لا تتعجل
عمر غازي
في دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا عام 2016، تبين أن الأشخاص الذين يتعجلون في اتخاذ قرارات حياتية كبيرة مثل الزواج أو الوظيفة دون النضج الكافي، يكونون أكثر عرضة للاكتئاب والقلق.
النضج هو عملية تدريجية تحتاج إلى وقت وتجارب لتتطور بشكل طبيعي، فعندما نحاول أن نتعجل هذه العملية، نفقد الفرصة للتعلم والنمو بشكل صحيح، فالأطفال الذين يتحملون مسؤوليات كبيرة في سن مبكرة قد يظهرون نضجًا مبكرًا، ولكن هذا النضج يأتي غالبًا على حساب طفولتهم، وذلك لأن فقدان الطفولة ومرحلة اللعب والتعلم الحر يمكن أن يؤدي إلى مشاعر القلق والضغط النفسي، وقد يؤثر سلبًا على تطورهم العاطفي والاجتماعي.
وكذلك الشباب الذين يسعون لتحقيق النجاح بسرعة، سواء في الدراسة أو العمل، قد يجدون أنفسهم محاصرين في دائرة لا تنتهي من التوتر والضغط.
لا شك أن النجاح السريع قد يبدو مغريًا، ولكن الوصول إليه دون المرور بمراحل النضج الطبيعية يمكن أن يترك الفرد غير مستعد لمواجهة تحديات الحياة المستقبلية، كذلك النجاح الذي يأتي بسرعة يمكن أن يزول بسرعة أيضًا إذا لم يكن مبنيًا على أساس قوي من التجارب والمعرفة، وهذا النقص في الأساس يمكن أن يؤدي إلى انهيار سريع عند مواجهة أول تحدي كبير.
في السياق نفسه، نجد أن التجارب الحياتية التي تُفرض على الفرد في سن مبكرة يمكن أن تكون سلاحًا ذا حدين، من ناحية، يمكن لهذه التجارب أن تبني شخصية قوية ومستقلة، ومن ناحية أخرى، قد تترك ندوبًا نفسية.
يقول الأديب ليو تولستوي: “الصبر والوقت يفعلان أكثر مما تفعله القوة والغضب”، وتقول العرب “فلانُ تزبّبَ قبل أن يتحصرم”، أي صار زبيباً قبل أن يكون حامضًا، لأن العنب يكون أول مايكون حصرمًاحامضًا، ثم يصير عنبًا حلوًا، فإذا تُرك جف ماؤه وذبلت قشرته وصار زبيبًا، ويضرب هذا المثل لمن ظهر بين الناس قبل كماله واستعداده، كأن يتسيد الناس و يتقدمهم، وهو لازال غرًا مبتدئا.
وهذا لا يتعارض بحال مع إدراكنا أن لكل فرد مساره الخاص في الحياة، فالبعض قد يصل إلى مراحل معينة في وقت مبكر، بينما يحتاج الآخرون إلى وقت أطول، ولا يوجد قالب واحد يناسب الجميع، لذا من المهم أن نتقبل أنفسنا ونسمح لأنفسنا بالنمو على مهل، دون الضغط للتماشي مع توقيتات أو معايير المجتمع، وفي كل الأحوال فإن النضج الذي يأتي على مهل يبني أساسًا قويًا لحياة مستقرة وسعيدة.