ثورة طبية في عالم الحواس.. جهاز جديد يُعلّم الدماغ الشم من جديد ويمنح الأمل لملايين فاقدي الحاسة
الترند العربي – متابعات
في خطوة تُعد من أكثر التطورات الطبية إثارة خلال العقد الأخير، كشف باحثون دوليون عن تقنية جديدة قد تغيّر حياة نحو 20% من سكان الأرض ممن يعانون فقدان حاسة الشم، وهو الاضطراب الذي تضاعفت نسبته عالميًا بعد جائحة كوفيد-19، مخلّفًا ملايين المرضى دون علاج فعّال أو خيارات استعادة للحاسة المفقودة. وتمثّل الدراسة الجديدة أول حل عملي، وإن كان تجريبيًا، قادرًا على إعادة القدرة على تمييز الروائح عبر “تعليم الدماغ” الإحساس بها من خلال إشارات كهربائية موجّهة.
وتفتح هذه التكنولوجيا الباب نحو عصر جديد من “الشم الاصطناعي”، حيث لم يعد التعويض الحسي مقتصرًا على السمع والبصر (كما في زراعة قوقعة الأذن أو الأطراف البصرية الاصطناعية)، بل أصبح الآن بإمكان الدماغ أن يتعلم ربط إشارات كهربائية بروائح محددة، في تحول جذري لطريقة فهم الحواس وتداخلها.

الجهاز الذي يُعيد الإحساس عبر “لغة كهربائية”
تعتمد التقنية الجديدة على مبدأ علمي يعرف بالاستبدال الحسي — وهو نقل معلومات خاصة بحاسة معطّلة إلى مسار عصبي ينتمي لحاسة أخرى. ويستخدم الجهاز أنفًا إلكترونيًا قادرًا على التقاط الروائح وتحويل جزيئاتها إلى شيفرة رقمية، ثم إرسال هذه الشيفرة عبر محفز كهربائي صغير يُثبت على الحاجز الأنفي.
هذا المحفز يوجّه نبضات كهربائية دقيقة نحو العصب الثلاثي التوائم، وهو العصب المسؤول عن الإحساس بالحرارة واللمس والتهيج داخل الأنف. ورغم أن هذا العصب لا يشترك مباشرة في عملية الشم، إلا أن تحفيزه يولّد “إحساسًا مميزًا” يستطيع الدماغ تفسيره باعتباره رمزًا لرائحة معينة.
وبمعنى آخر:
المستخدم لا يشم الرائحة بصورتها الطبيعية، لكنه يتعلم الإحساس الاصطناعي الذي يقابلها.
ومع التدريب، يتكوّن لدى الدماغ قاموس جديد يربط الإشارة بالرائحة، كما يتعلم الشخص التمييز بين روائح مختلفة من خلال اختلاف النبضات الكهربائية.

ماذا يحدث داخل الأنف؟
يوضح الباحثون أن الأنف يضم نظامين حسّيين يعملان بشكل متوازٍ:
1) الجهاز الشمي:
وهو المسؤول عن التقاط الروائح الطبيعية وتوجيهها نحو الفص الشمي في الدماغ.
2) العصب الثلاثي التوائم:
يتفاعل مع الحرارة، البرودة، الوخز، والتهيج، وليس مع “الرائحة” بحد ذاتها.
ومع فقدان الجهاز الشمي، يفقد الدماغ المسار الذي تنقل عبره الروائح، لكن المسار الثاني يبقى فعالاً. وهنا تأتي فكرة الجهاز: استغلال مسار العصب الثلاثي التوائم لنقل المعلومات المفقودة دون الحاجة لعمل العصب الشمي نفسه.

