كُتاب الترند العربي

كيف تغلب “سايم صادق” وفيلمه “Joyland” على الرقابة في باكستان؟

سنام ماهر

في الحادي عشر من نوفمبر من العام الماضي، اكتشف المخرج سايم صادق من خلال منصة التواصل الاجتماعي تويتر التي تسمى الآن «X» أن فيلمه الروائي الأول «Joyland»، الذي كان من المفترض أن يُعرَض في دور السينما في جميع أنحاء باكستان بعد ستة أيام قد تم حظره.

لقد كان الحظر صفعة غير متوقعة على وجه الفيلم الذيٍ حظي بدعم كبير في البلاد؛ فهو أول فيلم باكستاني يكون عرضه الأول في مهرجان كان السينمائي والذي فاز فيه بجائزة Un Certain Regard للجنة التحكيم وجائزة Queer Palm غير الرسمية في شهر مايو.

أشار موقع Dawn الباكستاني الرائد باللغة الإنجليزية إلى أن «اللحظة التي حظي فيها الفيلم على الاعتراف العالمي تُعَدُ لحظة فخر لجميع الباكستانيين». وفي أغسطس، أجاز مجلس الرقابة الفيدرالي ومجلس الرقابة المحلي عرضه، إلا أن الرقابة الفيدرالية تسحب الآن تصريحها، قائلة «تُلُقِّيَت شكاوى مكتوبة بأن الفيلم يحتوي على مواد مرفوضة رفضًا باتًا».

تهيمن الأفلام التجارية على صناعة السينما الباكستانية؛ مثل فيلم الحركة الدرامي The Legend of Maula Jatt لعام 2022 الذي حقق 4.3 مليون جنيه إسترليني على مستوى العالم في أول أسبوعين من عرضه. ويُعتَبر فيلم Joyland من أحد الإنتاجات القليلة التي اضطلعت بها طليعة جديدة من الفنانين الذين يتناولون قضايا تثير جدلًا كبيرًا للأغلبية السائدة «مثل العقيدة والأصولية والهوية والجنس» فنادرًا ما تُعرَض هذه الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والأفلام الوثائقية في دور السينما؛ حيث مع أنه لا توجد سوى 135 قاعة سينما في جميع أنحاء البلاد، يُفضل مديروها والموزعون الأفلام التي تضمن عائدًا ماديًا.

عوضًا عن ذلك، تجد هذه الأفلام مأوى لها في المهرجانات المحلية والدولية أو على منصة نتفليكس «التي أُطلِقت في باكستان في عام 2016» أو في محطات البث الإذاعي مثل BBC؛ فعلى سبيل المثال، مُسلسل «Churails» لعام 2020 من تأليف عاصم عباسي الذي يُبَث على شبكة الإنترنت في منصة Zee5 الهندية، والذي يضم مجموعة من النساء الثائرات اللاتي يبدأن في التحقيقات السرية، والفيلم مستوحى من الجدل الدائر حول قضية حقوق المرأة ونهضة «MeToo» في باكستان، وهناك أيضًا فيلم محمد علي ناكفي «The Accused: Damned or Devoted» لعام 2020 الذي يركّز على الطريقة التي تستغل بها الجماعات الدينية رمي الاتهام بازدراء الأديان في تحقيق مكاسب سياسية والذي قد أُنتِج لهيئة الإذاعة البريطانية وليس مُتاحًا للمُشاهدين في باكستان، لذلك تصالح ناكفي مع قرصنة أفلامه الوثائقية على موقع يوتيوب؛ لأنها كما ذكر «الطريقة الوحيدة التي سيشاهدها بها الكثير من الباكستانيين».

هذا ليس أمرًا مُستحدثًا؛ فقد حُظِر فيلم جميل دهلافي «The Blood of Hussain» لعام 1980 بسبب تصويره لنظام قمعي، وعرضت صبيحة سومار فيلمها «Khamosh Pani» لعام 2003 في جميع أنحاء البلاد باستخدام سينما متنقلة بعد أن حُظِر لاختيار ممثلين هنود للتمثيل في الفيلم، وكان لدى الرقباء شعور بأن فيلم حماد خان «Slackistan» لعام 2010 يحتوي على الكثير من الألفاظ البذيئة، ولقد مس فيلم «Maalik» لعام 2016 للمخرج عاشر عظيم بسُمعة الوطن بتصويره للوزراء الفاسدين، بينما يقدم فيلم «Among the Believers» لعام 2015 للمخرجين هيمال تريفيدي ومحمد علي ناكفي “صورة سلبية عن باكستان”، وحُظِر مؤخرًا فيلم «’ll Meet You There» لعام 2020 لإرام بارفين بلال بسبب «تصويره السلبي للمسلمين».

