تاريخ موجز لأفلامنا ذات الطابع البيئي | من وجهة نظر المحرر
مارك سان بيير
مع انعقاد الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف “27COP” في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في شرم الشيخ بمصر، والانطلاق المرتقب للمؤتمر الخامس عشر للأطراف «15COP» في اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في مونتريال في 7 ديسمبر، تصدرت التحديات البيئية عناوين الصحف أكثر من أي وقت مضى.
على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، كانت تلك القضايا محور اهتمام منتجي الأفلام في المجلس الوطني للأفلام “NFB”، الذين أنتجوا العديد من الأفلام المتعلقة بهذا الموضوع. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، مسلسل “The Lake Winnipeg Project” الذي عُرض عام 2021، من إخراج كيفن سيتي، وسلسة راميلاجيس “Gatherings” الوثائقية التي عُرضت عام 2020، من إخراج مويز ماركو شابوت، بالإضافة إلى فيلم بورياليس الذي عُرض عام 2020 من إخراج كيفن مكماهون، وفيلم “The Magnitude of All Things” الذي عُرض عام 2020 من إخراج جينيفر أبوت، وفيلم “The Whale and the Raven” الذي عُرض عام 2019 من إخراج ميريام لوز، وفيلم ”White Noise” الذي عُرض عام 2019 من إخراج سيمون بوليو.
ولكن هل كانت مثل هذه المخاوف موجودة دائمًا في أفلام المجلس الوطني للأفلام؟ قد تتفاجأ عندما تعلم أنه منذ تأسيس المجلس الوطني للأفلام في عام 1939، كانت القضايا البيئية جزءًا لا يتجزأ من مجموعتنا. بالطبع، تغيرت سياقات إنتاج الأفلام المتعلقة بهذا الموضوع مرارًا وتكرارًا، وتطورت أشكال عرضها على مر العقود، وكانت القضايا المطروحة والموضوعات المُعالجة متعلقة بالفترات التي أُنتجت فيها. يقدم هذا المقال نظرة عامة تاريخية على أفلام المجلس الوطني للأفلام المُتعلقة بالبيئة من أواخر ثلاثينيات القرن العشرين إلى يومنا هذا، مُسلطًا الضوء على بعض الفترات الرئيسية.
الحرب العالمية الثانية
عندما اندلعت الحرب في سبتمبر 1939، كان المجلس الوطني للأفلام قد ولد للتو. وبقيادة الخبير جون جريرسون، التزمت الوكالة بدعم الجهود الحربية للبلاد. سعت الأفلام التي أُنتجت في السنوات الأولى إلى تصوير دور كندا في النزاع، في الداخل وفي أوروبا، لتعزيز القيم الديمقراطية وإبراز صورة معينة للدولة وشعبها. مع حشد كل الطاقات لدعم الجهود الحربية في أفلامهم، لم يكن هناك سوى مجال ضئيل لدراسة القضايا المتعلقة بالبيئة. أدت الموارد الطبيعية دورًا رئيسًا في هذا الجهد الوطني. فمثلًا استُخدم الخشب الكندي كمادة حيوية في المصانع الحربية التي بنت ثكنات الجنود وأجنحة الطائرات. كما وفرت غابات كندا لبريطانيا العظمى، التي لم يعد بإمكانها الوصول إلى الخشب من الدول الاسكندنافية. وهكذا برز استغلال مواردنا المهمة، وكذلك حفظها وحمايتها، كقضية رئيسية خلال سنوات الحرب. يُقدم فيلم Timber Front الذي عُرض عام 1940 توضيحًا جيدًا لذلك الوضع.
أفلام مطلوبة
في فترة ما بعد الحرب، وتحديدًا في أواخر خمسينيات القرن العشرين وفي ستينيات القرن العشرين، كانت الأعمال المُتعلقة بالموضوعات البيئية تُنتج بناءً على طلب جهة معينة في الغالب. تناولت الأعمال التي أنتجها مجلس الأفلام لمختلف الإدارات الحكومية الفيدرالية جميع أنواع الموضوعات البيئية، من جودة المياه “فيلم Waterfowl: A Resource in Danger، 1947” إلى مكافحة الحشرات والطفيليات في الزراعة “فيلم Foresters، 1956″، والتهديدات التي تتعرض لها فصائل الطيور بسبب النشاط البشري “فيلم Waterfowl: A Resource in Danger، 1964″، والقطع الجائر للغابات “فيلم Foresters، 1968”.
على الرغم من تناول هذه الأفلام للعديد من المشاكل، إلا أنها اتسمت بلهجة مطمئنة، واقترحت حلولًا تدعي أنها فورية وفعالة وطويلة الأمد. يبدو الأمر كما لو كان يُقال للجمهور: “لا داعي للقلق من المشاكل، فخبراء وعلماء إدارات الصحة والزراعة والحياة البرية أو مصايد الأسماك الغابات «كما كانوا معروفين في ذلك الوقت يتعاملون مع الأمور”. باختصار، أخبرتنا هذه الأفلام أن حكومتنا تتعامل مع الأمور بشكل جيد! ويُعد فيلم “Waterfowl: A Resource in Danger” الذي عُرض عام 1964، من إخراج دون فيرجو، وأُنتج لصالح الخدمة الكندية للحياة البرية، مثالًا مثاليًا.
دق ناقوس الخطر
كان الواقع مختلفًا تمامًا؛ حيث شهدت سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين الأفلام التي تناولت عددًا من المسائل المثيرة للقلق بشأن مختلف القضايا البيئية وأثبتت أن الحلول المستدامة للمشاكل لم تُطور بعد، وأن الوضع لم يكن تحت سيطرتنا –كما نعتقد، أو أردنا أن نعتقد– كانت رسالة هذه الأفلام واضحة: لقد دق ناقوس الخطر!
أحد أوائل الأفلام الأولى التي تناولت هذه الأمور، فيلمًا وثائقيًا ممتازًا بعنوان “Atonement” وعرض عام 1971، من إخراج مايكل ماكينري. أُنتج هذا الفيلم أيضًا لصالح الخدمة الكندية للحياة البرية، ولكن كانت لهجته أكثر جدية. وأشار ماكينيري إلى أن العديد من أنواع الثدييات “مثل الدببة الرمادية والدببة القطبية” مهددة بالانقراض، وأن بعض أنواع الطيور “من بينها، الحمام الحامل وبط لابرادور والأوك الكبير” قد انقرضت بالفعل. وصور الضرر الذي لا يُمكن إزالته الناجم عن استخدام المبيدات الحشرية والآثار المدمرة للتلوث على العديد من أنواع الطيور، مثل البومة القرناء الكبيرة وصقر شاهين. وأخيرًا، لم يتورع عن انتقاد تقاعس مجتمعاتنا وتقليل أعداد كبيرة من السكان من شأن هذه المشاكل، محذرًا من أن أيامنا قد تكون معدودة إذا رفضنا الاهتمام أكثر بالحياة البرية حولنا. باختصار، بدأ العد التنازلي بالفعل!
في نفس العقد، بدا المخرج بيل ماسون قلقًا بشأن الانقراض المحتمل للحيتان والفظ وزعنفيات الأقدام والدببة القطبية في “In Search of the Bowhead Whale” عام 1974.
صور عالم المحيطات الشهير جاك كوستو وطاقمه ويلات التلوث في نهر سانت لورانس والبحيرات العظمى في إنتاج مشترك مع المجلس الوطني للأفلام، في فيلمه ”St. Lawrence: Stairway to the Sea” الذي عُرض عام 1982. تناولت المخرجة تير ناش التهديد الذي يشكله انتشار الأسلحة النووية على بقاء البشرية في فيلمها المؤثر If You Love This Planet، 1982، الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي «فئة الأفلام القصيرة». أصبح الأمر اليوم أكثر موضوعية من أي وقت مضى. يتناول فيلم “Trouble in the Forest” الذي عُرض عام 1988، وهو فيلم وثائقي من إخراج تول برواية ديفيد سوزوكي، ظاهرة الأمطار الحمضية، موضحًا كيف تقتل الأشجار وتسمم التربة.
النشاط البيئي
استمر مخرجو الأفلام في تسعينيات القرن العشرين والألفية في تصوير التحديات البيئية التي نواجهها، ولكن على عكس الفترات السابقة، هناك شعور بأنهم كانوا أكثر انخراطًا في مواضيعهم، وبالتالي كانت أفلامهم أكثر شمولًا وأكثر نشاطًا. حيث حثوا على حشد المواطنين واتخاذ إجراءات ملموسة، وسمحوًا للناس العاديين بإبداء رأيهم، وأثاروا النقاشات، وصوروا الجهود الجذرية للتصدي للصناعات والاحتكارات الكبيرة. وُجهت رسائل واضحة في أفلامهم: أصبح الوضع الآن حرجًا وحان الوقت لاتخاذ إجراءات ملموسة. الفيلم الوثائقي لجان فرانسوا مرسييه “Les quatre cavaliers de l’Apocalypse” الذي عُرض عام 1991، الذي قدمته وروته ليز باييت، تناول التهديدات التي تتعرض لها البيئة كحالة طوارئ وطنية. تُعد القمامة المنزلية وتلوث المجاري المائية والنفايات السامة وتدمير الموارد الطبيعية «أي ما يعادل فُرسان نهاية العالم الأربعة» هي أخطر أربع تهديدات لبيئتنا. يجب أن نتحرك، فحياة البشرية على المحك. وتناول فيلم المخرجة كارمن غارسيا «Beef Inc». الذي عُرض عام 1999، تجاوزات صناعة الأغذية الزراعية ووفر منصة لمنتجي اللحوم المستقلين الذين يكافحون للتنافس مع الشركات الأميركية التي تتحكم في الإنتاج والتوزيع. من خلال السماح للمواطنين بإبداء آرائهم، تناول الفيلم الوثائقي “Bacon, the Film” للمخرج هوغو لاتوليب، الذي عُرض عام 2001، تفشي عمليات الخنازير على نطاق واسع في مدينة كيبيك، وكشف عن آثارها الضارة على المجتمع والبيئة. استعرضت إيف لامونت ظاهرة الزراعة الصناعية في كيبيك والغرب الكندي وشمال شرق الولايات المتحدة وفرنسا في فيلمها “The Fight for True Farming” الذي عُرض عام 2005. تابع مخرجو الأفلام الوثائقية ماغنوس إيزاكسون ومارتن داكوورث جهود المواطنين لوقف تطوير محطة ناثلات غاز الميثان بالقرب من مدينة كيبيك في فيلم “The Battle of Rabaska: Chronicle of an Environmental Conflict” الذي عُرض عام 2008. بينما ألقى ريتشارد ديجاردان وروبرت مونديري نظرة فاحصة على صناعة التعدين الكندية في فيلم The Hole Story الذي عُرض عام 2011.
أمل يلوح في الأفق
تُعد الأفلام التي لخصتها من تلك الحقبة مُحبطة نوعًا ما. فملاحظاتهم مخيفة، وكفاح أبطالها يبوء بالفشل، في بعض الأحيان. حيث إنها تعطي انطباعًا “الذي نعرف الآن أنه صحيح” بأننا في طريقنا نحو كارثة. ببساطة، لا يُعتبر المستقبل مشرقًا على الإطلاق. وقد يفسر ذلك السبب في كون لهجة الأفلام الحديثة أكثر إشراقًا، وكونها تسعى لإحياء أملنا. تتبعت سيلفي فان برابانت في فيلمها الوثائقي “Earth Keepers”، الذي عُرض عام 2009، الناشط البيئي ميكائيل ريو وهو يلتقي برجال ونساء ذوي رؤية طوروا مشاريع مبتكرة تهدف إلى ضمان مستقبل أفضل لمجتمعاتنا. يقول الفيلم إن الحلول موجودة، ولكنها ببساطة تحتاج إلى تنفيذ على نطاق أوسع.
يتناول فيلم “Hope Builders” لفرناند دانسيرو، الذي عُرض عام 2010، موجة من الأمل. أمضى مخرج الأفلام الوثائقية عامًا مع مجموعة من طلاب الصف السادس في مدرسة على الشاطئ الجنوبي لمونتريال حيث يطبقون طريقة تعرف باسم البحث والعمل. ينطوي هذا النهج الجديد الذي اقترحه معلمهم تحديد مشكلة بيئية في منطقتهم، والبحث عن حلول لها ثم تطبيقها. تم إنتاج الفيلم بنفس روح الفيلم الوثائقي السابق لدانسيرو “An Ecology of Hope” الذي عُرض عام 2001 عن حياة وعمل عالم البيئة بيير دانسيرو. بينما يعالج فيلم ميلفيوري كلاركس بعنوان “Island Green” الذي عُرض عام 2013 وفيلم ”Debris” لجون بولتون الذي عُرض عام 2015 التشاؤم واليأس والشعور بالعجز الذي نشعر به أحيانًا في مواجهة التحديات البيئية.
البيئة والعمل الجماهيري
وماذا عن اليوم؟ في حين أن الشعور بالخطورة وضرورة التحرك لا يزالان قائمان، كما رأينا في فيلم White Noise لسيمون بوليو الذي عُرض عام 2019، وفيلم The Magnitude of All Things لجنيفر أبوت الذي عُرض عام 2020، تركز الأفلام الأخرى على الحلول، وتحافظ على درجة من التفاؤل، وتسلط الضوء على روح المجتمع التي ولدت في السنوات الأخيرة عند مواجهتنا للتحديات والمشاكل البيئية. تتجلى هذه الروح من خلال جهود سكان مدينة داوسون، يوكون، الذين يسعون لزراعة المحاصيل على مدار العام في الظروف المناخية القاسية. ويتناول هذا الموضوع المخرج ديفيد كورتيس في فيلمه «Sovereign Soil» الذي عُرض عام 2019.
يظهر هذا الأمر أيضًا في سلسلة راميلاجيس “Gatherings” الوثائقية التي عُرضت عام 2020، من إخراج مويز ماركو شابوت، حيث يقوم سكان مدينة غاسبيه، بما في ذلك السكان الجدد والسكان القدامى، بتنفيذ عدد من الأساليب البديلة لتربية الماشية وزراعة المحاصيل – مشاريع مجتمعية تعزز الاكتفاء الذاتي الغذائي من خلال المساعدة المتبادلة ومشاركة الموارد وتجميع الأفكار، مع التأكيد على الحفاظ على الأرض وجودة الغذاء. وأخيرًا، يظهر ذلك أيضًا في مجتمع كري حول بحيرة وينيبيغ، والذي ظهر في السلسلة الوثائقية الممتازة التي أخرجها كيفن سيتي بعنوان “The Lake Winnipeg Project” التي عُرضت عام 2021.
المصدر: سوليوود