أهمية الفيلم الوثائقي في العالم
عبدالمحسن المطيري
للفيلم الوثائقي اعتبارية هامة ومحورية حاسمة في القوة الناعمة للدول ليس فقط على مستوى أفلام السينما فحسب، إنما الأفلام التلفزيونية الخاصة بالتغطيات الإخبارية أو المسلسلات الوثائقية تجاه أي موضوع كان على المستوى السياسي أو العسكري أو الاجتماعي أو – وهو الأخطر- التاريخي.
بدأت الأفلام الوثائقية تكتسب أهمية تاريخية أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد كانت تعرض على نطاق واسع في سينما العالم لتعريف الناس بأحداث الحرب، خصوصًا أن فترة الأربعينيات لم يكن التلفاز حاضرًا في المنازل حول العالم في ذلك الوقت؛ لذلك كان لتلك الأفلام أثر بالغ لمن استخدمها بالشكل الصحيح، ولم يكن الاستخدام للأفلام فقط من دول الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة فحسب، إنما كانت ألمانيا النازية تستخدم الفيلم الوثائقي لتجنيد أكبر عدد ممكن من الألمان للانضمام للحزب النازي، كذلك بذكاء استخدم الاتحاد السوفييتي الفيلم من أجل تمرير الأفكار الماركسية والشيوعية داخل روسيا وخارجها.
للفيلم الوثائقي أهمية كبرى في تحديد مسار العملية الثقافية أو الأيديولوجية لأي بلد، وله من التأثير الشيء الكبير لدرجة قدرته على تغيير نمط التفكير، والمساهمة بتأثير سياسي أو اجتماعي تجاه أي شخصية أو قضية. فمثلًا، ساهم الفيلم الوثائقي لمايكل مور “Fahrenheit 11/9” في تدني شعبية الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، عندما عرض الفيلم بشكل واسع في عام 2004، وأظهر حقائق متعلقة بسيرة الرئيس الأميركي، خصوصًا بشأن الكذبة الأشهر في تاريخ الرئيس، وهي أسلحة الدمار الشامل العراقية. كذلك كان لفيلم “Super Size Me” تأثير سلبي على مبيعات مطاعم الوجبات السريعة في الولايات المتحدة. ولا ننسى الفيلم الأشهر حديثًا وهو “Citizenfour”، الذي يسرد قصة مختلفة عن تسريب معلومات هامة حول قيام وكالة الأمن القومي الأميركي بالتجسس على المواطنين الأميركيين من خلال المعلومات الشهيرة التي قام إدوارد سنودن بالكشف عنها في واحدة من أهم القضايا العصرية المتعلقة بالخصوصية.
مؤخرًا أثار الفيلم الوثائقي “what is a woman”، الكثير من الجدل في وسائل التواصل بسبب سحبه من جميع منصات الأفلام في الإنترنت بسبب موضوعه الذي يتعارض مع سياسة اليسار الداعمة للهوية الجندرية والحرية التعبيرية في اختيار الجنس؛ لذلك تم تعليق الفيلم حتى من العرض في موقع منصة اليوتيوب. ومع ذلك، نال الفيلم مشاهدة عالية، خصوصًا بعد تبني مالك تويتر – سابقًا – ومنصة «إكس» حاليًا، إيلون ماسك، سياسة الحرية في المحتوى وسمح بعرض الفيلم في المنصة؛ مما جعله يحقق مشاهدة عالية تجاوزت مليار مشاهدة.
لذلك تعي الكثير من مراكز التفكير حول العالم والمنصات البحثية وحتى الجهات التعليمية، سواء الحكومية أو المستقلة، أهمية العناية بالفيلم الوثائقي ومعاملته بنفس درجة أهمية الكتاب التاريخي والوثائق القديمة؛ لأننا نعيش في العصر الرقمي والتحول البشري في طريقة تلقي المعلومات بشكل متصاعد من مقروءة إلى مرئية، وجميع المعلومات ومصادر المحتوى تتحول بشكل تلقائي وتدريجي إلى الرقمنة البصرية، والمشاهدة المنزلية حسب الطلب ترتفع بشكل كبير لدرجة تجاوز السينما والقنوات الفضائية الرقمية. لذلك الفيلم الوثائقي سيعيش عصرًا هامًا وحاسمًا في المستقبل؛ ليكون أحد المصادر الهامة في الإنتاج البصري البشري.