بسبب ذلك، توقف بعض المخرجين عن تجربة حظهم مع الرقابة على الأفلام؛ فلم يتسن لفيلم ذاكر ثافر «Salam: The First ****** Nobel Laureate» والذي تدور أحداثه حول الدكتور عبد السلام الذي استُبعِد من استلام جائزة نوبل بسبب عقيدته الأحمدية «ووصفه العديد من المسلمين بالزنديق» أن يُطرَح للجمهور، ففضل ثافر عرضه من خلال العروض السرية واستحوذت منصة نتفليكس على عرضه في عام 2016.

وقالت شرمين عبيد شينوي وهي مخرجة أفلام وثائقية حائزة على جائزتي أوسكار «إن مستوى الرقابة في هذا البلد قد ارتفع أكثر من أي وقت مضى، وهي أيام سيئة تلك التي تعلم فيها أنك إذا فكرت تفكيرًا منفتحًا، تُصبح من الأقلية». مع ذلك أحدث العرض الأول لفيلم «Joyland» في مهرجان كان السنيمائي ضجة كبيرة تؤهله للتنافس على الأوسكار، فلم يقع الاختيار حتى الآن على فيلم باكستاني في فئة الأفلام الطويلة؛ فقد قدمت باكستان أفلامًا في عامي 1959 و1963 ثم انقضى 50 عامًا قبل أن تُقدم الفيلم التالي في عام 2013، مما يدل على مدى توقف الإنتاج المستقل للأفلام تقريبًا، ولكن التقييمات الإطرائية التي تلقاها «Joyland» في المهرجانات العالمية للأفلام مثل مهرجان تورونتو في كندا وصندانس في الولايات المتحدة و مهرجان بوسان في كوريا الجنوبية عززت الآمال لإنتاج أفلام جديدة.

تدور أحداث الفيلم في مدينة لاهور، وتحكي قصة «عائلة رانا» التي يرأسها الأب الصارم «سلمان بيرزادا»، وابنه حيدر «علي جونجو» الذي يقضي وقته في مجالسة بنات أخيه ومساعدة أخت زوجته نوتشي «ثروت جيلاني» على الطهي، بينما تعمل زوجته ممتاز «راستي فاروق» في صالون تجميل. وتتوق العائلة بفارغ الصبر بأن يكون لحيدر وممتاز ابن. يحصل حيدر على وظيفة راقص احتياطي في مسرح محلي متخصص في الرقصات الإغرائية حيث يفتن بالنجمة الفاتنة بيبيا، المتحولة جنسيًا بذيئة اللسان «بتمثيل ألينا خان».

ترى الرقابة أن علاقة بيبا وحيدر «مُنافية لمعايير اللياقة والأخلاق» وقال مشتاق أحمد خان عضو مجلس الشيوخ الباكستاني والذي لم يشاهد الفيلم، إن الفيلم يتناول موضوعًا لا مكان له في البلاد الإسلامية، ومن وجهة نظره أنه جزء من اتجاه الإرهاب الثقافي الذي يُشكك في أعرافنا للزواج ومعاييرنا الثقافية وأن تأثيره باعتبار تأثير شنّ الحرب.

لم يكن أمام صادق سوى خيارات قليلة وستة أيام لاتخاذ القرار الصحيح، فبمجرد أن تتلقى الجماعات المحافظة في باكستان إخطارًا من الوزارة سيصبح الاحتشاد ضد عرض الفيلم ما هو إلا مسألة وقت، كان صادق على علِم بما يُمكن أن يحدث من جراء ذلك؛ فقد حاول صديق مقرب له وهو المخرج سرمد سلطان خوسات عرض فيلمه «Zindagi Tamasha» سيرك الحياة» في باكستان لمدة ثلاث سنوات، ولكن باءت محاولاته كلها بالفشل إلى أن عُرِض عام 2019، وكان حزب ديني متشدد قد أعلن أنه فيلم مسيء للإسلام، وهو اتّهام فادح يُعاقب عليه بالإعدام في كثير من الأحيان. وكان اتهامهم مستند على مشاهدة المقطع الدعائي للفيلم فقط.

يقول صادق: «لقد دونت ملاحظات في أثناء هذه الضجة التي أُثيرت حول Zindagi Tamasha من أجل أن نتفادى الاخطاء، ولقد حاولنا التسويق للفيلم بسرية قدر الإمكان»؛ فقد أصدر مقطعًا دعائيًا «لا يحرق أحداث القصة»، بينما كانت الصورة الإعلانية لفيلم «Joyland» الذي رُسِمت بريشة الفنان الشهير سلمان تور مُلفتةً للأنظار، ولكنها غير مُسيئة.

كان من الممكن أن يُتوانى مصير فيلم Joyland لسنوات وأن يقبع في المحكمة مثلما حدث مع فيلم Zindagi Tamasha، ولكي يتأهل لجوائز الأوسكار كان لا بد من فحصه لمدة أسبوع. يقول صادق: «لم تكن الجوائز الدولية نُصب عينياي، فهو فيلم يعرض حقيقة وجودنا وعائلاتنا ورغباتنا والنظام الأبوي «البطريركي»، وإن مُشاهدة أكبر عدد ممكن من الناس لـ Joyland هو الهدف الرئيسي». حشد صادق المُمثلين وطاقم العمل، وسألهم: «هل أنتم مُستعدون للمتاعب؟ فإما الآن أو أبداً».

البحث عن البهجة «Joy»

فيلم «Joyland» هو أول تجربة تمثيلية لألينا خان البالغة من العمر 24 عامًا، هربت خان من منزل عائلتها عندما كانت في سن المراهقة؛ حيث كان تحولها الجنسي من ذكر لأنثى أمرًا غير مقبول، وقضت لياليها في النوم في المنتزهات والمشي في الشوارع. كانت ألينا ترقص في «الحفلات» التي يحضرها الذكور فقط لكي تُعيل نفسها، فتقول خان: «عدد قليل من الناس هم من كانوا يُعاملوننا مُعاملةً آدمية هناك؛ إذا ألقوا عليك ورقة نقدية من فئة العشر روبيات يعتقدون بذلك أنها تمنحهم الحق في لمس جسدك عشر مرات»، يصور Joyland أحد هذه الأحداث ولكن تقول خان إن ما يعرضه الفيلم ما هو إلا فتات من العنف والفزع الذي يمر به الراقصون في الواقع، وهي تعلم أن الأحداث التي تحصل في الواقع لن يستسيغها المشاهدون.

فلما كانت خان تزور عائلتها؛ فقد كان الأمر موجعاً بشدة لها؛ فيتظاهر إخوتها بأنهم نائمون عندما تأتي، وعندما أعطت والدتها بعضًا مما تكسبه، هزأت بها أختها قائلةً إنه «مال قذر»، وقالت خان: «كنت آمل عندما يشاهد الناس فيلم Joyland أن يرونا «نحن المتحولين جنسيًا» على حقيقتنا كأشخاص، ويرون الأشخاص الذين ضايقوني وآذوني، وعائلتي، أعتقد أنه سيغير رأيهم».

عندما علمت خان بالحظر اتصلت بأحد أصحابها وهي تبكي. أما في أحد عروض الفيلم في مهرجان تورنتو، حبست دموعها عندما هتف الجمهور ونادي أحدهم «باكستان زينداباد!» «أي تعيش باكستان!».

فما الذي تستنجه من كل هذا الغضب الموجه إلى شخصيتها؟ جاوبت السؤال بقول «أعتقد أن الأشخاص الذين يحبون مشاهدتنا في المناسبات أو في المسارح هم أكثر من يشعرون بالإهانة؛ كل شيء يحدث هنا في باكستان، ولكننا لا نريد التحدث عنه، بل إننا خائفون مما قد ينعكس علينا».

وضع الحدود

أصبحت شقة صادق في كراتشي ساحةً تعُج بمكالمات هاتفية متواصلة مع أشخاصٍ من ذوي النفوذ وسياسيين وممثلين ومخرجين، وكأننا لم نعُد مجرد صانعي أفلام فجأةً، بل دبلوماسيين؛ نتحدث مع الوزراء، ونُصدر بيانات مصاغة بعناية ونُحللها ونُحررها جميعها.

انطلقت حملة «ReleaseJoyland حرروا فلم Joyland» على وسائل التواصل الاجتماعي لتدعوا الجمهور إلى المطالبة بمشاهدته. وتمت استضافة صادق في أحد البرامج الحوارية الأكثر مشاهدة وسأل، ألا تتمتع الرقابة المتشددة بأدنى فاعلية لدرجة تراجعها عن قرارتها لمجرد وجود شكاوى من أشخاص مجهولي الهوية؟ وإذا كان الفيلم لم يعرض على أي شخص آخر، فعلى أي أساسٍ بُنيت هذه الشكاوى؟

كان للفريق خطوطه الحمراء… فوجهت مصممة أزياء تستفيد من موجة الشعبية التي تحظى بها بين المحافظين بسبب وجهات نظرها المناهِضة للمتحولين جنسيًا غضبها على Joyland، فعلِم صادق بها وقال: «رفضت الانخراط في ذلك؛ لم أكن لأطلب الإذن أو أعرض على شخص مثلها الفيلم؛ فإنني أفضل أن يُحظر الفيلم على ذلك».

وطلبت لجنة شكلها رئيس الوزراء شهباز شريف إجراء تعديلات على الفيلم قبل إجازة عرضة؛ وفي ذلك نوع جنوني من الحذر، فهناك لقطة مطموسة لتكون غير واضحة للزوجين حيدر وممتاز وهما يتعانقان، أيضًا مشهد يظهر بيبا وهي ترقص في إحدى الحفلات وسط مجموعة من الرجال، ولكن قبل أن تختفي عن نظرك بإمكانك أن ترى انزعاجها وخوفها عندما انقض عليها أحد الرجال؛ فالمشهد المحجوب أكثر اشمئزازاً: يمكنك سماع صيحات الرجال وهتافاتهم، والأمر متروك لك لكي تتخيل ما قد يحدث.

في السابع من نوفمبر، أجيز عرض Joyland مرة أخرى في أجزاء من البلاد مع أنه لا يزال محظورًا في البنجاب، المقاطعة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في البلاد، حيث كان تصوير Joyland. في ذلك الوقت، كان يُعرض فيلم Maula Jatt في دور السينما المزدحمة بعد أن حصل على تصنيف عالمي من الرقيب مع أنه يتضمن عنفًا جنسيًا ويتطرق إلى الكحول والمخدرات وغيرها من الأعمال البشعة صنّفَ للمشاهدين فوق سن الـ18 في المملكة المتحدة، تعتقد خان أن الفرق في ذلك هو أن الجماهير تتفهم العنف ولكن لا تتفهم الموضوعات التي يتطرق لها فيلم Joyland، وتقول: “في أي وقت يُصوَّر فيه الأشخاص المتحولين جنسيًّا في الأفلام أو على شاشة التلفزيون نبدو وكأننا نمثل مشهدا هزليًا أو شخصية مثيرة للشفقة، ولسنا بشرًا ذو طبيعة مُعقدة أو أشخاص موهوبين يستحقون الاحترام، لا يريد الناس رؤية الرجال والنساء المتحولين جنسيًا إلا إذا كانوا يتسولون أو يرقصون».

إن لفيلم Joyland موعظة، فهو يحكي لنا عن مكان يُمنع فيه أي مصدر للمتعة، فتظل الرغبة غير محققة، في الوقت الذي يركز فيه من يؤيدون قرار الحظر على شخصية القصة المتحولة جنسياً، يغفلون أن الفيلم ما هو إلا تصوير عميق لجميع أفراد «عائلة رانا»، وطموحاتهم والعار الذي يرافقهم وهم يسعون جاهدين ليكونوا محترمين من خلال كبح رغباتهم، وتقول الفنانة راستي فاروق: «لا يمكننا أبدًا رؤية معاناة أو حزن الإناث الذي يُصوَّر عادة على أنه شاذ أو مفرط، بالطريقة التي نراها في هذا الفيلم». ففي المسلسلات التلفزيونية الشهيرة يُصبح هذه الحزن مقبولاً فقط عندما يكون ردة فعلٍ على البلاء أو الموت، وتطفل الأصهار، والأزواج صعبي المراس، ولكن لا يكون مقبولاً عند الخسارة الحقيقية، ألا وهي خسارة النفس.

ومع ذلك، لا يزال صادق متفائلًا؛ فقد أدرج الفيلم ضمن قائمة الأفلام المُرشحة لجائزة الأوسكار، صحيح أنه لم يُرشح ترشيحًا رسميًا في النهاية، إلا أن دعمه ورفع الحظر عنه يشير إلى تقدم وفتح المجال لقصص أخرى، كما يقول نحن على أعتاب التغيير، في المرة القادمة التي يُتهم فيها فيلم بأنه مبتذل أو يروج لصورة سلبية عن باكستان، سيشعر الناس بالملل والانزعاج؛ فالجمهور لا يريد أن يُفرَض عليه ما يمكنه مُشاهدته أو ما لا يمكنه مشاهدته».

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى