
مسؤولية المهندس في إطار عقد الفيدريك
د. مساعد سعود الرشيدي
يعد عقد الفيدريك عقدًا هندسيًّا دوليًّا نموذجيًّا يحكم جوانب متعددة في إنشاء المشاريع الهندسية الكبيرة والمعقدة، وصُمم هذا النموذج لتقليل النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين أطرافه إلى أدنى حد ممكن لضمان التوزيع العادل للمخاطر.
وتسمى هذه العقود بـ عقود الفيدريك؛ لأنَّها تصدُر جميعها تحت رعاية الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين والمصممين “فيدريك”، وهي منظمة دولية للمقاولين والمهندسين والمصممين ومحترفي البناء، تأسَّست في الستينيات من القرن الماضي لتوحيد الاتفاقيات الهندسية حول العالم، وقد تم رصد العديد من الإصدارات لهذه العقود، منها: الكِتاب الأحمر والأصفر والأبيض (1)، وقد تم أيضًا تحديث عقود الفيدريك في عام 2022 (الكتاب الأحمر، الأصفر، الفضي، الزمردي، الأخضر).
وقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم (23) الصادر بتاريخ 17/1/1428هـ بمعالجة المعوقات التي تواجه قطاع المقاولات في المملكة، ونص هذا القرار على إعادة النظر في العقد الحكومي الموحد، وإعداد صيغة جديدة على أن يسترشد في ذلك ببنود عقد المشاريع الإنشائية (فيدريك). (2)
ولما كان العنصر الرئيس لنجاح هذه العقود يكمن في نهجها المتوازن لتوزيع أدوار ومسؤوليات الأطراف الرئيسة في العقد، فضلاً عن توزيع المخاطر وإدارتها، وكان أحد الأطراف الرئيسة في هذه العقود هو المهندس(3)، فإننا نتساءل: ما تعريف المهندس في عقود الفيدريك؟ وما مسؤولية المهندس في إطار عقد الفيدريك؟
أولاً: تعريف المهندس في عقود الفيدريك
يتم عادةً تسوية عقود الإنشاءات بين المالك والمقاول، فالمالك هو الجهة المالكة للأعمال، ويطلق عليه أيضًا اسم صاحب العمل، ويستأجر المقاول لتنفيذ الأعمال وفقًا لمتطلبات معينة وسعر وإطار زمني متفق عليه، ويتم تسوية كل ذلك في العقد.
وعلى الرغم من أن عقود الفيدريك يتم إبرامها بين المالك والمقاول – وهما الطرفان الموقعان على اتفاقية العقد – إلَّا أنَّها تحتاج إلى تشغيل المهندس، الذي يعد الجهة التي يتم تعيينها من قبل المالك أو صاحب العمل للإشراف على العقد.
ويقصد بالمهندس وفقا للكتاب الأحمر والأصفر من عقود الفيدريك لعام 2017 م هو “الشخص المسمى في بيانات العقد المعين من قبل صاحب العمل، للعمل كمهندس لأغراض العقد، أو أي بديل يتم تعيينه…”.
ونتناول في هذا التعريف “المهندس الاستشاري” دون “المهندس المصمم” الذي يعد مهندسًا يستعين به صاحب العمل فقط لتصميم الأعمال (مع تولي مهندس آخر الإشراف على الأعمال أثناء البناء) كما يمكن أن يكون مهندسًا يستعين به المقاول إذا كان المشروع من نوع التصميم والبناء أو مشروع تسليم المفتاح.
ويتم تعيين “المهندس الاستشاري” عادة بموجب الكتاب الأبيض للاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين، وينبغي أن تحدد اختصاصاته خلال فترة الإنشاء – إن وجدت – بموجب الكتاب، أما “المهندس المصمِّم” فيُعد جزءً من مؤسسة المقاول الذي يتحمل في الواقع مسؤوليات المقاول في عقد التصميم. (6)
ثانيًا: ما مسؤولية المهندس في إطار عقد الفيدريك؟
التزام المهندس بالحيادية
على الرغم من أن المهندس يتقاضى أجره من المالك، إلّا أنّه يتعين عليه الحفاظ على موقف مستقل مع الحفاظ على مسافة متساوية بين المالك والمقاول، وعدم الانحياز لأي طرف في أي نزاع أو تعارض، إلّا إذا كان ذلك في إطار الالتزام الكامل بالعقد.
تنفيذ العقد بحسن النية
يلتزم المهندس بتنفيذ العقد بحسن نية واحترام شروط العقد، وكذلك تنفيذ تعليمات صاحب العمل، وفقا لما تقتضيه المصلحة.
التزام المهندس بتنفيذ واجباته المحددة في العقد ومسؤوليته
مراقبة تنفيذ الأعمال
يتعين على المهندس مراقبة تقدم الأعمال، وما إذا كان المقاول قادرًا على إكمال نطاق العمل، وفقًا للمدد المنصوص عليها في العقد.
وفي حالة تقدم الأعمال بشكل غير مرضٍ، يجوز له أن يطلب من المقاول برنامجًا آخرًا للأعمال، باستخدام موارد إضافية أو منهجية مختلفة؛ لضمان إنجاز الأعمال في الوقت المحدد في العقد لإنجازها، ويتعين على المهندس كذلك التأكد من تنفيذ الأعمال ضمن متطلبات الجودة المحددة في العقد؛ ولهذا الغرض يقوم المهندس بفحص الأعمال على أساس منتظم، وذلك على النحو المحدد في خطة الجودة المقدمة من المقاول والتي يراجعها المهندس ويوافق عليها. (9)
مسؤولية المهندس تجاه المقاول
من أهم مسؤوليات المهندس في عقود الفيدريك إشرافه على أعمال المقاول وإصدار تعليماته له، حيث تُستخدم هذه التعليمات الهندسية عادة لمطالبة المقاول بتنفيذ أعمال قد تكون خارج نطاق الأعمال المحددة في العقد، وفي هذه الحالة يتعين إصدار أوامر تغيير، والتي من شأنها تغيير سعر العقد ومدة تنفيذه.
وللمهندس دور مهم في الموافقة على ما يقدمه المقاول قبل تنفيذ الأعمال، مثل الرسومات التنفيذية والمستندات الخاصة بالمواد المطلوبة للقيام بالمشروع والتأهيل المسبق للمقاولين من الباطن، أو أي شيء يرى المقاول ضرورة تقديمه والحصول على الموافقة عليه قبل البدء في التنفيذ، كما يجب عليه التأكد من أن المقاول ينفذ الأعمال، وفقًا للقواعد والمبادئ التوجيهية المعمول بها لحماية حياة القوى العاملة وصحتها.
وفي هذا الصدد، يقوم المهندس بمراجعة واعتماد خطة المقاول للصحة والسلامة والبيئة.
وأخيرًا يتعين الإشارة إلى أن عقود الفيدريك ليست عقودًا جامدة، إنما تعد نماذج لمجموعة من البنود التعاقدية لعقود الإنشاءات؛ ولذا تختلف مسؤولية المهندس باختلاف العقد وبنوده.
اقرأ أيضًا: مساعد سعود الرشيدي



