كُتاب الترند العربي

تعرف على أنواع التصادم البحري في النظام البحري التجاري السعودي

د. مساعد سعود الرشيدي

يعد النشاط البحري ركيزة أساسية تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فهو يلعب دورًا حيويا في التجارة العالمية والوطنية، وكانت السفن باعتبارها الأداة الرئيسية للملاحة البحرية تتعرض للعديد من المخاطر أثناء الرحلة البحرية، في حين أنَّها أصبحت تستخدم البخار والطاقة الذرّية والتقنيات الحديثة، إلَّا إنَّ الخطر ما زال حاضرًا والحوادث البحرية أصبحت من أبرز المشاكل الّتي تواجه النقل البحري (1)، ولعلّ ذلك يرجع لكون هذه السفن أصبحت تسير بسرعة فائقة وأصبحت هياكلها من الصلب والفولاذ وتضخمت أحجامها، ممّا جعل حوادث التصادم أمرًا مروعًا، وهذا ما حث الجهود الدولية من أجل السعي نحو توقي حوادث التصادم ومنعها، والعمل على تحسين أمان النقل البحري، فأبرمت اتفاقية اللوائح الدولية لمنع التصادم في البحار عام  1972، وانضمت إليها المملكة وأكدت على نفاذها في المادة 259 من النظام البحري التجاري(4)، ونصها: (يلتزم الربان بقواعد توجيه السفن وقيادتها، التي نصت عليها معاهدة القواعد الدولية لمنع التصادم في البحر لعام 1972م وتعديلاتها النافذة في المملكة).

وفي هذا السياق؛ تطرح الأسئلة التالية: ما هو المقصود بالتصادم البحري؟ و ماهي شروط التصادم البحري؟ وما هي أنواع التصادم البحري؟ وما هي المسؤولية المترتبة على كل نوع؟ وما هو الالتزام بالمساعدة؟ 

أولًا: المقصود بالتصادم البحري

انقسم الفقه حول تحديد معنى التصادم البحري من الناحية القانونية، فاتجه فريق إلى تبني المعنى المُضيق للتصادم ، بينما اتجه فريق آخر إلى التمسك بالمعنى المُوسع للتصادم وذلك على النحو التالي:

  1. المعنى المُضيق للتصادم

يرى أنصار هذا الاتجاه أن التصادم هو ” ارتطام ماديّ يقع في البحر بين سفينتين أو بين سفينة ومركب ، ويستند أصحاب هذا الرأي إلى المعنى اللغوي الذي يفترض حصول احتكاك أو التحام مباشر بين منشاتين عائمتين، شريطة أن تكون أحدهما لها وصف السفينة بالمعنى القانوني، كما يشترط أصحاب هذا الاتجاه وقوع التصادم في البحر لأن المجموعة البحرية قاصرة على حكم الوقائع التي تحدث في البحر دون تلك التي تقع في الانهار (5).

  1. المعنى المُوسع للتصادم

يرى غالبية الفقه أن التصادم البحري هو ارتطام مادي يحصل بين سفينتين بحريتين أو أكثر أو بين سفينة بحرية ومركب للملاحة الداخلية سواء وقع التصادم بالبحر أوفي مياه بحرية كانت أو داخلية، فركّز أصحاب هذا الرأي على صفة المنشآت أو السفن التي كانت طرفًا في التصادم البحري، ولم يهتم بمكان حدوث التصادم سواء في المياه البحرية أو المياه الدولية (6).

وإذا كانت معاهدة بروكسل 1910 (7) قد عرفت التصادم في مادتها الأولى بأنّه “التصادم الذي يحصل بين سفينتين بحريتين أو بين سفينة بحرية ومركب ملاحة داخلية بغض النظر عن المياه التي يقع فيها التصادم” ومن ثم تكون قد تبنّت المعنى الموسع للتصادم البحري، أمَّا النظام البحري التجاري السعودي فقد عرف في مادته الأولى التصادم بأنه ” التصادم الذي يحدث بين سفينتين أو أكثر، أو بين سفينة وأي منشأة بحرية”. مما يدل على تبنّي المنظم المعنى المضيق للتصادم البحري.

