كُتاب الترند العربي

الطفولة والقوطية أو “أطفال القوطية”

تغريد العتيبي
الطفولة لها علاقة معقدة ومثيرة للاهتمام بالرعب والقوطية، فالعديد من سينما الرعب ﻻ تعتمد فقط على تصويرات الأطفال في حالات خوف ورهبة بغض النظر عن تعدد المصادر لكن أحيانًا تعتمد على الطفولة لإثارة الرعب وإحياء مخاوف تتعدى مفاهيمنا الطبيعية والأخلاقية المخولة ببراءة الأطفال، لكن كما كتب داني كافالارو أن في سرديات الظلام الأطفال «مرتبطون بالبراءة والبساطة وقلة الخبرة الدنيوية… غير ملوثين بحضائض ومراوغات الوجود المجتمعي. وعلى نحوٍ آخر، وبالتحديد بسبب هذا النقص في احتوائهم لسلوكيات ونمطيات الثقافة والمجتمع حولهم فهم مرارًا وتكرارًا يرون أنهم محط تهديد لنسيج ومجتمع البالغين».
لكن هناك مِن نُقّاد الرعب يرون أن كيف يرسخ القرن الحادي والعشرون نوعًا من القضايا والتصويرات المتناقضة، فالطفل هُنا في حالة متغيرة بالرغم من أنه موصوف بأنه بناية يُمكن «اكتمالها» وعبورها وتجاوزها. لكن تلك التصويرات تضعه في حالة تشكيل لا نهائي حيث يمكن «هدم تلك البناية» ليس فقط عبورها بشكل سليم. فتلك التصويرات المرعبة الناتجة عن ذلك التخمين يطرح السؤال الضمني: من هو «الطفل» حقًّا؟ بحيث إن أدب الرعب والقوطية غالبًا نوقش على انهماكه في الكشف والبوح عن «الرعب الحقيقي» وما قد يكمن من أسوأ التصويرات إجابةً على تلك التساؤلات والتخمينات.

فالطفولة في القوطية أحيانًا لا تأخذ معنًى حرفيًّا بل رمزيٌّ لغرفة اللاوعي محكمة القفل ولكن كيف تتعايش تلك الذات في «أبسط حالاتها» وأكثرها بدائية. فعندما تندمج الطفولة في نسيج المجتمع تصبح أكثر تعقيدًا مرتبطة أحيانًا بصورٍ من الاستعارة المكانية في منتجات القوطية والرعب كالغرف الحمراء السرية ومعرفة الأطفال «العودة» لها والمتاهات، وضياع الطفولة والزوايا والظلال وخبايا «الوعي» وما يركن فيها من أشباح أطفال وصدى الطفولة التي لا يبارح القلاع المهجورة وأهازيجهم البسيطة لفظًا، لكن ذاك ما يولّد حس البدائية المخيف حيث تحدث حقيقة وليس ضمنًا.

حيث بمعرفة الضمن والسطحية أو الحرفية لتلك الرموز التي تقحم «الطفولة» و«القوطية» معًا يظهر لنا مدى تعقيد تلك الكتابات والتصويرات في عملية «إعادة بناء» أو تشكيل لبناية الطفولة التي سابقًا نرى أنها «زمكان» يمكن تعديه بسلام، فهنا تُطرح التساؤلات عن ماذا لو …

أبرز مثال يُذكر هنا هو قصة «الأم الجديدة» من أدب الطفل للكاتبة لوسي كليفورد عام 1882 وهو هنا بعيد كل البعد عن الأعمال الشهيرة التي تدمج الطفولة والقوطية والكوميديا معًا، مثلًا في «وينزداي» أو «عائلة آدمز». حيث صُنفَت كقصة رعب مناسبة فقط للهالوين ومليئة بالفزع والقلق وغريبة الأطوار للأطفال. لكن ذلك في الأغلب يعود للبالغين ومعرفتهم بضمنيات السرد ومصادر الخوف والصدمات النفسية وما قد ينتج من «تركيب» معين للطفولة. فالسرد فعلًا يرتكز على صراعٍ ما بين إذا كانت تُفسَّر العبارات السائدة فيها حرفيًّا أو مجازيًّا.

لكن القصة أيضًا ليست ببساطة «الأشياء ليست كما تبدو» بل لها أبعادٌ أخرى يقلب ذاك السؤال مرارًا وتكرارًا في تركيب وإعادة تركيب الطفولة. فالطبوغرافية مثلًا في السرد هنا ليست فقط «السطح» و«المناطق النائية» الخارقة للطبيعة في الوعي أو الخيال.

ربما أقرب مثال يصَوِّر تلك العملية هو فيلم مقتبس بشكلٍ موسَّع من قصة «كورالاين» للكاتب المعروف نيل غيمان عام 1990 الملهمة من قصة كليفورد في تصوير «وحشية» رمز الأم. من تلك التداخلات أنتج فيلم «كورالاين» للمخرج هنري سيلك عام 2009 فقد كان وما زال يخلق جدلًا عمّا إذا كان العمل مناسبًا حقًّا للأطفال، ولكن هذا مبحث آخر في الأخلاقيات وأدب الرعب للأطفال. حيث إن فيلم «كورالاين» يطرح عدة أسئلة مهمة للبالغين التي ربما لن نجد إجابة واحدة شافيةً لها لكن هذا هو جوهر عنصر الرعب في التساؤل عن «الصوت الكامن» واللاوعي وغيره من مسائل الحياة والموت والصدمات التي أحيانًا لا نجد وسيلة أخرى للتعبير غير في رمزيات الرعب.

فمثلًا كتابة كليفورد تتكئ على ركائز الرعب والتصوير الكتابي حيث تصف بعض الغرائب من منظور طفل لتنقله فجأة إلى سمات منظور شخص بالغ، ومن هنا تتعدى على «معرفتنا» ما إذا كُنّا حقًّا نتبع طفولة ما أو «عودة» في تركيب ذات لما هو في الأساس «ماضٍ» أو «حاضر». ما يجعل ملكية الأطفال للمنظور والسردية وهمية لكن يصعب استبعاد عنصر الطفولة وقراءة النص دون ذلك، فـ«هم» في حد ذاتهم و«منظورهم» منتج من قبل وضمن السرد.

عودة إلى أقرب من يصور تلك التعديات والتداخلات تلك وهو فيلم «كورالاين»، حيث جرت محاولة تبسيط عنصر الغرابة والفزع الذي تلهمه قصة غيمان ولكن ما زالت تقتبس جزءًا من روح السردية حيث صُنِّفت قصةَ خيالٍ ظلامية ورُعب من الرسوم المتحركة. كورالاين تتجول في قريتهم المملة الجديدة لتكتشف بابًا خفيًّا لبُعدٍ خيالي من حياتها، بالرغم من غرابته فإنّه «يشابه» حياتها … إنما فقط «أفضل».

من هذا المنطلق فإن القوطية والأطفال متداخلة وقد تنتج عن عنصر «قوطية الأطفال» والتي تعنى بمنتجات قوطية عائلية أو مناسبة لمشاهدة الأطفال لاحتوائها على كوميديا معينة، مثلًا «هوتيل ترانزلفانيا» ولكن يتبقى مدى عمق تلك التداخلات عاملًا متغيرًا ففي أعمال مثل «كابوس ما قبل الكريسماس» وأعمال تيم بورتون الرسومية الأخرى منها «العروس الجثة»، لكن كما ذكر، فبعضٌ منها يبوح بأسئلة أعمق وأكثر تعقيدًا من مسألة «طفل» و«قوطية»، وإنما تكون موجهة من خلال تلك الأسئلة والتصويرات للــطفل «الكامن» في البالغين وعمليات إعادات الكتابات وتشكيل البنايات والصدمات التي يدركونها من خلال تلك التصويرات الضمنية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى