الفيلم الوثائقي “Challenge: Science Against Cancer”.. من وجهة نظر القيم الفني
ألبرت أوهايون
يأتي الاحتفال باليوم العالمي للسرطان في 4 فبراير من كل عام منذ عام 2000 لزيادة الوعي حول هذا المرض. ويهدف لحث الجميع معًا على العمل للمساهمة في إنهاء وفيات السرطان التي يمكن تجنبها وإتاحة العلاجات المنقذة للحياة للجميع. بروح هذا اليوم المهم، ستركز مدونتي حول الفيلم الوثائقي القصير المرشح لجائزة الأوسكار “Challenge: Science Against Cancer” وهو من إنتاج المجلس الوطني للأفلام في كندا NFB عام 1950، له نشأة وتاريخ مثيران للاهتمام للغاية.
في أواخر أربعينيات القرن العشرين، تواصلت وزارة الصحة الوطنية والرعاية الاجتماعية في كندا مع المجلس الوطني للأفلام في البلاد لصنع فيلم عن السرطان. وكان المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة يتطلع أيضًا إلى إنتاج فيلم حول هذا الموضوع. عندما علم المعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة أن المجلس الكندي للأفلام قد يكون مشاركًا في المشروع، اتصلوا بنظرائهم وطلبوا من الوكالتين الوطنيتين ضم مواردهما لإنتاج فيلم وثائقي “ممتاز” ومع اهتمام المجلس الوطني الكندي للأفلام بمسائل الإنتاج، فقد أعُجب الأميركيون للغاية بسلسلة الأفلام التي صنعها المجلس الوطني الكندي لأفلام حول الأمراض العقلية وشعروا أن الإنتاج الكندي سيكون الخيار المثالي لمثل هذا الفيلم الوثائقي المهم.
كتب السيناريو موريس كونستانت “عالم أحياء وكاتب سيناريو” بمساعدة كبيرة من المستشفيات والمختبرات ورابطة الكليات الطبية الأميركية. تم التصوير في أواخر عام 1949 في مستشفى تورنتو العام، وجامعة تورنتو. شارك العديد من صناع الأفلام في المجلس الوطني الكندي للأفلام، حيث شارك مورتن باركر منتج فيلم “The Stratford Adventure” في الإخراج، وكولين لو “Universe” وإيفلين لامبارت “Begone Dull Care” مسؤولًا عن المشاهد المتحركة. تم تصوير الفيلم بأكمله كموضوع خفيف، إضافة إلى الممثلين والموسيقى الدرامية “من صنع لويس أبلباوم”.
الفيلم الناتج كان بعنوان “Challenge: Science Against Cancer” وكانت مدته 36 دقيقة. وركز بشكل أساسي على علماء الأبحاث الذين يحاولون إيجاد علاج للمرض. أقيم العرض العالمي الأول في نيويورك وكان من تنظيم منظمة الصحة العالمية. وقد نال الفيلم اعجابًا كبيرًا، تم إرسال نسخ تُعرض بحجم 16 ملم إلى المكاتب الإقليمية لجمعية السرطان في كل من كندا والولايات المتحدة الأميركية. كما تم تقديمه إلى العديد من المهرجانات السينمائية، وفاز بجوائز في مهرجاني البندقية ونيويورك.
أراد المعهد الوطني للسرطان بالولايات المتحدة طرح الفيلم في صالات العرض، لأنهم شعروا أن الموضوع يمثل أمرًا حيويًا، وأرادوا أن يتعلم الجمهور العام المزيد عنه. في 36 دقيقة، كانت المدة المستمرة ببساطة طويلة جدًا للعرض في دور السينما قبل العرض الرئيسي. لجأوا إلى المجلس الكندي الوطني للأفلام لإنشاء نسخة بمدتين “20 دقيقة”؛ ولكن كان هناك شعور لدى المجلس أن 20 دقيقة طويلة للغاية، لذلك تم إنتاج نسخة مدتها 10 دقائق أيضًا للعرض في دور السينما في كندا.
