الموجات والتغييرات السينمائية طوال التاريخ
عبدالمحسن المطيري
عند الحديث عن الموجات في السينما تكون دائمًا حاضرة الموجة الفرنسية التي أخذت الصيت الأكبر في تحديثات نمط سينما معنية تابعة لدولة معينة، ولكن المتتبع لحركة السينما طوال التاريخ يجد أن هناك الكثير من التغييرات والأنماط والأساليب والموجات الأخرى التي لها أثر ليس على السينما فحسب، إنما على الفنون بشكل عام، وحتى على التغييرات السياسية والاجتماعية، وأحيانًا تكون هي نتاج أو ردة فعل لحدث سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي مثل: الواقعية الإيطالية والتعبيرية الألمانية.
لا شك أن الاستخدام المؤدلج للسينما الفكرية بدأ مع المونتاج السوفييتي الذي كان له أثر بالغ أولًا على صناعة السينما، ولاحقًا على نشر الشيوعية أكثر في الاتحاد السوفييتي والدول المحيطة به. ولكن السينما تأثرت أو أثرت في عدد من العوامل الطبيعية وغير الطبيعية في مناطق مختلفة حول العالم، بدءًا من الكساد الذي حل على الاقتصاد الألماني، ثم حالة الانهزامية المجتمعية التي حلت بالمواطنين الألمان بعد خسارة الحرب العالمية الأولى؛ مما شكل نمط الأفلام التعبيرية الألمانية التي كانت كئيبة المنظر، حادة في النمط الفني والشكل الهيكلي، وسوداوية المعنى والمظهر.
وانبثقت الواقعية الإيطالية كنتيجة طبيعية لتدمير إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية واختفاء التمويل – الكاش – من الاستديوهات في إيطاليا، بحكم أغلب التمويل كان موجهًا لإعادة الإعمار ما بعد الحرب، فيما كانت الموجة الفرنسية ردة فعل نقدية تجاه الكلاسيكية النخبوية المفرطة للأفلام الفرنسية في فترة الخمسينيات.
لا ننسى موجة أفلام النوار، في فترة من الفترات في هوليوود، ثم مؤقتًا النهضة الاسكندنافية مع كارل ثيودور دراير وإنجمار بيرجمان، ثم الواقعية الجديدة الأميركية وهناك من يسميها «هوليوود الجديدة»، التي بدأت مع «الواجهة البحرية» لكازال وبراندو. وفي نهاية الستينيات خرج لنا خط جديد ومختلف في الويسترن «الغربي» بقيادة سيرجيو ليوني وأفلام السباغيتي، تبعها فيلم «الطريق» والهيبيز والشباب الجدد في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، التي كانت ردة فعل طبيعية للحراك الاجتماعي الحقوقي الأميركي وتبعاته من معارضة حرب فيتنام، مرورًا بسينما مختلفة في العالم بداية من السينما الشاعرية للمخرج الروسي تاركوفسكي ومعه السويدي انغمار، إلى سينما الهامش في إيران التي كانت نتيجة للشروط القاسية لنظام طهران، وانتهاء إلى منتصف التسعينيات مع العقيدة 95 أو ما يسمى دوغما، والحركات المستقلة التي تخلصت من المؤثرات البصرية والحسية في السينما، ثم عصر أفلام الديجتال التي خلقت جيلًا كاملًا من صناع الأفلام المستقلين حول العالم مما يُعرف بالسينما المستقلة العالمية.