كُتاب الترند العربي

كيف تكتب فيلمًا هوليووديًا ناجحًا باستخدام كتاب فن الشعر لأرسطو؟

فيليب فريمان

ترجمة: مروان الرشيد

إذا كنت ترغب في كتابة سيناريو لفيلم رائج، فإن أرسطو هو آخر شخص قد تطلب نصيحته؛ فلقد عاش منذ أكثر من ألفيْ سنة، وقضى أيامه يلقي محاضرات عن الأخلاق وديدان الأرض، ولم يشاهد فيلمًا في حياته. لكن بعض أفضل الكُتَّاب المعاصرين في المسرح والشاشة، مثل آرون سوركين وديفيد ماميت؛ يعتقدون أن هذا الفيلسوف اليوناني القديم عرف كيف يروي قصة جذابة لكل العصور. يقول سوركين: «إنَّ فنَّ الشعر لأرسطو هو كتاب القواعد؛ وكل القواعد موجودة فيه».

ولكن أرسطو يبدو مرشدًا غير متوقع لرواة القصص. لقد ولد في قِفار مقدونيا، في شمال اليونان؛ حيث كان والده يعمل طبيبًا في بلاط الملك، جد الإسكندر الأكبر. وبعد وفاة والديه في مراهقته، سافر إلى أثينا للدراسة على يد أفلاطون، تلميذ سقراط والفيلسوف الأشهر في ذلك الوقت. كان أفلاطون مُنظِّرًا لامعًا، ولكن لم يكن له اهتمام كبير بالأمور العملية والتجريبية التي أحبها أرسطو. فالشاب كان يُشرِّح المحار ويخوض في المستنقعات ليجمع الشراغيف -مما يعني أنه أوجَدَ عِلْم الأحياء- في حين كان أفلاطون مشغولًا بتشريح الواقع غير المرئي الذي يقوم عليه الكون. وبعد وفاة أفلاطون، عاد أرسطو إلى مقدونيا لبعض الوقت ليصبح مُدرِّسًا للإسكندر في شبابه، ثم أسس في أثينا مدرسته الخاصة المكرسة للبحث والتدريس التي تسمى: الليقيون.

وفي السنوات التالية، كتب أرسطو وحاضر في كل موضوع يمكن تخيُّله: من علم الفلك والميتافيزيقيا، إلى السياسة وعلم الحيوان. لكن لسوء الحظ، لم تصلنا كتاباته كاملةً باستثناء ملاحظات مُحاضراته. لكن هذه الملاحظات، التي حُرِّفت في بعض الأحيان على يد النُّسَّاخ، أصبحت المصدر المرجعي لتعاليم أرسطو التي ستُغيِّر العالم وتصبح أساس كل تخصص يُدرَّس في الجامعات اليوم تقريبًا.

أحد الأعمال القصيرة لأرسطو، التي تمكنت من البقاء على مرِّ القرون، يُسمَّى: فنُّ الشعر. وعلى الرغم من عنوانه، إلا يتناول أكثر مما نفهمه من المعنى الحديث لكلمة الشعر. في اليونان القديمة، كانت جميع أنواع الأدب تُكتَب في شكل أبيات شعرية؛ من القصص الملحمية والدراما المأساوية، إلى الكوميديات الفاحشة. ولذا فإنَّ «فنَّ الشعر» دليل لرواية القصص بكل أنواعها. ولكن الكتاب يعاني من سوء مخطوطاته أكثر من كتابات أرسطو الأخرى؛ إذ ثمة أقسامًا مفقودة ومعاد ترتيبها، وفجوات منطقية، والنصف الثاني المختص بالكوميديا مفقود بأكمله. وكون أن الكثير من الناس، على مر العصور، قد ناضلوا لدراسة هذا العمل القصير والتعلُّم منه؛ لهي شهادة على قوته، حتى في صورته المُشوَّشة.

لقد درَّست كتاب «فنِّ الشعر» لطلاب الجامعات عدة مرات على مر السنين، واندهشت من عدد المرات التي غيَّرت بها هذه التجربة أسلوبهم في الكتابة والقراءة. ولا يوجد كتاب، كهذا الكتاب الرائع، يجعلنا نُفكِّر بعناية في ما يجعل قصةً من القصص ناجحة، سواءً أكنا نألف قصتنا الخاصة أو نحاول تذوُّق كتب شكسبير أو نشاهد فيلم «The Shawshank Redemption».

