آراء

ماذا رأى الحارس؟

عهود حجازي
«الحارس» فيلم قصير من إخراج السعودي فيصل الحربي، وكتابة خالد الحربي «2013».

عرض الفيلم قصة بدت تقليدية في زمن الانغلاق على الفنون واحتساب بعضها على الإفساد. حارس الأمن الذي يمنع فرقة مسرحية من أداء عروضها وتضييق الأمر عليها، بحجج مختلفة كل مرة. لكنه في آخر الفيلم يظهر مستمتعًا بالمشاهدة ويصعد بنفسه على خشبة المسرح ذاتها. فما هو الشيء الذي أدى إلى انقلاب موقفه من النقيض إلى النقيض، بدون مقاومة ولا معارضة.

ماذا رأى الحارس؟
لا يمكن غض النظر في البداية عن اهتمام الفنون ببناء الإنسان، ومحاولة تهذيب طبائعه، وتبصيره بجمالياته، ومزايا الموجودات من خلال نوافذها الواسعة. فمشاهدة لوحة صينية أو منحوتة من آيسلندا، أو سماع مقطوعة موسيقية هندية والتأثر بها، بدون الحاجة إلى تعلم لغاتها، يجعل الفن لغة عالمية بدون وسطاء، الأمر نفسه الذي يؤدي إلى استنتاج أهمية الفن وجدواه في حياة الناس.

الحارس البسيط استطاع التقاط هذه اللغة واستشعار آثارها ببطء وعلى أكثر من مرحلة، متخلصًا من وهم المعرفة الذي ظل حائلاً بينه وبين تلقي هذه المنحة.

في المرحلة الأولى كان ممانعًا بشدة، لأن محاولات الممثلين لدخول المسرح احتاجت إلى وسيط، وفي المرحلة الثانية بدأ بمرافقتهم لتحجيم الخطأ وتقليل أثره بحسب تصوُّره. لكننا نلحظ أنَّه دخل إلى مرحلة الشك بما كان موقنًا به حين انقلب من مانع إلى مشارك، وذلك عندما تداخلت القصة المسرحية مع عاطفته وحركت شعوره، حين حملت قصة إنسانية أثرت في وجدانه، فصفَّق وصرخ وضحك وبكى. وهذا ما يحيل إلى نقطة أخرى أكثر أهمية، وهي تأثير الفنون على العاطفة وقدرتها على تغيير فكر الإنسان ومواقفه وقرارته؛ فمن كارهٍ مبغِض للمسرح، إلى متابع مهتم ومشجع لتتابع المشاهد التمثيلية. إنه تأثير العاطفة الساحر المخيف، السلاح والوردة، الغيث واللغم، القدرة على منح الأشياء صفات لا تحتملها وتجريدها مما تحملها؛ هذه هي القدرة التي تمنحها العواطف.

وهنا التفاتة لما ورد في بادئ المقال من أن هذه القصة تقليدية، فهل كانت كذلك حقًا؟

تجدر الإشارة إلى أنَّ اعتبار المعتاد على أنه مضاد للتجدد فيه نظر، فالفكرة التي يتبناها محيطٌ واحد تحتاج أن تحللها عقول مختلفة، وموقف الحارس لم يكن موقفًا خارجًا عن البيئة في ذلك الوقت. لكنَّ النظر إليه الآن بعد التغييرات المشهودة أصبح مستهجنًا، بل تعديًا على حدود الآخرين. وهنا تحولت القصة الواقعية إلى طرفة لها شعبية وتاريخ متشارَك، وتُشير إلى التحولات ببساطة.

هذا الفيلم، على تقليديته، ابن بيئته الذي لم يحاول سلوك المستغرَب لمجرد التجديد، وأصبح الآن شاهدًا على التغيير الذي أرانا جميعًا ما رآه الحارس.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى