توهم السبب
عمر غازي
تعد مغالطة “توهم السبب” من المغالطات المنطقية الشائعة التي يقع فيها الأفراد والمجتمعات، وتقوم هذه المغالطة على افتراض أن حدثًا ما، سببًا لحدث آخر لمجرد أن الحدثين متزامنان أو متتابعان زمنيًا.
تحدث مغالطة “توهم السبب” والتي تُعرف أيضًا بمغالطة “الارتباط السببي” أو “الارتباط لا يعني السببية”، عندما يُفترض أن هناك علاقة سببية بين حدثين فقط لأنهما حدثا في نفس الوقت أو بالتتابع، فعلى سبيل المثال، قد يعتقد شخص ما أن تناول نوع معين من الطعام سبب في حدوث صداع لأنه لاحظ أن الصداع تبعه مباشرة، وهذا الاستنتاج غير صحيح علميًا لأنه يتجاهل العديد من العوامل الأخرى التي قد تكون السبب الحقيقي للصداع.
أحد الأمثلة التاريخية الشهيرة هو اعتقاد الناس في العصور الوسطى أن ظهور مذنب في السماء هو نذير شؤم يجلب الكوارث، ففي عام 1066، ظهر مذنب هالي في السماء قبل فترة قصيرة من غزو النورمان لإنجلترا، فربط الناس بين ظهور المذنب والغزو، معتقدين أن المذنب كان نذيرًا لهذه الأحداث، لكن في الواقع، لا يوجد أي دليل علمي يربط بين الظواهر الفلكية والأحداث الأرضية بهذا الشكل.
ومن الأمثلة أيضًا ما حدث خلال تفشي مرض الكوليرا في لندن في القرن التاسع عشر، حيث اعتقد الناس في البداية أن المرض ينتقل عبر “الهواء الفاسد” أو “المياسم”، وتم توجيه أصابع الاتهام إلى الروائح الكريهة في الأحياء الفقيرة كمسبب رئيسي للمرض، ولكن، قام الطبيب جون سنو بتحليل البيانات واكتشف أن المرض ينتقل عبر المياه الملوثة، مما أدى إلى تغيير جذري في فهم كيفية انتشار “الكوليرا” واتخاذ إجراءات فعالة لمكافحتها.
ومن الأمثلة الأخرى انتشار شائعات بأن اللقاحات تسبب التوحد، وبدأت هذه المغالطة بمقالة نشرت في مجلة طبية عام 1998 تدعي وجود ارتباط بين لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية “MMR” وظهور حالات التوحد، رغم أن هذه الدراسة تم دحضها وسحبها لاحقًا، إلا أن العديد من الناس استمروا في الاعتقاد بأن اللقاحات تسبب التوحد، مما أدى إلى انخفاض معدلات التطعيم وعودة ظهور بعض الأمراض التي كانت تحت السيطرة.
وفي الثقافة الشعبية نجد ذلك حاضرًا بشدة في مقولات مثل “وجهك فقر عليا”، و”قدمها نحس علينا”، وغيرها من المقولات التب تربط بين موقف ما، وشخص لا علاقة له بأنه المتسبب، والعكس صحيح أيضًا فقد يتم الربط في مواقف إيجابية مثل “وجهك حلو علينا”، ومن المعتقدات الشائعة في الغرب والتي تندرج تحت مغالطة “توهم السبب” هو التشاؤم من الرقم 13، المعروف أيضًا بفوبيا الرقم 13 أو “triskaidekaphobia”، ويعود هذا الاعتقاد إلى عصور قديمة حيث كان يُعتبر هذا الرقم نذير شؤم، وهذا التشاؤم لا يستند إلى أي أساس علمي، بل هو نتيجة لمجموعة من الصدف التاريخية والأساطير التي جعلت الناس يربطون بين الرقم 13 والحظ السيئ.
كشفت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد في عام 2014 بعنوان “الارتباط والسببية في العلوم الاجتماعية” عن ميل الناس إلى البحث عن أسباب بسيطة ومباشرة للأحداث المعقدة، مما يؤدي بهم إلى افتراض علاقات سببية غير موجودة، وتوصلت الدراسة إلى أن هذا التوجه ناتج عن الحاجة النفسية للفهم والسيطرة على البيئة المحيطة، حيث أن البحث عن الأسباب يعزز من شعور الأمان الشخصي.
وفي دراسة نشرتها مجلة “علم النفس التجريبي” عام 2017 تناولت تأثير التعليم والتوعية في تقليل مغالطة توهم السبب، وجدت الدراسة أن تعليم الأفراد التفكير النقدي والتحليلي يساعدهم على تقييم الأدلة بشكل أكثر دقة وتجنب الوقوع في هذه المغالطة، بالإضافة إلى أن تدريب الناس على استخدام أساليب البحث العلمي والتحليل الإحصائي يمكن أن يقلل بشكل كبير من افتراض العلاقات السببية الخاطئة.
وفي اعتقادي الشخصي أن هذه المغالطة مع سهولة دحضها لا سيما في عصر الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، وتيسر العمل على تحليل البيانات الضخمة للوصول الارتباطات والأسباب على نحو أقرب للدقة، إلا أنها ستستمر لـ”حاجة في نفس يعقوب” إن جاز التعبير، حيث يشير الفيلسوف البريطاني ديفيد هيوم في كتابه “بحث في الطبيعة البشرية” (1740) إلى أن العقل البشري يميل بشكل طبيعي إلى افتراض السببية حتى في الحالات التي لا توجد فيها علاقة حقيقية، وهذا الميل نابع من العادة والتكرار، حيث يميل الناس إلى ربط الأحداث المتكررة زمنيًا بعلاقات سببية حتى دون وجود دليل حقيقي على ذلك.