وأقل تكلفة. كما تسير الأبحاث الخاصة بلقاح السرطان بخطوات متقدمة، مع توقع اكتمالها خلال عامين، لتكون هذه اللقاحات قادرة على برمجة الجهاز المناعي لاستهداف الخلايا السرطانية مباشرة.
التأمين الصحي يدعم الفحص المبكر
أعلن المركز توجهاً لدعم المستشفيات الخاصة لاعتماد الفحص المبكر ضمن وثائق التأمين، بما يشمل سرطان الثدي والقولون والرئة وعنق الرحم، وهو ما سيحدث فرقًا كبيرًا في الكشف المبكر ويؤدي إلى خفض التكاليف العلاجية لاحقًا.
استثمار ضخم في رأس المال البشري الطبي
يمتلك قطاع الأورام السعودي اليوم نحو 400 استشاري متخصص، منهم 65 في العلاج الإشعاعي و75 في العلاج الكيماوي و26 في سرطان الأطفال و19 في جراحة الأورام و80 في أمراض الدم، وهي أرقام تؤكد حجم الاستثمار الوطني في بناء كوادر قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
البحث العلمي.. حجر الأساس في تطوير العلاج
يشدد المركز على أهمية البحث العلمي في تطوير رعاية الأورام، مع وجود أكثر من ست جهات تمول الأبحاث الطبية، إضافة إلى انضمام المملكة لاتحاد السرطان عام 2024، مما يمنح الأطباء والعلماء منصة دولية لتبادل المعرفة وتعزيز الدراسات الخاصة بالسرطان والوقاية منه.
ما أهمية تقنيات الكشف المبكر الجديدة؟
تتيح اكتشاف الأورام قبل ظهور الأعراض، مما يرفع نسب الشفاء ويقلل تكلفة العلاج.
هل العلاج بالخلايا التائية فعال؟
نعم، فقد حقق نسبة شفاء تبلغ 70% لمرضى سرطان الدم في مراحل متقدمة.
كيف يؤثر إدراج الكشف المبكر في التأمين الصحي؟
يزيد إقبال المواطنين على الفحص ويخفض التكاليف العلاجية لاحقًا.
هل يمكن القضاء على السرطان تمامًا؟
رغم صعوبة القضاء الكامل، فإن التطورات الحالية تجعل السرطان مرضًا يمكن السيطرة عليه والتعايش معه.
اقرأ أيضًا: ثورة طبية في عالم الحواس.. جهاز جديد يُعلّم الدماغ الشم من جديد ويمنح الأمل لملايين فاقدي الحاسة


