الاحترافية في عدم الاحترافية
محمد عبدالله الأنصاري
منذ افتتاح صالات السينما داخل مناطق المملكة 2018، ويسيطر هاجس بناء سوق سينمائي سعودي يُنتج أعمالًا محلية من صناع أفلام محليين، لمَ لا وأن كل هذه القصص هي قصصنا وأحداث طفولتنا، لذلك الهدف الأسمى ما زال هو بناء بنية تحتية من استديوهات إنتاج إلى شركات الدعم اللوجيستي بهدف المنافسة وسرد قصص محلية تضع بصمة مثل إنتاجات “هوليوود”، وتسافر إلى المهرجانات العالمية كما فعل فيلم “مندوب الليل” لعلي الكلثمي، وفيلم “ناقة” لمشعل الجاسر إلى تورينتو مؤخرًا، وأفلام سعودية أخرى مثلت السعودية في محافل عالمية. هيئة الأفلام والجهات المعنية لتطوير هذه الصناعة التي تعتمد وبشكل محوري على الذائقة الفنية والتنوع في العاملين سواء في القطاع الإنتاجي أو الإبداعي، تدعم وترخص وتصرح لعدد كبير من شركات التمويل المعنية بتمويل صناع الأفلام محليًا لإنتاج حصيلة أفلام محلية تجول صالات السينمات المحلية والعالمية، والتي من المفترض أن توفر فرص عمل للعاملين في الصناعة داخليًا لبناء سوق سينمائي لا ينافس هوليوود التي تتكرر بها المشاهد غير الاحترافية، بل بناء سوق احترافي يحتذى به.
على الرغم من موجات الدعم المتجددة تتكرر التصرفات غير الاحترافية داخل ساحات الانتظار في جهات تمويل الأفلام. قد يبدو المنظر ضبابيًا بعض الشيء بالنسبة لجهات التمويل، وتعدد خيارات صانعي الأفلام المختلفين يسبب لهم قلقًا على ما يبدو؛ لذلك يفضل الأغلبية السير نحو: لماذا العمل، وتمويل صانعي أفلام مختلفين، وتطوير سوق متنوع.. وبالإمكان تمويل صانعي أفلام معينين والمساهمة في إخراج أفضل الإمكانات لديهم. هذه الأساليب الإدارية المتبعة داخل جدران جهات التمويل قد تكون فعالة إذا كانت هذه الجهة شخصية وذات مصالح محدودة، ولكن إذا كانت هذه الجهات لا تدعم الرؤية التي تتطلع لها الجهات المعنية لتطوير سوق أفلام منافس على الصعيد العالمي، لا نستطيع إنتاج أفلام مختلفة وتدريب قوى عاملة في جميع القطاعات في حال كانت هذه القوى العاملة هي نفسها من تعمل على كل الأفلام المنتجة في السوق. قد تبدو هذه النظرة مجحفة بعض الشيء، لكن تكرار الأسماء المدعومة من صناديق الدعم المعنية بتمويل السوق، يظهر هذه الجهات بمنظر غير احترافي. في حين أن السوق المحلي جدًا خصب، وأن الحمل الأكبر يقع على جهات التمويل هذه التي لديها بطاقة الصعود لصناع الأفلام المحليين لإنتاج أفلام متنوعة بجودة سينمائية متكافئة مع باقي الصناع “المشاهير”.
لسوء حظ البعض، يقع تقييم استحقاق الفيلم للتمويل تحت يد مجموعة قد يكون الإنصاف ضائعًا بين أوراقها، واختيار من يمكنهم المساهمة لتحسين صورة هذه الجهة الممولة قد يكون هو أهم الأوراق هنا. لكن المجال السينمائي والسوق الإنتاجي لا يبنى على استراتيجية فردية، بل بنظرة أكثر شمولية للسوق ودعم صناع أفلام باختيارات فنية مختلفة لبناء أعمال سينمائية تمثل الأفكار المتنوعة في مجتمع تتنوع فيه الثقافات والقصص.