أخت بلادي
عمر غازي
تحتل مصر مكانة خاصة في قلوب شعوب عديدة حول العالم، والعكس صحيح، لكن عندما نتحدث عن الشعوب الأقرب إلى مصر، فإننا نبحث عن تلك التي تربطها بمصر علاقة تاريخية وثقافية عميقة تمتد لآلاف السنين، فمصر، بحضارتها العريقة وتأثيرها الثقافي الواسع، كانت دائمًا مركزًا للتفاعل والتبادل مع جيرانها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من هي الأقرب إلى الشعب المصري وفقًا للدراسات العلمية ووقائع التاريخ؟
وفقًا لدراسة أجرتها جامعة كامبريدج عام 2017 حول الجينات البشرية والتفاعلات الثقافية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أظهرت النتائج أن الشعب السوداني يُعد من أقرب الشعوب إلى المصريين من حيث التركيب الجيني، وهذا التقارب لا يقتصر على الجينات فقط، بل يتجلى أيضًا في تشابه العادات والتقاليد واللغة المتداولة بين البلدين، حيث تتقاطع اللهجة المصرية مع السودانية في مفردات كثيرة أكثر من أي لهجة عربية أخرى، ويشارك الشعبان في تاريخ مشترك يتجاوز الحدود السياسية.
التاريخ يؤكد هذا الارتباط العميق بين مصر والسودان، فقد كان وادي النيل الممتد من مصر إلى السودان مهدًا للحضارات القديمة، وشكلت الثقافات المصرية والنوبية تحالفات سياسية وثقافية لآلاف السنين، وخلال حكم الفراعنة، كانت النوبة جزءًا من المملكة المصرية، وكان هناك تبادل مستمر بين الشعبين في مختلف المجالات، وهذا الترابط استمر حتى العصر الحديث، حيث نجد أن السودان كان جزءًا من مصر تحت الحكم العثماني والبريطاني.
وكطبيعة العلاقات بين الدول حول العالم لم تكن العلاقة بين مصر والسودان دائمًا خالية من التوترات، خاصة في السياق السياسي، فالتباين في المصالح والسياسات أحيانًا أدى إلى خلافات، مثل النزاع على الحدود وغيرها، ولكن على الرغم من هذه التوترات، ظلت الروابط الثقافية والاجتماعية بين الشعبين قوية وعميقة.
إلى جانب السودان، تُعد المملكة العربية السعودية من أقرب الشعوب إلى المصريين، ليس فقط جغرافيًا، بل أيضًا من حيث العلاقات التاريخية والدينية والاقتصادية، فالمملكة العربية السعودية ومصر تجمعهما روابط عميقة تمتد لقرون، منذ الفتح الإسلامي والهجرات العربية الكبيرة من الجزيرة العربية على مدار قرون.
العلاقة بين مصر والسعودية تعود إلى تاريخ طويل من التعاون والتآزر، فالمملكة كانت دائمًا داعمًا لمصر في العديد من الأزمات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، فخلال حرب أكتوبر 1973، كان الدعم السعودي لمصر حاسمًا، حيث استخدمت المملكة نفوذها الاقتصادي والسياسي لدعم الموقف المصري.
من ناحية أخرى، تُظهر الدراسات أيضًا أن الشعب الليبي يُعد من أقرب الشعوب إلى المصريين، ليس فقط جغرافيًا، بل ثقافيًا وتاريخيًا أيضًا. وفقًا لدراسة نشرتها مجلة “Cultural Anthropology” عام 2020، أظهرت النتائج أن هناك تداخلًا كبيرًا في العادات والتقاليد بين المصريين والليبيين، خاصة في المناطق الحدودية مثل مرسى مطروح وسيوة، وهذا التداخل يعكس قرونًا من التواصل والتفاعل بين الشعبين عبر الصحراء الغربية.
علاقة المصريين بالليبيين تعود إلى عصور الفراعنة أيضًا، حيث كانت ليبيا القديمة معروفة لدى المصريين وكانوا يتفاعلون معها بشكل مستمر، وفي العصر الحديث، شهدت مصر وليبيا تحالفات سياسية وثقافية قوية، حيث كانت هناك محاولات لتشكيل اتحاد بين البلدين.
ولا يمكننا أن ننسى العلاقة الوثيقة بين مصر وفلسطين، حيث تربط الشعبين علاقات ثقافية ودينية عميقة، ووفقًا لدراسة نشرتها جامعة هارفارد عام 2019، أظهرت النتائج أن هناك تقاربًا كبيرًا بين الشعبين من حيث العادات والتقاليد واللغة، وهذا التقارب يعود إلى التاريخ المشترك بين البلدين، حيث كانت فلسطين جزءًا من الإمبراطورية المصرية في بعض الفترات التاريخية، وشهدت العديد من التفاعلات الثقافية والدينية مع مصر.
وعلى مر العصور، كانت مصر دائمًا الملاذ الآمن للفلسطينيين خلال الأزمات والحروب، وهو ما زاد من روابط المحبة والتقدير بين الشعبين، ولا تزال مصر حتى اليوم تلعب دورًا محوريًا في دعم القضية الفلسطينية، مما يعكس الروابط العميقة التي تجمع بينهما.
أواصر القربى والدم، والروابط الثقافية والتاريخية، والمصير المشترك بين مصر وأشقائها، يتخطى الحواجز السياسية التي لا تعدو أن تكون سحابة صيف عابرة في لحظات التوتر، فهناك ما هو أقوى من مجرد علاقة بين دولتين، بل هي علاقة أخوة حقيقية، تمتد جذورها عبر الزمن، وتتجسد في كل ما هو مشترك بين الشعبين.