عضة ذوقها رفيع
محمد عبدالله الأنصاري
السينما محيط شاسع لا حدود له، وسط أمواجه تقع الأفلام الدرامية والرومانسية، في أحد جوانبه خليج هادئ ومضاء بنور الشمس يُعرف باسم خليج الكوميديا، يعد هذا الخليج ملاذًا حيث يمكن لصانعي الأفلام والجمهور على حد سواء الغوص في مياه الضحك والدراما المنعشة، لطالما كانت الكوميديا الضوء اللامع في منتصف رواية القصص السينمائية، تُنسج الحكايات من المرح والسخافة الممتعة، التي تسد ثقوب الحالة الإنسانية. إن السباحة في خليج الكوميديا ليس مجرد نشاط؛ بل فن، ورحلة عبر المناظر السينمائية المبهجة والساذجة أحيانًا. في هذا الخليج تمتلئ التيارات بالإبداع الكوميدي، من توجيهات المخرجين لسفنهم، التي ترفع أشرعة الممثلين، بتقديم عروض عميقة محيرة، كما كان يفعل صمت تشارلي شابلن للجمهور والضحكات التي لا تفارق أفلامه، إلى أعمال تايكا وايتيتي الآن، وغيرهم مِمَّن يملؤون الخليج بأعمال سينمائية كوميدية متألقة.. الكوميديا في السينما هي أيضًا مرآة للمجتمع، تعكس خصوصياتنا، وتتحدى معاييرنا، وتشجعنا على رؤية العالم من منظور فكاهي، والتنفس بعد التنفيس، كذلك الراحة والهرب للحظات إلى عالم يسوده الضحك.
العمق الذي لا يسبب الاختناق
يمكن أيضًا العثور على العمق السينمائي في استكشاف الموضوعات والرمزية، يستطيع صناع الأفلام نقل الأفكار المعقدة والتعليقات المجتمعية دون خنق جمهورهم. يعد فيلم (2001) “A Space Odyssey” لستانلي كوبريك مثالًا رئيسيًا للعمق المثالي، وللغموض السريالي للفضاء، والتفكير في طبيعة الوجود البشري، والذكاء الاصطناعي السابق لزمانه، والتطور؛ كل ذلك مع الحفاظ على هالة من الغموض. لكن في هذه السنة تم الكشف عن خليج جديد.. وهو فيلم “El Conde” الذي لم يكن فقط تحفة فنية، بل عمل عميق يمكن السباحة في أعماقه. يعود المخرج التشيلي Pablo Larraín إلى وطنه مع نسخة بديلة من تاريخ بلاده، متخيلًا الدكتاتور القاتل General Pinochet كمصاص دماء يبلغ من العمر 250 عامًا. بعد أن زيف موته، يختبئ بينوشيه المعروف أيضًا باسم El Conde الذي مثل دوره الممثل Jaime Vadell، في مخبئه المتداعي في باتاغونيا، على أمل الموت. هذا الملل الذي يعاني منه في نهاية حياته منزعجًا من عائلته التي تسعى إلى الحصول على المال، وخادمه غير المخلص “ألفريدو كاسترو”. كان بينوشيه ذات يوم جنديًا فرنسيًا آكلاً للمتمردين الذي أبحر إلى أميركا الجنوبية باحثًا عن اللحوم الطازجة، باستثناء أن “لارين” المخرج أضاف الجانب المضحك للفيلم ووضع حقيقة أن الجنرال الدكتاتور قد أشرف على اختفاء الآلاف من التشيليين، لكن نسخة “لارين” من الرجال فعلت ذلك أيضًا بتعديل واحد فقط؛ وهو أن الجنرال مزج ضحاياه في عصير، وهو ما يُظهر أن ذوق “لارين” في الفكاهة لاذع مثل ذوق الكونت في الدم.
أن تصبح في خانة الأفلام الكلاسيكية
إن العمق في فيلم “El Conde” هي شهادة على براعة وإبداع المخرج التشيلي Pablo Larraín، الذي يثبت أنه عندما تكتمل الجوانب الفنية والإنتاجية لتنفيذ عمل سينمائي ببراعة، يمكن أن يرتقي الفيلم إلى عمل كلاسيكي ثمين. ومع ذلك، فمن الضروري تحقيق التوازن، والتأكد من أن العمق يعزز تجربة المشاهدة بدلاً من خنقها. في النهاية، يكمن جمال العمق السينمائي في قدرته على إلهام التفكير وإثارة المحادثات لفترة طويلة، نحن كمشاهدين مدعوون للغوص في عمق فيلم “El Conde”، واستكشاف عالم رواية القصص المعقد تحت الماء دون خوف من الغرق.
المصدر: سوليوود