تجارب بشرية تكشف المفاجأة
نشرت الدراسة في مجلة “ساينس أدفانسز”، وهي من أهم المجلات العلمية المتخصصة، وشملت 65 مشاركًا مقسمين إلى:
- 13 شخصًا يتمتعون بحاسة شم سليمة
- 52 شخصًا يعانون فقدانًا كاملًا أو شبه كامل في الشم
واستخدم الباحثون أربع تجارب متدرجة، وفي جميعها تمكن المشاركون من:
- استشعار الإشارات الكهربائية بوضوح
- تمييز نمط كل إشارة
- ربط الإشارة برائحة محددة
- النجاح في التعرف إلى أكثر من رائحة عبر التدريب
الأكثر إثارة أن أداء فاقدي الشم كان متقاربًا مع أصحاب الحاسة الطبيعية، ما يعني أن النظام العصبي لا يزال قادرًا على التعلم حتى بعد فقدان حاسة الشم الطبيعية.
ويعلّق أحد الباحثين:
“هذه أول مرة يظهر فيها أن الدماغ قادر على تعلم لغة روائح جديدة عبر مسار عصبي بديل.”

لماذا يعتبر هذا إنجازًا طبيًا كبيرًا؟
على عكس فقدان السمع أو البصر، التي تمتلك حلولًا طبية متقدمة مثل زراعة القوقعة أو الأطراف البصرية، يظل فقدان الشم من أكثر الإعاقات الحسية إهمالًا في الطب الحديث.
ولا توجد حاليًا أي حلول مثبتة تعطي نتائج مرضية للغالبية.
ووفقًا للدراسات، فإن فقدان الشم يؤثر على:
- جودة الحياة
- الذوق والتغذية
- الصحة النفسية
- الأمان (عدم القدرة على شم الغاز أو الحريق)
- الذاكرة العاطفية المرتبطة بالروائح
إضافة إلى ذلك، أظهرت الأبحاث أن الشم يرتبط بمؤشرات مبكرة لأمراض عصبية خطيرة مثل ألزهايمر وباركنسون.
لذلك، فإن نجاح هذا الجهاز في إعادة “إحساس” يمكن أن يتطور لاحقًا إلى لغة روائح متكاملة يعني فتح باب جديد لعلاج ملايين الحالات.
كيف يتعلم الدماغ “الرائحة الاصطناعية”؟
وفق الدراسة، يخضع المستخدم لتدريب بسيط يتضمن:
- تكرار الإشارة الكهربائية المرتبطة برائحة معينة
- مقارنة إحساسها بإشارات أخرى
- اختبار التمييز في بيئات مختلفة
ومع مرور الوقت يبدأ الدماغ في تكوين روابط ثابتة — تمامًا كما يتعلم طفل صغير التعرف على الروائح لأول مرة.
يشبه الباحثون هذه العملية بتعلم لغة جديدة، حيث يتعلم الدماغ “مفردات الروائح” عبر الإشارات الكهربائية بدلاً من الروائح الطبيعية.
مستقبل التقنية: أصغر.. أذكى.. وأقرب للواقع
رغم أن الجهاز الحالي ما زال في المرحلة التجريبية، فإن الفريق يعمل على تطوير:
- نسخة صغيرة يمكن ارتداؤها
- زيادة عدد الروائح التي يمكن برمجتها
- تحسين دقة المحفز الكهربائي
- تطوير واجهات ذكية تتكيف مع المستخدم تلقائيًا
وقد يكون الجهاز في المستقبل:
- بحجم مشبك صغير داخل الأنف
- مزودًا بتطبيق ذكي
- قادرًا على حفظ “قاموس روائح” مفصل
- موصولاً بأنف إلكتروني متطور يحلل الروائح في الوقت الحقيقي
وبذلك تصبح إمكانية استعادة الشم أقرب إلى الواقع لكل من فقدها بشكل دائم.
هل سيكون لدينا “قوقعة للشم”؟
تشير بعض الفرق العلمية إلى إمكانية تطوير جهاز مشابه لزراعة القوقعة لكن للأنف، بحيث تُزرع أقطاب كهربائية داخل التجويف الأنفي أو بالقرب من الأعصاب الشمية لتقديم إشارات أكثر دقة.
ورغم أن هذا التطور ما زال بعيدًا، إلا أن هذه الدراسة تعد الخطوة العملية الأولى نحو هذا الإنجاز.