ثانيًا: شروط التصادم البحري

من خلال تعريف التصادم على النحو آنف الذكر يتضح لنا أنه يجب لكي نكون بصدد تصادم توافر عدة شروط هي:

  1. تحديد أطراف التصادم

فيتعين أن يحدث التصادم بين سفينتين بحريتين أو أكثر ويقصد بالسفينة في هذا الصدد المعنى القانوني الصحيح لها؛ وفقا للفقرة الخامسة من المادة الأولى من النظام البحري التجاري السعودي والتي نصت على أنَّ السفينة هي “كل منشأة عائمة معدة للعمل في الملاحة البحرية على وجه الاعتياد ولو لم تهدف إلى الربح وتعد ملحقات السفينة اللازمة لاستغلالها جزءًا منها”.

وبتالي فإن التصادم الذي يحدث لحطام سفينة أخرى أو كراكة أو أحد الجسور لا يعد تصادمًا. (8)

وتسري أحكام هذا التصادم على ما يحدث بين السفينة وأي منشأة بحرية، وبالرجوع للتعاريف بالمادة الأولى من النظام البحري التجاري وجدنا تعريفاً للمنصة البحرية بأنها ” منشأة بحرية تستخدم لاستخراج الزيت أو الغاز أو غيرها من الثروات وتعد في حكم السفينة ” ومن ثَمّ فإن التصادم الذي يحدث من سفينة لمنصة بحرية يعتبر تصادمًا.

  1. حدوث ارتطام مادي

حتى نكون أمام تصادمًا بحريا يشترط وقوع اصطدام أو ارتطام مادي ،أي وجود تضارب أو التحام فعلي بين السفن أو بين سفينة ومراكب المالحة البحرية أو أشياء ،مما يؤدي الى وقوع أضرار نتيجة هذا الارتطام، ولكن لا يلزم أن يحدث التصادم بين الهياكل الأساسية أو المبنى الأساسي للسفينة والعائمة الأخرى، ولا يلزم أن يكون التصادم مباشرًا ، فإذا صدمت سفينة مركبًا فأدى ذلك إلى اصطدام المركب بسفينة أو عائمة أخرى، فإن المضرور في هذه الأخيرة يملك الرجوع على السفينة الأولى التي نشأ عنها التصادم وهو ما يسمى بالاصطدام بالواسطة.

وإذا كان ما تقدم هو الارتطام الفعلي، فإنه يختلف عن الارتطام الحكمي وهو الذي يترتب حال إذا لحقت السفينة أضرار نتيجة مرور سفينة أخرى على نحو حرك الأمواج تحريكًا شديدًا. (9)

  1. عدم وجود تنظيم اتفاقي أو قانوني بين أطراف التصادم

تعد المسئولية الناجمة عن التصادم هي مسئولية تقصيرية، ومن ثم فلا مجال لتطبيق أحكامها إذا كانت هناك علاقة عقدية تربط بين أطراف التصادم كما هو الحال في عقد القطر، إلّا أن أحكام المسئولية الناشئة عن التصادم تنطبق إذا وقع التصادم بخطأ المرشد، ولو كان الإرشاد إجباريًّا، وذلك مع عدم الإخلال بالقواعد العامة في المسؤولية. (10)

ثالثًا: أنواع التصادم البحري والمسئولية المترتبة على كل نوع

ترتكز المسئولية في أنواع التصادم على الخطأ الواجب الإثبات، ويقع عبء الإثبات على مدّعي وجود الخطأ، ويختلف تحديد المسئولية تبعًا لتحديد الخطأ الذي أدّى إلى وقوع الحادث.

وسوف نتولى دراسة الأنواع فيما يلي:

  1. ثبوت خطأ إحدى السفن

نصت الفقرة الأولى من المادة الرابعة والخمسون بعد المائتين من النظام البحري التجاري السعودي على أنّه: “إذا حدث تصادم بسبب خطأ إحدى السفن التزمت السفينة المحدثة للضرر بالتعويض الذي يترتب على هذا التصادم”.