لكنني شعرت بالحزن الشديد، على مر السنين، بسبب الطلاب اللامعين الذين تخلوا عن «فنِّ الشعر» بسبب شدة الإحباط؛ لدرجة أنني قررت ترجمته من جديد من اليونانية القديمة، وحاولت تنظيمه بطريقة تجعله مفهومًا للجمهور الحديث. والنتيجة -بعنوان: «كيف تروي قصة» 2022- هي نهج جديد في «فنِّ الشعر» لأرسطو، يسعى إلى أن يكون ترجمة أمينة ودقيقة، ولكن أيضًا أن يكون كُتيِّبًا مفيدًا للكُتَّاب والقُرَّاء. قد يسخر بعض الأكاديميين من فكرة تقديم «فنِّ الشعر» كدليل إرشادي لغير المتخصصين، لكنَّ أفكار أرسطو قوية جدًا لدرجة أنها تقتضي أن تكون متاحة لجمهور أوسع. وقد لا توافق على كل ما يقوله أرسطو؛ ولكن تأمَّل أفكاره، وقرِّر ما إذا كنت حديثة ورائعة اليوم كما كانت قبل ألفيْ سنة.

قبل أن يضع أرسطو قواعد رواية القصص، يطرح مبادئ أساسية تصف ما الذي نفعله عندما نصنع أي نوع من الفن، سواءً أكان أدبًا أو موسيقى أو رسمًا أو رقصًا. والأهم من هذا، فهو يقول إن كل ما نخلقه هو نوع من المحاكاة -باللغة اليونانية: «mimesis» – للحياة، ولكن باستخدام أنواع مختلفة من الوسائط والمواد والأساليب؛ سواءً أكانت ألوانًا على قماش، أو أصواتًا في قاعة موسيقية، أو كلمات على صفحة. وهذا لا يعني أن الفن مرآة بسيطة للواقع، بل على العكس؛ لأننا نُشكِّل الصور أو الأصوات أو الكلمات، لتوضيح نقطة معينة أو رواية قصة فريدة. ولكن هذا يعني أيضًا أن كل ما تخلقه يجب أن يكون متصلًا –منطقيًّا- بالعالم الحقيقي من حولك، ويعكس الحياة إلى حد ما؛ إذا أردت للجمهور أن يُنصت لما تقوله.

قواعد أرسطو لا تعمل بشكل جيد في كل أنواع السرد القصصي؛ فتركيزه الأساسي، في «فنِّ الشعر»، مُنصب على المأساة والدراما -مثل مسرحيته المفضلة «الملك أوديب» لسوفوكليس- التي يمكن أن تُقدَّم في بضع ساعات. إنه يُقدِّر الملاحم الطويلة على غرار «سيد الخواتم»، مثل: «إلياذة» و«أوديسة» هوميروس، ولكن القصص التي تستغرق أيامًا لسردها ليست محل تركيزه الرئيسي. وهذا يجعله مناسبًا -بشكل خاص- للكُتَّاب الذين يعملون على فيلم أو سيناريو تلفزيوني منفرد، بدلًا من مسلسل يتكون من حلقات. يمكنك، بالطبع، تطبيق قواعده على الأعمال المُطوَّلة؛ مثل المواسم الستة من المسلسل التلفزيوني (Lost)، بشرط تقسيمه إلى قصص أسبوعية مستقلة.

يركز أرسطو على التراجيديات الفردية، بسبب المردود الفوري والتأثير العاطفي لهذه القصص على الجمهور عندما تُنفَّذ بشكل جيد. وكما يشرح في أحد أشهر العبارات في «فنِّ الشعر»، فإن ما تريد تحقيقه ككاتب للدراما هو إثارة الشفقة والخوف في نفوس مشاهديك؛ بمعنى الشفقة المتعاطفة «هذا الرجل الفقير»، تليها هزة الإدراك والخوف «ربَّاه، يمكن أن أكون في مكان هذا الشخص!». وعندما تفعل ذلك بشكل صحيح، فإن جمهورك يخرجون من المسرح بشكل مختلف عمَّ كانوا عليه عندما دخلوه؛ إذ مرُّوا بتطهير عاطفي من نوع ما، وهو ما يسميه اليونانيون: التنفيس «catharsis». وهذه هي القوة الحقيقية الكامنة في رواية القصص.

إذن كيف يمكن للكاتب أن يفعل ذلك، وفقًا لأرسطو؟ أول مفاهيمه الرئيسية في رواية القصص بسيطة للغاية، ولكن يتم تجاهلها في كثير من الأحيان في النصوص: يجب أن يكون للقصة الكاملة: بداية، ووسط، ونهاية.

البداية: لا تأتي بالضرورة من شيء يسبقها، ولكن الأحداث الأخرى تتبعها بشكل طبيعي وتصدر عنها. النهاية: تنبع بشكل طبيعي أو عام من شيء آخر يأتي قبله، وليس هناك شيء يتبعها. الوسط: يسبقه حدث، وتتبعه أشياء أخرى.

وكما هو الحال في كثير من الأحيان مع قواعد أرسطو، قد تبدو هذه الأشياء بديهية إلى درجة أنك قد تتساءل سبب هذا الاهتمام المبالغ فيها. ولكن فكر في عدد الأفلام التي شاهدتها، والتي تفتقر إلى بداية واضحة ومنطقية؛ يُقدَّم من خلالها العمل والشخصيات. سيتسامح معك الجمهور إذا كنت ترغب في الكشف عن الخلفية الدرامية من خلال استخدام الاسترجاع «flashback»؛ ولكن إذا لم تكشف عن الأمور الأساسية في بداية قصتك، فسيُصاب المشاهدون بالحيرة والملل. وهناك أيضًا الكثير من الأفلام التي تبدأ قوية ولكنها تضلُّ طريقها في مكان ما في الوسط، وهذا خطأ جوهري بالنسبة لأرسطو. ولكن الخطأ الأكثر شيوعًا في الأفلام، التي كان ليستنكرها الفيلسوف اليوناني، هو النهاية الضعيفة؛ حيث لا يعرف كاتب السيناريو كيف يُنهِي القصة نهايةً صحيحة. وكما يقول أرسطو، فإن أسوأ القصص هي التي تلجأ إلى نهاية قائمة على المدد الغيبي «deus ex machina» من خلال تطوُّر ركيك في الحبكة؛ كما هو الحال عندما يعود البطل المقتول بأعجوبة إلى الحياة، أو يموت الغزاة الأجانب فجأة. وهذه هي من عيوب الكُتَّاب الكسالى الذين لا يهتمون بتخطيط نصوصهم قبل البدء. سيقول أرسطو: لا تُهنْ جمهورك بهذه الطريقة؛ وإلا فلن تفوز بإكليل غار في مهرجان ديونيسوس القادم.

يحب بعضنا أن يعتقد أن ربات الإلهام تلهمه عندما يكتب، وكل ما يحتاجه هو أن يتناول القلم لينتج تحفة فنية. يقول أرسطو إن هذه فكرة سخيفة؛ فالكتابة هي عمل شاق والكتابة الجيدة تتطلب خطة مفصلة، مثل أي عمل آخر جيد: سواءً أكان الاعتماد على قصة سابقة أو إنشاء قصة جديدة، يجب على الكاتب أولًا تحديد البنية العامة للقصة، ثم ملئها بالأحداث والتفاصيل.

درس آخر يعلِّمه أرسطو هو درس يتجاهله الكثير من صانعي الأفلام: يجب أن تكون المشاهِد تابعةً للحبكة. بالنسبة لليونانيين القدماء، كان هذا يعني مسرحًا يحتوي على الكثير من الدعائم والديكورات؛ ولكن هذا ينطبق على الأفلام أيضًا. وسواءً أكان هذا في حالة آلاف الممثلين في الفلم الكلاسيكي لستانلي كوبريك: سبارتاكوس (1960)، أو الرسومات الرقمية المتطورة على الشاشة المعاصرة؛ فإن الأُبَّهة المتقنة والمؤثرات الخاصة يجب أن تكون في خدمة السرد. ولا يمكن لمشاهد المعارك الرائعة والسيارات المحطمة أن تُعوِّض حبكة ضعيفة، بل هي إلهاء مُرهِق عندما تكون القصة معدومة (نعم، أقصد هنا الأجزاء التالية لفلم «حرب النجوم»). فحتى أكثر المعجبين شغفًا سيملُّ من فيلم كله وميض وضجيج من غير مضمون. وهذا لا يعني أن المؤثرات الخاصة هي فكرة سيئة في الأفلام، على العكس من ذلك. يمكنك أن تجد قصة قوية وصور مُنشَأة بالحاسوب مذهلة في فيلم مثل «Avengers: Endgame»، لكن العملين في مارفل كانوا من الذكاء بحيث جعلوا المشاهد في خدمة القصة دائمًا.

ولكن كم المدة التي يجب أن يكون عليها الفلم أو المسلسل التلفزيوني؟ أرسطو لديه تشبيه رائع للحديث عن الطول المناسب للقصة؛ فبالاعتماد على خلفيته كعالم أحياء، يقول إن مشاهدة تكشُّف القصة يشبه النظر إلى حيوان. يجب أن يكون جمهورك قادرًا على رؤية كل شيء بوضوح في وقت واحد لتقديره. إذا كانت الحبكة مثل بعض المخلوقات البحرية العملاقة التي لا يستطيع جمهورك إبقائها دفعة واحدة في أذهانهم، فسوف يفقدون الاهتمام بها. أما كانت صغيرة جدًا، مثل قشريات صغيرة على شاطئ بحر إيجة، فلن تجذب أي شخص أيضًا. يُفضِّل أرسطو قصة ممتدة عندما يكون ذلك ممكنًا:

عادة ما تكون الحبكة الأطول أفضل وأجمل، بشرط أن يظل من الممكن الاحتفاظ بها في الذاكرة دفعة واحدة. التعريف البسيط للطول المناسب للقصة هو: أنها طويلة بما يكفي للسماح بالتغيير من الحظ السعيد إلى الحظ التعيس أو من التعيس إلى السعيد، بما يتفق مع ما هو محتمل أو ضروري.

ولكن هناك سبب أيضًا لوجود جائزة الأوسكار للأفلام القصيرة. فكما يقدر أرسطو بالتأكيد، يمكن لبيكسار وإستوديوهات موهوبة أخرى أن تخلق قصصًا مذهلة وكاملة لا تدوم أكثر من خمس دقائق. فما يهم ليس مدة الفلم، وإنما استخدام الوقت بحرص. وبوصفك كاتبًا، عليك أن تجد الطول السحري الذي يمنحك صفحات كافية لتطوير الحبكة بشكل صحيح، ولكن ليس إلى درجة أن تُصيب مشاهديك بالملل.

القاعدة الأكثر إثارة للجدل، التي يعطيها أرسطو في «فن الشعر»، هي أن الشخصية ثانوية للحبكة:

الحبكة هي المبدأ الأول، وهي -إذا جاز التعبير- روح التراجيديا. والشخصية تأتي في المرتبة الثانية. والرسم، تقريبًا، مُشابه لهذا؛ إذا غطى فنان سطحًا بأرقى وأجمل الألوان بشكل عشوائي، فسيوفر للمشاهد متعة أقل من مخطط بسيط لكائن.

قد يقول بعض النقاد المعاصرين بأن أرسطو يعتقد أن الشخصيات غير مهمة، لكن هذه قراءة خاطئة للنص. في الواقع، هو يؤمن –بعمق- بالشخصيات الغنية والمتطورة التي تعيش في القصة، ولكن هذه الشخصيات يجب أن تكون في خدمة القصة وليس العكس. من المؤكد أن بعض الكُّتَّاب والمخرجين الموهوبين جدًا يعتقدون أن أرسطو مُخطِئ في هذه القاعدة وأن بناء الشخصيات هو كل شيء في القصة، لكنني أعتقد أن أرسطو على حق. فكر للحظة في أفضل الأفلام التي شاهدتها، وما إذا كانت مدفوعة بالحبكة أو الشخصية. فلم «The Usual Suspects»، على سبيل المثال، يمتلك بعضًا من أكثر الشخصيات إثارةً للاهتمام في الأفلام، لكنها في خدمة حبكة الفيلم. وينطبق الشيء نفسه على «Casablanca»، أو «Black Panther»، أو «Thelma and Louise». سأُسلِّم بأن الشخصيات قد تكون أكثر أهمية من الحبكة في الأعمال الكوميديا العظيمة مثل «A Funny Thing Happened on the Way to the Forum» أو «The Big Lebowski»؛ ولكن بما أن النصف الثاني المتعلِّق بالكوميديا من «فن الشعر» مفقود، فلا نعرف ما إذا كان أرسطو قد اعتقد هذا أيضًا.

ولكن كون أن أرسطو يعتقد أن الحبكة -في نهاية المطاف- أكثر أهمية من الشخصية، لا يعني أن الفاعلين في قصتك غير مهمين. إحدى الملاحظات البسيطة، ولكن العميقة، التي يقدمها أرسطو هي أن أي كاتب يريد جذب انتباه الجمهور يحتاج إلى تركيز القصة على الصراع بين الشخصيات. وحتى لو كانت حبكة فيلمك تستند إلى إنقاذ الأرض من مذنب شارد، فإن الصراعات بين شخصياتك هي الأكثر أهمية. لماذا الصراع؟ لأن القصة التي يكون فيها الجميع على وفاق مع بعضهم بعضًا ستكون مملة مثل مشاهدة الطلاء يجف. من يجب أن يكون في صراع؟ يمكن أن يكون لديك قصة بسيطة عن أميرة تحارب شريرًا وتنتصر عليه، ولكن هذه حبكة تصلح لرسوم متحركة مسلية للأطفال. إذا كنت تريد أن تجذب قصتك البالغين، فاجعل الصراع حول العلاقات التي يعلم الجميع أنها مشحونة بالدراما:

إن المعاناة التي تحدث بين أولئك الذين هم في علاقة وثيقة هي الأفضل؛ سواء الأخ ضد الأخ، أو الابن ضد الأب، أو الأم ضد الابن، أو الابن ضد الأم.

لا تحتاج قصتك إلى أن تكون مظلمة مثل ثلاثية «Oresteia» للكاتب المسرحي اليوناني القديم إسخيلوس، حيث يقتل أفراد العائلة بعضهم بعضًا في كل منعطف، ولكن لا يوجد شيء أكثر إزعاجًا واتصالًا بواقعنا من شجار بين أشخاص يحبون بعضهم بعضًا: الآباء والأبناء، والأزواج والزوجات، وأفضل الأصدقاء؛ إن الصراعات بين هذه الشخصيات هي التي سوف تمزق قلبك، وتجعلك تريد أن ترى كيف تنتهي القصة.

نقطة رئيسية أخرى لأرسطو حول الشخصيات المأساوية هي كيف يجب أن تكون النتيجة بشكل عام في منحنى الحبكة درامية. فهو يقول إنه من الضروري أن تتغير الشخصية من بداية القصة إلى نهايتها؛ وإذا كنت ترغب في تحقيق أقصى تأثير على الجمهور، فيجب أن يكون ذلك هدفك ككاتب. ولكن هناك أنواع مختلفة من التغييرات الممكنة، بالاعتماد على الطبيعة الأساسية للشخصية. من المؤكد أنه لا ينبغي لأي شخصية في القصة أن تكون ثنائية الأبعاد ومكتوبة ببساطة على أنها جيدة أو سيئة، وإنما أن تميل الشخصيات إلى الوقوع في هذه الفئة أو تلك. أرسطو -كونه سيدَ المنطق- يحدد بعض احتمالات تغيير الشخصية على مدار القصة. يقول إنه يمكن أن يكون لديك شخص سيء يعاني من عاقبة سيئة، لكن هذا ليس مثيرًا للاهتمام لأي شخص فوق سن الخامسة. ويمكن أن يكون لديك أيضًا شخص جيد يعاني من نهاية مروعة، لكن هذا سيترك جمهورك مملوءًا بالصدمة والاشمئزاز وليس الشفقة والخوف. وبالمثل، إذا كان لديك شخص شرير ينتصر في نهاية قصتك، فسيقوم المشاهدون بإلقاء الفشار على الشاشة ولن يقوم أحد بتوظيفك مرة أخرى. ما يتبقى هو تغيير الشخصية الذي يقول أرسطو إنه يعمل بشكل أفضل:

ما يبقى من أجل أفضل شخصية مأساوية هو أن يكون شخصًا بين هذا وذاك: لا شريرًا بشكل فظيع، ولا مثالًا ساطعًا على الفضيلة. وهذا الشخص يسقُط ليس بسبب شر كبير أو رذيلة، ولكن بسبب خطأ أو ضعف.

