فاطمة العدلاني
ما يُصّعب هذا الزمان ويعوق ساكنيه معاوقة هو الانفراد والغربة، يُعاني حقا ساكني آخر الزمان من غُربة الفكر وتيار الانقياد المستميت الإجباري، معذورون فالتوجه ضد التيار يحتاج مقومات بدائية وثانوية، بداية الأمر أن تسبح ضد التيار عامة يجب أن تمتلك قوة مضاعفة من ثلاثة لأربع أضعاف على الأقل لئلا تنجرف في الاتجاه السائر غير المرغوب، السباحة ضد التيار إذا كانت تحتاج تلك القوة فكيف يكون معنى تلك القوة إذا كنا نتحدث عن فكر تيار فكري خاطيء!
القوة المعنوية تختلف بشكل كُلي وضمني عن أي قوة جسمانية مثلًا، القوة الجسمانية تحتاج تدريب، غذاء ورياضة لكن القوة المعنوية تحتاج نفسية قوية، غذاء كذلك للنفس من دعم معنوي لتقوية وتعزيز الثقة النفسية وكذلك تدريب نفسي على التوجه ضد التيار إن لزم الأمر.
ما يشتت العقل في هذا الزمان كثرة الفتن وانحراف البوصلة وضياع الوجهة وغياب الانجراف الصحيح للتيار لتشوه المجتمع، غابت السباحة المنطقية مع التيار فالوجهة العامة أصبحت معوقة، الوجهة اشتبهت، والجمع كُثّر في الاتجاه الخاطيء، والفرد القليل في الاتجاه المعاكس أصبح اتجاه شاذ غريب عن الجمع مع صحيته، غربة الاتجاه المعاكس عن الجمع أصبح شعورًا مهيبًا، مخيفًا مع صحته، قليل سالكيه كثير ناقديه، مفتن ذلك الزمان.
فأصبح المرء بصدد تعزيز نفسه ليستطيع الثبات والاستقرار على ما ينفعه ولو اجتمعت بلده على قرار خاطيء لا يهتز له نفسًا، وقلمًا يستطيع محاربة التفرد في الاتجاه ضد التيار في ذلك الزمان.
منذ زمن ليس ببعيد كان الأمر أبسط من ذلك ومع انتشار الفتن ومن أسباب ذلك مثلا ما يُسمى الأسر الممتدة والأسر الممتدة هي مجتمع ممتد بعد الأسرة في البيت فمثلًا إذا قرر شاب أن يمسك سيجارة خارج المنزل فيجد الأسرة الممتدة كذلك رادعة فمثلًا في آخر الشارع يجد عم مصطفى يردعه ويهيبه أن يخبر والده، فيذهب الشاب لبلدة مجاورة يجد كل كبير يردعه وينبهه بحرمة ذلك وضرره على صحته حتى ولو لم يكونوا على علم ببلدته وأهله فكونه شابا يستدعي ردعه عند الخطأ لأن كل كبير يراه ولده، وهو مثال بسيط للأسر الممتدة فكان المجتمع أسرة ممتدة للمنزل علي مدار اليوم والمواقف والآراء وهو ما افتقده المجتمع في هذا الزمان.
بل وشدّ الأمر أزمته بعد غياب الأسر الممتدة بانتشار الفتن كما ذكرت فأصبحت الوجهه معتمة، والحل هو اعتزال المجتمع تارة والتعمق في الدين تارة والهروب والهرولة إلى أحكام الخالق تارة لكي تجد بوصلتك دائمًا ليست منحرفة.
“يأتي عليك زمان لا تجد فيه سرور نفسك إِلا في اعتزال الناس” – علي بن أبي طالب.