عزيزي السينمائي .. أين تذهب هذا المساء؟
عبدالله الزيد
في إحدى زوايا شارع عماد الدين وسط البلد، أو كما يحلو للبعض تسميته بـ”شارع الفنانين”، هناك حيث لا يزال يتربع حتى اليوم واحد من أقدم المقاهي الشعبية في القاهرة. مقهى “سيد الزناتي” والمعروف باسم “مقهى بعرة”، وقيمة هذا المقهى أنه كان نقطة انطلاق للكثير من الفنانين، والعازفين، والمخرجين، وفرق الكومبارس، لمجموعة ليست بالقليلة من الأفلام المصرية منذ الثلاثينيات.
“سي سيد” هذا ليس بدعًا من المقاهي من ناحية لمة الفنانين والكتاب وغيرهم من المبدعين. فقد كان، على سبيل المثال وليس الحصر، “كافي دو فلور” في باريس يحتضن وجوديات جان بول سارتر وكامو، وكذلك كانت ناصية مقاهي “ماتاتيا” و”الفيشاوي” مرتعًا خصبًا للفكر والثقافة والفن.. كما رُسمت على أرصفة مقاهي فينا النمساوية ليالي الأنس وأعرق اللوحات.
وبالمناسبة ولأن الحديث ذو شجون، ربما تجب الإشارة إلى أن فكرة «المقاهي» حيث يجتمع الناس لتبادل الحديث وشرب القهوة مقابل المال، هي بالأساس فكرة عربية أصيلة. فقد جاء بها مهاجران من سوريا إلى الباب العالي في إسطنبول مطلع القرن الثاني عشر الميلادي؛ ليؤسسا هناك أول بيت قهوة بالتاريخ! وهي فكرة مقتبسة من تجمعات دراويش الصوفية الذين يتناولون القهوة لزيادة التركيز والتقوى على الذكر والنسك. وهذه المعلومة بعض ما جاء في مخطوطة “غاية الأمنية في القهوة البنية” التي كان كاتبها شاهدًا على ذلك العصر؛ وليست من كيس كاتب هذه المقالة المتواضعة غفر الله لي ولكم!
ما أريد أن أقوله، هو أن «الجماعة المهنية» في أي مجال سينمائي أو غير سينمائي، هي متغير مهم في تطور المهنة، وهذه الجماعة – في الغالب – لا تتكون في المكاتب والوزارات، فهذا شكل من التنظيم عقلاني يمتاز بالرتابة والتقليدية والبيروقراطية. أما الجماعات المهنية الديناميكية الحية، فهي شكل إنساني واجتماعي بحت يتم عبر العلاقات واللقاءات البسيطة. والسؤال هنا: أين تلتقي الجماعة المهنية في مجال السينما أو الفنون الأخرى في السعودية؟.. الواقع يقول إن التجمع غالبًا يكون ضمن فعاليات مرتبة وقصيرة في مهرجانات أو ملتقيات تنظمها المؤسسات الرسمية.
ولذا، الجماعة الفنية في السعودية تمتاز بالشللية، وتربطها الفلوس وليس النفوس! وهذا ليس عيبًا على كل حال، ولكن هذا الشكل من الترابط يؤسس لمجتمع فني ولا يؤسس لجماعة فنية. والجانب الإبداعي عادة ما يتطور من خلال الجماعة؛ بينما يتطور الجانب الإداري والتجاري في المجتمعات.
وعلى ذكر أماكن تجمع الفنانين السعوديين، وفي حديث عابر ومقتضب مع الصديق العزيز أحمد الملا، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية السينما السعودية، ذكر لي – بحماسه المعتاد – أن مقر الجمعية في مدينة الخبر سيضم بين جنباته صالونًا للقاءات مفتوحًا بشكل يومي لكل السينمائيين والمهتمين، وفكرة الأستاذ أحمد قالها لي – وهو لا يعرف عن رأيي أو عن هذه المقالة – ولكن يبدو أن هذا تقليد يجب الاعتياد عليه، أقصد أن الابتكار والجديد في السينما السعودية يأتي من حيث الشرق – غالبًا – وتحديدًا من جمعية السينما السعودية في المنطقة الشرقية. تحيتي للشرق وأهله، ولكم أيضًا من هذه التحية وافر النصيب. ثم إني أعيد طرح سؤالي مرة أخرى أيها السينمائي السعودي العزيز: أين تذهب هذا المساء؟ وهل لك أي لقاء مع جماعة سينمائية؟