ولفظ السفينة الوارد في هذه المادة ينصرف إلى مالك السفينة  أو مجهزها، فيسأل مالك السفينة أو مجهزها مدنيًّا عن أفعال الربان والبحارة والمرشد وأي شخص آخر في خدمة السفينة إذا وقعت منهم أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها (11)، كما يسأل مالك السفينة ومجهزها عن  الضرر الناشئ عن فعلٍ أو امتناعٍ عن فعل صدر من مالك السفينة أو نائبه بقصد إحداث الضرر، أو عن إهمال مصحوب بإدراك أن ضرراً يمكن أن يحدث (12)، كإهمال الصيانة أو تزويدها بطاقم من غير الأكفاء، أو عدم تزويدها بأدوات وأجهزة الاتصال وانوار والعلامات التي تستخدم (13)، وقد يحدث  الخطأ من قبل أحد أفراد الطاقم عن طريق الخطأ، دون وجود قوة قاهرة. كما قد يحدث خطأ في الإدارة والتخطيط وتنظيم الرحلة البحرية، أو خطأ في تحديد المواقع والاتجاهات وسرعة السفن، أو خطأ في الاتصالات ومراكز الرصد والمراقبة. قد يؤدي الخطأ في أي من هذه الجوانب إلى حدوث التصادم بين السفن، مما يتسبب في أضرار مادية وأحيانًا إصابات وخسائر بشرية (14)، وفي جميع الأحوال يتعين إثبات الخطأ.

  1. التصادم بسبب قوة قاهرة، أو كان هناك شك في أسبابه

حال ثبوت أن التصادم نتج عن قوة قاهرة أي لأسباب خارجية لا يمكن توقعها أو دفعها كإعصار مفاجئ أو دوامات غير عادية، أو كان التصادم وقع نتيجة أسباب لم يتم اكتشافها أو حامَ الشك حولها، تحملت كل سفينة ما أصابها من ضرر ولو كانت السفن التي وقع بينها التصادم أو إحداها راسية وقت وقوع التصادم. (15)

  1. التصادم بسبب خطأ مشترك

يعتبر التصادم بخطأ مشترك إذا كان المتسبب فيه سفينتين أو أكثر ، كما لوثبت أن الربان كان يسير بسرعة فائقة رغم وجود الضباب أو وجود ظروف تبرر تخفيض السرعة وفقًا للقواعد الدولية للسير في البحار ، وثبت أن ربان السفينة الأخرى لم يستخدم الأنوار أو العلامات التي تحذر السفن الأخرى (16)، فهنا يتم تحديد مدى المسئولية وفقًا لنسبة الخطأ الذي وقع من كل سفينة، فإن  لم يتسن معرفة نسبة الخطأ الذي وقع من كل سفينة وزعت المسؤولية بينها بالتساوي(17)، وهذا كله في العلاقة بين السفينتين، أما بالنسبة للغير الذي لحقه ضرر من هذا التصادم كأن يكون التصادم قد ألحق أضرار بسفينة أخرى أو أضرار لحقت بحمولتها، أو بالأمتعة، أو الأشياء الأخرى الخاصة بالبحارة، أو بأي شخص آخر موجود على السفينة، فيكون للغير الرجوع على مجهز كل سفينة في حدود مسئوليته التي تم تقديرها على أساس مدى مساهمة خطئه في حدوث التصادم ولا يوجد هنا تضامن (18)، ولا يتحقق التضامن إلا في حالة  إذا ترتب على الخطأ وفاة شخص أو إصابته بدنيًّا بجروح، فيلتزم المجهز الذي يتم الرجوع عليه بتغطية كل الضرر، ويرجع على مجهزي السفن الأخرى لاسترداد ما دفعه بالزيادة عما يخصه من المسئولية. (19)

رابعًا: الالتزام بالمساعدة

يلتزم ربان السفينة حال حدوث تصادم أن يبادر إلى تقديم المساعدة للسفن الأخرى وبحارتها وغيرهم من الأشخاص الموجودين عليها، وذلك بالقدر الذي لا يعرض سفينته أو بحارتها أو الأشخاص الموجودين عليها للخطر، ويسأل الربان عن الإهمال في تقديم المساعدة، أما المجهز فلا يسأل عن ذلك إلا إذا ثبت أن عدم قيام الربان بتقديم المساعدة جاء تنفيذ لتعليمات صريحة منه.  

المصدر: مساعد سعود الرشيدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى