الاقتصاد السعودي يعزز سيولته بـ228 مليار ريال في عام واحد
الترند العربي – متابعات
يشهد الاقتصاد السعودي منذ بداية العقد الحالي سلسلة متصاعدة من مؤشرات النمو والاستقرار المالي، مدفوعًا ببرامج إصلاح واسعة، وتحوّل جذري في هياكل الإنفاق والاستثمار، وارتفاع القوة الاستثمارية للقطاعين العام والخاص. ويبرز ضمن هذه المؤشرات النمو الواضح في عرض النقود (السيولة المحلية)، الذي يُعدّ أحد أهم المؤشرات التي تقيس نشاط الاقتصاد وقدرته على تحقيق توسّع مستدام في مختلف القطاعات.
ووفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي السعودي “ساما”، سجّلت السيولة المحلية في الاقتصاد السعودي نموًا لافتًا بلغ 228.7 مليار ريال خلال عام واحد حتى نهاية سبتمبر 2025، بنسبة نمو وصلت إلى 7.8%، لتقفز إلى مستوى 3.2 تريليونات ريال مقارنة بنحو 2.9 تريليون ريال خلال الفترة ذاتها من 2024.
ويمثل هذا الارتفاع استمرارًا لمسار تصاعدي ينسجم مع توسع الأنشطة الاستثمارية، وزيادة الطلب على التمويل، وتحسن السيولة في القطاع المصرفي، مما يعكس متانة الوضع الاقتصادي وقدرته على تحقيق أهدافه ضمن رؤية السعودية 2030.

ارتفاع سنوي يعزز النشاط الاقتصادي
يكشف تقرير “ساما” أن عرض النقود وفق مفهومه الواسع (ن3) – وهو المؤشر الأشمل لقياس السيولة النقدية – سجل نموًا قويًا يعكس حيوية الاقتصاد السعودي وتوسع نطاق العمليات الاقتصادية، سواء على مستوى الإيداع المصرفي، أو على مستوى النقد المتداول، أو عبر العمليات البنكية المختلفة.
ويُعد نمو السيولة مؤشرًا على زيادة التدفقات المالية داخل النظام المصرفي، وتنامي حركة التبادل التجاري، وتحسن قدرة القطاعين العام والخاص على إدارة الأموال وتوجيهها نحو قنوات أكثر إنتاجية.
كما يبرز هذا النمو في وقت يشهد الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين، نتيجة تقلبات أسعار الطاقة، وتشديد السياسات النقدية في عدة دول، وهو ما يضاعف أهمية الأداء السعودي الذي يظهر قدرة على تحقيق نمو مستمر رغم التحديات.

الربع الثالث.. استمرار الارتفاع بثبات محسوب
على المستوى الربعي، حققت السيولة ارتفاعًا قدره 52.3 مليار ريال بنسبة 1.7%، مقارنة بمستواها البالغ 3.1 تريليونات ريال في نهاية الربع الثاني من 2025.
ويشير هذا الارتفاع إلى وجود توسع في الأنشطة الاقتصادية بالتزامن مع تحسن مؤشرات الإنفاق الحكومي وارتفاع مستويات النشاط الاستهلاكي.
وتتسق هذه البيانات مع مؤشرات أخرى أبرزها:
- زيادة التمويل البنكي للقطاع الخاص.
- توسع المنتجات والخدمات المصرفية.
- زيادة المشاريع الجارية في قطاعات الصناعة والخدمات اللوجستية والطاقة المتجددة.

نمو شهري يؤكد مرونة الحركة المالية
وعلى أساس شهري، واصلت السيولة المحلية صعودها أيضًا، حيث ارتفعت بقيمة 20.4 مليار ريال بنسبة 0.6% مقارنة بمستواها في أغسطس 2025.
ويعكس هذا النمو الشهري السريع وجود حركة قوية للتدفقات النقدية، سواء على مستوى الودائع أو النقد المتداول، بما يشير إلى نشاط اقتصادي حي ومتجدد.
كما أن استمرار النمو الشهري يؤكد قدرة البنوك السعودية على مواكبة الطلب على التمويل، وتوفير السيولة اللازمة لدعم القطاعات الحيوية.

الودائع تحت الطلب.. المكوّن الأكبر للسيولة
أظهرت البيانات أن الودائع تحت الطلب تصدّرت قائمة مكونات عرض النقود بنسبة مساهمة بلغت 47%، وبقيمة وصلت إلى 1.5 تريليون ريال.
وتشير هذه الأرقام إلى زيادة ملحوظة في التدفقات المالية الجارية داخل حسابات الأفراد والشركات، وهو ما يعكس:
- نشاطًا تجاريًا مستمرًا
- توسّعًا في عمليات التحويل
- ارتفاعًا في معدلات الإنفاق والاستهلاك
- حصافة في إدارة الأموال اليومية لدى مختلف القطاعات
كما تؤكد قوة الودائع تحت الطلب ثقة المتعاملين في البنوك السعودية، واعتمادهم عليها كقناة آمنة وسريعة للدفع والتحصيل.

الودائع الزمنية والادخارية.. استقرار طويل الأجل
بلغت الودائع الزمنية والادخارية نحو 1.2 تريليون ريال، بنسبة مساهمة 36.3% من إجمالي السيولة.
ويمثل هذا النوع من الودائع عنصرًا مهمًا في تعزيز الاستقرار المالي، إذ يعكس توجهًا أكبر نحو الادخار والاستثمار البنكي طويل الأجل.
ويعود هذا الارتفاع إلى:
- تنامي برامج البنوك الخاصة بالادخار.
- ارتفاع العوائد على الودائع لدى بعض المؤسسات المالية.
- رغبة الأفراد والشركات في استثمار الفوائض المالية في أدوات آمنة.
وتُعد هذه الودائع أحد الأعمدة الأساسية لنمو التمويل البنكي، مما يعزز قدرة البنوك على تقديم القروض وتمويل المشروعات.
ودائع شبه نقدية.. تنوع مالي يعكس الانفتاح الاقتصادي
بلغت الودائع شبه النقدية نحو 304.4 مليارات ريال بنسبة مساهمة تقارب 10% من العرض النقدي.
وتشمل هذه الودائع:
- ودائع المقيمين بالعملات الأجنبية
- الودائع مقابل الاعتمادات المستندية
- التحويلات القائمة
- عمليات إعادة الشراء “الريبو” مع القطاع الخاص
ويعكس تنوع هذه الودائع مدى توسع المملكة في الانفتاح المالي وتعاظم التعاملات المصرفية الدولية، إلى جانب ازدهار التجارة الخارجية.
النقد المتداول خارج المصارف.. حركة نشطة في السوق
سجل النقد المتداول خارج المصارف 237.3 مليار ريال، بنسبة مساهمة بلغت 7.5% من السيولة.
وتُعد هذه النسبة منطقية في اقتصاد يتجه بقوة نحو التحول الرقمي والدفع الإلكتروني، لكنها تكشف أيضًا وجود نشاط ملموس في التعاملات التجارية اليومية.
كما يعكس انخفاض نسبة النقد المتداول مقارنة بالودائع التقدم الواضح في:
- استخدام المدفوعات الإلكترونية.
- تعزيز البنية الرقمية للمؤسسات المالية.
- انتشار المحافظ الرقمية ونقاط البيع.
السياسة النقدية.. توازن محسوب يدعم النمو
تمثل السيولة إحدى الأدوات التي تعتمد عليها الجهات التنظيمية لتقييم فعالية السياسة النقدية.
ويُظهر النمو المسجل قدرة البنك المركزي السعودي على إدارة التوازن بين:
- توفير السيولة الكافية لتحفيز الاقتصاد
- وضبط التضخم والحفاظ على الاستقرار السعري
- دعم نمو الائتمان دون إفراط يؤثر على الأسواق
ويأتي هذا الانسجام في سياق منظومة مالية قوية تخضع لرقابة عالية وتلتزم بأفضل الممارسات العالمية.
العوامل الداعمة لارتفاع السيولة
ساهمت عدة عوامل في هذا النمو المستمر، من أهمها:
- تعافي أنشطة الأعمال بعد التوسع في المشاريع الحكومية.
- ارتفاع الإيرادات النفطية بالتزامن مع استقرار الأسعار.
- توسع الإنفاق الرأسمالي في قطاعات البنية التحتية.
- زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وفق برامج رؤية 2030.
- قوة القطاع المصرفي وقدرته على جذب الودائع.
- تحسن ثقة المستهلكين والمستثمرين في الاقتصاد السعودي.
- ارتفاع التحويلات الداخلية والنشاط التجاري.
- توسع برامج الادخار والاستثمار التي تقدمها البنوك.
- النمو الملحوظ في التجارة الإلكترونية التي تعتمد على أنظمة الدفع الرقمي.
وهذا كله يعكس اقتصادًا أكثر نشاطًا وتنوعًا واستجابة للمتغيرات العالمية.
الأثر الاقتصادي لزيادة السيولة
يؤدي ارتفاع السيولة في الأسواق إلى عدة آثار إيجابية، منها:
- دعم توسع الشركات عبر التمويل.
- توفير موارد كافية للمشاريع الحكومية والخاصة.
- زيادة القدرة على مواجهة الظروف الاقتصادية المفاجئة.
- تسهيل حركة القروض والاستهلاك والاستثمار.
- تعزيز دور القطاع المصرفي كعمود أساسي في النمو.
كما يساعد ارتفاع السيولة على توفير بيئة جاذبة للمستثمرين، ودعم حالة الاستقرار النقدي المستمرة منذ سنوات.
ما المقصود بعرض النقود (ن3)؟
هو المقياس الأشمل للسيولة، ويشمل النقد المتداول خارج البنوك + الودائع تحت الطلب + الودائع الزمنية والادخارية + الودائع شبه النقدية.
لماذا يعد نمو السيولة مؤشراً مهماً؟
لأنه يعكس قدرة الاقتصاد على دعم التمويل والاستثمارات، وقياس النشاط التجاري والمالي.
هل ارتفاع السيولة أمر إيجابي؟
نعم، طالما أنه يترافق مع إدارة مناسبة للسيولة وتوازن في التضخم.
ما أبرز مكونات عرض النقود؟
الودائع تحت الطلب، الودائع الزمنية والادخارية، الودائع شبه النقدية، والنقد المتداول خارج البنوك.
اقرأ أيضًا: مشهد ليلي مميز: ظهور هلال جمادى الآخرة في سماء الوطن العربي