روائح اصطناعية أم حقيقية؟ الفرق العلمي
من المهم التأكيد أن الجهاز لا يعيد الشم الطبيعي، بل يقدم “إحساسًا بديلاً” يتعلمه الدماغ. ومع ذلك، يمكن للأشخاص التمييز بين الروائح رغم عدم شمّها فعليًا.
ويشبّه العلماء هذا الأمر بارتداء سماعات الواقع الافتراضي:
- أنت لا ترى الشيء الحقيقي
- لكن الدماغ يتعامل معه وكأنه واقع
الأمر ذاته ينطبق على الرائحة الاصطناعية.
أهمية الاكتشاف في عصر الذكاء الاصطناعي
يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا في:
- تحليل الروائح
- بناء الشيفرات الرقمية
- تطوير خوارزميات التعلم الحسي
- تدريب الدماغ على أنماط الإشارة
- تخصيص التجربة وفق استجابة كل مستخدم
ومع تطور التعلم العميق، يتوقع أن يتحول الجهاز إلى منصة طبية – حسية – رقمية متطورة.
هل يمكن أن يغيّر الطريقة التي نشم بها مستقبلًا؟
الاحتمال قائم، خصوصًا إذا تمكن العلماء من:
- توسيع نطاق الروائح
- جعل الإحساس الكهربائي أقرب لواقع الإحساس الطبيعي
- دمج التقنية مع أنظمة الواقع المعزز
وقد يصبح “الشم الرقمي” جزءًا من تقنيات المستقبل كما أصبح “السمع الاصطناعي” حلاً متقدمًا لفاقدي السمع.
التحديات العلمية والتنظيمية
رغم النجاح المبكر، ما تزال هناك عقبات مثل:
- تحديد شيفرات روائح دقيقة
- فهم الفروق الفردية في الإحساس العصبي
- ضمان الأمان الكهربائي طويل المدى
- التعامل مع الحساسية الأنفية
- تطوير نموذج ثابت يعمل للجميع
لكن العلماء متفائلون بأن السنوات القادمة ستشهد تحسينات ضخمة تجعل من هذا الجهاز علاجًا فعّالًا.
ردود فعل عالمية على الاكتشاف
لاقى الإعلان عن الجهاز انتشارًا واسعًا بين المرضى، الأطباء، وشركات التقنيات الحيوية. وتناقلت الصحف العلمية العالمية الخبر باعتباره خطوة قد تغيّر مستقبل طب الأعصاب الحسي.
كما تلقى المرضى المصابون بفقدان دائم للشم (مثل حالات ما بعد كورونا) الخبر بترحيب شديد، خصوصًا بعد سنوات من الإحباط لعدم وجود علاج واضح.
هل سيصبح الجهاز متاحًا قريبًا؟
يتوقع الباحثون أن:
- يستغرق التطوير عدة سنوات إضافية
- تبدأ التجارب الموسّعة خلال 2026–2027
- يتوفر أول نموذج قابل للارتداء خلال أقل من 10 سنوات
لكن النتائج الحالية تؤكد أن التقنية لم تعد مجرد خيال علمي، بل أصبحت واقعًا يمكن البناء عليه.
هل يعيد الجهاز حاسة الشم الطبيعية؟
لا، لكنه يقدم إحساسًا اصطناعيًا يتعلم الدماغ ربطه بالروائح.
هل يمكن تمييز روائح متعددة؟
نعم، إذ يستطيع الجهاز إنتاج إشارات متنوعة قابلة للتعلم.
هل يشكل الجهاز خطرًا؟
الاختبارات الأولية أثبتت أمانه، لكن الدراسات مستمرة.
هل يمكن استخدامه للأطفال؟
لم تُجرَ دراسات بعد، لكن من المتوقع اختباره على فئات مختلفة مستقبلاً.
هل يغني الجهاز عن العلاج الدوائي؟
هو بديل حسي، وليس علاجًا لأسباب فقدان الشم العضوية.
اقرأ أيضًا: سماء الرياض تتلألأ بالإبداع.. معرض الطيران العام 2025 يودّع زواره برقم قياسي عالمي واستعراض جوي غير مسبوق