تم تغيير عنوان النسخة التي تبلغ مدتها 20 دقيقة إلى “The Fight: Science Against Cancer” حتى يدرك المشاهدون أن السرطان “عدو” خطير يقتضي اتخاذ إجراءات هجومية، ومن هنا وقع الاختيار على كلمة “قتال fight”. وأضيفت لقطات جديدة إلى الفيلم، إلا أنه كان في نهاية المطاف نسخة مختصرة من الأصل. وعُرضت النسخة المختصرة هذه في دور السينما في الولايات المتحدة في أوائل شهر مارس 1951. ورُشح الفيلم لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم وثائقي قصير إلا أنه لم يفز بالجائزة التي نالها فيلم عن الحرب الكورية.
وعُرضت النسخة التي تبلغ مدتها 10 دقائق في دور السينما في كندا «في شهر مارس 1951 أيضًا» تحت عنوان “The Outlaw Within” وذلك ضمن سلسلة “Canada Carry On” الشهيرة. وجاءت التقييمات التي خضعت لها جميع الإصدارات الثلاثة إيجابية. كما فاز فيلم “The Fight: Science Against Cancer” بجائزة خاصة عن “التعبير الرائع عن مشكلة اجتماعية هامة” في حفل توزيع جوائز السينما الكندية.
ما يجعل هذا الفيلم مميزًا للغاية هو أسلوبه المباشر الذي يحاول من خلاله إماطة اللثام عن مرض السرطان، إذ في ذلك الوقت لم يكن لدى عامة الناس سوى معلومات محدودة عن المرض. فكان فيلم المعركة محاولة نبيلة لشرح مرض السرطان وتوضيح مدى التقدم الذي أحرزه العلم في إيجاد حل له.
أما على الصعيد السينمائي، فإن أقل ما يقال عن هذا الفيلم الوثائقي هو أنه فيلم رفيع المستوى. فعندما يصل بطلنا إلى المستشفى، يحدث تصاعد درامي في الموسيقى يتزامن مع اللحظة التي يدير فيها رأسه ليكشف لنا عن نمو ورم سرطاني في خده. وهناك أيضًا لحظة رائعة في الفيلم تصور لنا عالمًا يقوم على دراسة خلية سرطانية على شريحة وهو يسير حرفيًا فوق هذه الشريحة. وكانت الرسوم المتحركة على أعلى مستوى كذلك، إذ تحاول أن توضح لنا كيف تسير بنا الحياة وما يحدث عندما يحكم السرطان سيطرته على الجسم. لقد أبلى كل من لامبارت ولو، بلاءً حسنًا على هذه المشاهد الرائعة التي ربطت كل شيء معً.
لا شك أن مشاهدة فيلم “The Fight” في وقتنا الحاضر وبعد 70 عامًا من عرضه، سنجد أن كثيرًا من النقاط التي تعرض لها الفيلم من الأمور التي عفا عليها الزمن ولم تعد صالحة لحاضرنا. ويرجع ذلك إلى سبب واحد، وهو أن الأطباء توقفوا عن وضع أنابيب الراديوم على جلد المريض مباشرة لتدمير الخلايا السرطانية.
ويلمح الفيلم إلى أن الجينات قد تكون عاملًا رئيسيًا في الإصابة بالمرض، إلا أنه لم يأت على ذكر أنماط الحياة مطلقًا باعتبارها سببًا آخرًا للإصابة به. ناهيك بالطبع عن تدخين جميع المشاركين طوال الفيلم، بمن فيهم العلماء. “بل إن صناع الفيلم أضافوا جرعة من الفكاهة في أحد مشاهد المختبر عندما استخدم أحد العلماء كأسًا طبيًا مليئًا بالماء المغلي لإعداد كوب من الشاي!”.
أدعوكم جميعًا لمشاهدة هذا الفيلم الجريء الذي حاول تسليط الضوء على مرض قاتل لم يكن أحد يعرف عنه سوى القليل وقت عرض الفيلم. ربما تجد الفيلم قديمًا ويقدم معلومات قديمة، إلا أن رسالة الأمل الرائعة التي يبثها تستحق منا المشاهدة.
المصدر: سوليوود