
حين يُطفأ الحلم.. يموت الإنسان واقفًا
حين يُطفأ الحلم.. يموت الإنسان واقفًا
محمود عبدالراضي
ليس الموت دائمًا موعدًا طبّيًا تُدوّن فيه آخر نبضة قلب، ولا هو لحظة عجز فيها الجسد عن الاستمرار، بل كثيرًا ما يزورنا الموت ونحن ما زلنا نتنفس، نتحرك، نبتسم على استحياء، لكن دون رغبة.. دون حلم.. دون أمل.
يموت الإنسان حقًا، حين يطفئ شمعة التمني داخله، حين ينطفئ ببطء دون ضجيج، وكأن الروح تسحب ظلها من الجسد خلسة، وتتركه في زحام الأيام مجرد رقمٍ آخر.
التمنّي ليس رفاهية فكرية، ولا مجرد ترف عاطفي نمارسه قبل النوم، بل هو نبض سري يغذي القلب بالحياة، هو الوقود الذي يُبقي أرواحنا مشتعلة، حتى في عزّ العتمة.
من يتمنّ يزرع، ومن يتمنى يرى ما لا يُرى، ويؤمن بما لا يُمس، ويمشي نحو ما لا يُدرَك إلا بالقلب.
إنك حين تسأل رجلًا فقد القدرة على التمني، كأنك تسأل شجرة فقدت جذورها، تقف نعم، لكنها تنتظر السقوط، أما أولئك الذين يشعلون قلوبهم بفتيل الأمل، فحتى وإن ضاقت بهم السبل، ترى في أعينهم ضوءًا لا تطفئه العواصف.
في مجتمعاتنا، يتكاثر الموتى دون جنازات، شباب فقدوا شغفهم، نساء كسرهن الانتظار، رجال احترفوا الصمت، لأنهم ببساطة لم يعودوا يتمنون.
كل من فقد الحلم مات قبل أن يودع الحياة، فالوطن لا يُبنى بمن يتنفس فقط، بل بمن يحلم، ويتمنى، ويؤمن أن الغد قابل للدهشة.
علينا أن نُعيد للقلوب لغتها الأصلية، لغة التمنّي، أن نقول لطفل صغير: ماذا تحلم أن تكون؟ وأن نقول لشيخ كبير: لمَ لا تبدأ الآن؟ أن نكتب على جدران الخوف عبارة بسيطة: من حقك أن تتمنى، وإن طال الطريق.
المجتمع الذي يُقدّس التنفس ويهمل التمنّي، هو مجتمع يخرج أحياءً بالهوية، موتى بالداخل، لا تُقاس حياة الإنسان بعدد أيامه، بل بعدد المرات التي حلم فيها رغم الألم، وتمنى رغم الانكسار.
من هنا يبدأ الإحياء الحقيقي: حين نُعطي للتمنّي مكانته، ونجعل من الحلم وطنًا داخليًا لا تحتله الخيبات.
فالهواء وحده لا يكفي للبقاء، ما يُبقي الإنسان حيًا هو ما يراه بعين قلبه، لا بعين وجهه، وما يُحركه ليس نبضه البيولوجي، بل رغبته في الوصول إلى غدٍ لم يُولد بعد.
المصدر: اليوم السابع