العشم.. أكسجين السذج
عمر غازي
العشم، كلمة عربية تحمل في طياتها مزيجًا من الأمل والثقة والرجاء، وهو شعور يتولد عندما يضع الإنسان توقعاته في الآخر أو في الحياة، منتظرًا الخير دون طلب مباشر أو ضمان أكيد، العشم يمكن أن يكون صفة نبيلة تعبر عن النية الحسنة، لكنه قد يتحول إلى وهمٍ يثقل الروح إذا لم يقترن بالوعي أو الفهم للواقع، البعض يراه ثقة بالنفس والآخرين، والبعض الآخر يصفه بأنه قناع لعدم المواجهة أو الهروب من الحقائق.
في حياة كل واحد منا لحظة مريرة يدرك فيها أن العشم الذي وضعه في شخص أو موقف أو حتى في الحياة ذاتها قد تحطم على صخور الواقع الصلبة، تلك اللحظة تحملنا إلى مواجهة مباشرة مع حقيقة مخفية: العشم، حين لا يستند إلى أفعال واضحة أو التزامات ملموسة، يصبح عبئًا على الروح وأحيانًا أكسجينًا للسذج الذين يظنون أن العالم يدور وفقًا لنواياهم الطيبة، حيث اظهرت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا عام 2021 أن 70% من الأشخاص الذين يعتمدون على التوقعات العالية دون خطوات ملموسة يواجهون معدلات أعلى من الإحباط والقلق النفسي مقارنة بأولئك الذين يبنون توقعاتهم على أسس عملية وواقعية، حيث أظهرت الدراسة أن العشم المفرط يترك أثرًا سلبيًا على الصحة النفسية، مما يؤدي إلى عزلة اجتماعية وضعف في الأداء الوظيفي.
في عالم العلاقات، العشم قد يبدو تعبيرًا عن الثقة، لكنه في جوهره يعكس أحيانًا هروبًا من مواجهة الحقيقة، ننتظر من شخص أن يتغير دون أن نطلب ذلك بوضوح، ننتظر من الحياة أن تمنحنا ما نريد دون أن نبذل جهدًا كافيًا لتحقيقه، ففي دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2018 كشفت النتائج أن 55% من الأفراد يعتمدون في علاقاتهم الشخصية على افتراضات غير مباشرة، مما يؤدي إلى سوء الفهم وخيبة الأمل في 40% من الحالات، وهو ما يوضح كيف يمكن للعشم أن يكون أداة مضللة تعيق التواصل الفعّال وتُعقد الأمور بدلًا من تبسيطها.
في المجال المهني، العشم يظهر بوضوح في التوقعات غير الواقعية حول الترقيات أو التقدير المهني، حيث أظهرت دراسة صادرة عن Gallup عام 2020 أن 65% من الموظفين يشعرون بخيبة أمل بسبب عدم حصولهم على التقدير الذي يتوقعونه، رغم أن 80% من هؤلاء لم يبذلوا جهودًا واضحة للتعبير عن تطلعاتهم أو لتحسين أدائهم، وهذه الفجوة بين التوقعات والواقع تُبرز كيف يمكن للعشم أن يُحوِّل بيئة العمل إلى ساحة للإحباط والتوتر.
ربما يكون العشم في عمقه صفة إنسانية تعكس نبل النفس، لكنه، كما قال أحد الحكماء، “الثقة العمياء في الأشخاص أو الظروف ليست إلا هروبًا من تحمل مسؤولية النفس”، الواقع يقول إن التغيير يتطلب وضوحًا وصراحة، فلا يمكن للعشم أن يكون بديلاً عن الفعل أو الأمل المدروس، السؤال الذي يبقى: كيف نوازن بين عشم يبث الأمل في قلوبنا وعشم يتحول إلى وهم يقيد خطواتنا؟
الأرقام تقول إن العشم المفرط قد يكون له ثمن باهظ، لكنه حين يقترن بالعمل والواقعية يمكن أن يتحول إلى حافز للتغيير، هنا يكمن الفارق بين من يرى في العشم وسيلة لانتظار المعجزات، ومن يراه شرارة تدفعه لتحويل الأحلام إلى حقيقة، العشم ليس أكسجينًا للسذج فحسب، بل يمكن أن يكون وقودًا للناجحين إذا ما أحسنوا فهمه واستخدامه.