بعبارة أخرى، أفضل دراما هي عن شخص مثلك أو مثلي -على الأقل على النحو الذي يحب معظمنا أن ينظر إلى نفسه- شخص غير كامل ولكنه محترم ويدفع ضرائبه، ويحب الجراء، وسيساعد بكل سرور صديقًا محتاجًا. ولكن هذه الشخصية تنطوي على عيب خفي -مثل أيٍّ منا- تجعلها تُقصِّر في الحياة، وتنتهي نهاية مأساوية. لا يجب أن يكون العيب مدمرًا مثل غطرسة أوديب التي تجعله من غير قصد يقتل والده ويتزوج والدته، ولكن يجب أن يكون سيئًا بما يكفي لجعل الشخصية تتخذ خيارات سيئة للغاية، سواءً بسبب الغضب أو الإدمان أو حتى الحب الذي يخرج عن السيطرة.

«اعرض الأحداث بدلًا من التحدُّث عنها»، هي قاعدة أساسية أخرى في فصول الكتابة الإبداعية مأخوذة من أرسطو. بعبارة أخرى، لا تستخدم السرد إلا إذا كان عليك فعل ذلك حقًا. نموذج أرسطو في هذا، كما هو الحال بالنسبة للكثير من النماذج الأخرى في «فن الشعر»، هو أبكر وأعظم كاتب يوناني للملحمة:

يستحق هوميروس الثناء مقارنةً بالشعراء الآخرين لأسباب عديدة، ولكن أهمها هي أنه يعرف متى لا يستخدم صوته. يجب على راوي القصة ألَّا يستخدم السرد كثيرًا، حيث أن السرد ليس محاكاة. يقوم المؤلفون الآخرون بإدخال أصواتهم في قصصهم طوال الوقت، ونادرًا ما يستخدمون المحاكاة إن استخدموها. لكن هوميروس، بعد التحدُّث في مقدمة موجزة للغاية، يتراجع ويقدم رجلًا أو امرأة أو شخصية أخرى مثيرة للاهتمام لتتولى السرد.

يمكن للسرد أن يعمل بشكل جيد في أفضل الأفلام -فكر بـ«Apocalypse Now» أو «Y tu Mamá tambien» – ولكن من الصعب جدًا فعله بشكل صحيح. وما لم يكن لديك قدرة غير عادية في السرد، ابق بعيدًا عن القصة ودع شخصياتك تحمل الأحداث.

غني عن القول أيضًا، أنك -بصفتك كاتبًا- بحاجة إلى الخيال؛ لكن أرسطو يضيف أن عليك ألا تتجشَّم عناء الكتابة إلا إذا كانت لديك القدرة على تخيُّل القصة في رأسك واستشعار ما تمر به شخصياتك:

الكتَّاب الأنجح هم أولئك القادرون – بطبيعتهم- على التعرُّف على شخصياتهم والشعور بها. وأصدق الغضب وأشد الضيق يُعبِّر عنه المؤلفون الذين يشعرون بالفعل بالغضب أو الضيق في روحهم. وبالتالي فإن أفضل الكتاب هم أولئك الموهوبون للغاية أو المجانين.

وأخيرًا، حتى الكُتَّاب المضطربين يحتاجون إلى أن يُحكِموا السيطرة على المنطق والعقل في كتاباتهم؛ فلا صبر عند أرسطو على القصص ذات العناصر غير المنطقية:

بقدر الإمكان، يجب ألا تحتوي القصص على أجزاء لا تصدق… والحجة القائلة بأن الحبكة ستفسد دون عناصر لا تُصدَّق أمر سخيف، لأنه لا يوجد سبب لإدراجها في المقام الأول. وإذا ضمَّن الكاتب عنصرًا غير عقلاني وكان هناك بديل معقول متاح، فهذا أمر لا يغتفر.

من السهل التفكير في البرامج التلفزيونية الجيدة التي تسوء في بعض الأحيان بسبب هذا الشيء -على سبيل المثال، عندما أحرقت دينيريس عاصمة المملكة في المسلسل التلفزيوني «Game of Thrones»، أو عندما أصبح بارن ملكًا على البلاد- ولكن ربما لديك قائمة خاصة بك.

هناك الكثير من الدروس التي يمكن لأرسطو تعليمها للكُتَّاب المعاصرين، ولكن يمكنك اكتشافها بنفسك وأنت تشق طريقك في كتاب «فن الشعر». وقواعد أرسطو خالدة لسبب بسيط، هو أن حبنا للقصص ذات السرد الجيد لم يتغير عبر العصور. هذا القواعد كانت مفيدة لهوميروس وسوفوكليس، وستكون مفيدة لك.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى